لكم كان لافتاً وجريئاً حينها، تصريح المفكر السوري ميشال كيلو حول سؤال عن احتمال وجود مخاوف لدى الأقليات الدينية والعرقية في سورية والعالم العربي، من وصول الإسلاميين في خضم الربيع العربي إلى السلطة، في ظل حيازتهم على الشارع، وحسن تنظيمهم وتماسكهم السياسي، عندما قال بما معناه: «دعهم يصلون ويخوضون تجربتهم السياسية، كما خاضها من قبلهم اليساريون والقوميون والليبراليون... ويريحوننا بقى!». نشوة النصر التي لا يزال الإسلاميون «ثملين» بها، على رغم الهزات والخضات التي عرفتها البلدان التي تمكنوا من الوصول إلى الحكم فيها أو لم يتمكنوا (الجزائر)، تسدل على أعينهم غشاوة «الفخ» السياسي الذي نصبه لهم حلفاؤهم والغرب بوجه عام. فقبل ما يقرب من عقد من الزمان، وعندما تحدث من وصف من قبل الأميركيين وغيرهم بأنه «أغبى» رئيس عرفته الولاياتالمتحدة، عن مشروعه «الفوضى الخلاقة»، اعتبر كثيرون من المحللين والاستراتيجيين أن كلام بوش الابن عن هذا المفهوم أو المشروع، إن كان عارفاً بمضمونه، لا يمكن تطبيقه أو تنفيذه على الأقل من قبل الرئيس بوش الابن نفسه، بيد أن تداعيات الأمور وما وصلنا إليه من «فوضى» تجتاح المنطقة العربية تحت مسمى «الربيع العربي» يجعلنا نعيد النظر في إمكان تولي أوباما، الرجل الأكاديمي، مهمة تنفيذ ما أوكله إليه سلفه.فنجاح الإسلاميين في الوصول على موجة الربيع العربي إلى الحكم، في أكثر من بلد عربي، وهو أمر لست في وارد مناقشة أحقيتهم به من عدمها، ولا أساليبهم في الوصول، جاء من خلال التحالف مع الليبراليين المدعومين من منظومة القيم الغربية التي تعلي من شأن «الحرية» وتقدسها، وتقيم حروبها حول العالم للدفاع عنها، وتكفي مشاهدة بعض أفلام الحروب والأكشن الأميركية للتأكد من ذلك. هذا التوظيف الإسلاموي للمفهوم الغربي «المقدس» (الحرية)، جاء على حساب مراعاة أوضاع الأمة والشعوب، ونجح في الترويج للمفهوم بحمولته الغربية على حساب منظومة القيم الإسلامية والعربية لأهل المنطقة، ومن دون أن يشعر بذلك الإسلاميون. كثير من الامتحانات والاختبارات السياسية فشل فيها إسلاميو الربيع العربي، وساهمت في التعجيل في نضوب رصيدهم الانتخابي والشعبي تالياً، فاستلهامهم الدعاية الغربية في حملاتهم الانتخابية في مصر على سبيل المثال، جعل من مشاكل «الزبالة والمرور والعيش» أموراً رئيسة لمرشحي التيارات الإسلامية، وكأنهم بتحالفهم مع الليبرالية الغربية وأذنابها في المنطقة، سينجحون في حل المشاكل اليومية للشعب المصري بطرفة عين! المشهد الآخر الذي فشل فيه إسلاميو الربيع العربي، تمثل في الموقف من الكيان الإسرائيلي، فكان موقفهم المهادن والموارب والبراغماتي في التعامل مع عدو الشعب والأمة مثار تساؤلات عن جدية محاولة الإسلاميين الحلول مكان نظام مبارك؟ وتم التغاضي عن مسألة حسم العداء للكيان الإسرائيلي لمصلحة «طمأنة» الغرب والليبراليين المتخوفين على ربيبتهم من وصول الإسلاميين للحكم. أما ثالثة الأثافي، فكان تحالف الإسلاميين الجدد مع مشروع الليبرالية الغربية في المنطقة، ومراهنتهم على تحقيق الرفاهية الموعودة لكل ناخبيهم، ومشاركة رموز منهم في مؤتمر دافوس الاقتصادي حيث تتجمع طغمة الممتصين لثروات الشعوب، ومرة أخرى لطمأنتهم ونيل الرضا والرضوان! ما من شك في أن جوهر الحراك الشعبي في الربيع العربي قائم على رفض الاستبداد ومقاومته، وخلع عهود الخنع والذل لطغاة وفراعنة العالم العربي، وهو ما يجعل من مفهوم «الحرية» مطلباً شعبياً وجماهيرياً، ولكن بالمفهوم التراثي له، والذي يعنيه ويقدره ويفهمه أهل المنطقة وشعوبها، ولا يعني استبدال القمع والالتحاق السياسي بآخر اقتصادي، وإغداق الوعود الانتخابية بالرفاهية وتحقيق الأحلام. وكان يكفيهم على سبيل المثال الاعتراف بسوء الواقع الاقتصادي والسياسي للبلاد والعباد، والثبات على المواقف التي تمايزوا بها عن أنظمة الحكم الاستبدادية في ما يتعلق بفلسطين والعلاقة مع الكيان الإسرائيلي، وطلب «النظرة إلى ميسرة» حتى يتموا تطهير البلاد من أوبئة العهود السالفة، في الوقت الذي يمارسون فيه الحرية وتداول السلطة والنزاهة والشفافية عملياً ليبددوا مخاوف الداخل وهواجس الخارج، على حد سواء. هي «دهرية» عاشها العرب قديماً مذهباً فكرياً ملأوا به فراغ حياتهم الفكرية، «وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون» (الجاثية 24)، وهم اليوم من دون أن يشعروا يسترجعونها من خلال الحرص على حياة زائلة زائفة متهالكة، بذريعة النهوض والاستخلاف وإعمار الأرض والإنسان، ونسي إسلاميو الربيع العربي أن مشروعهم الدنيوي إنما هو في خدمة مشروع أخروي كان ليخفف عنهم من أعباء الارتهان والطمأنة للغرب والآخر لو كانوا يحسنون صنعاً!