تراجعت أسعار النفط الخام طوال أيام الأسبوع الماضي، فانخفضت أسعار النفط الأميركي الخفيف من مستوى 74 دولاراً الذي سجلته قبل أسبوعين لتصل الى مستوى 60 دولاراً في نهاية تعاملات الأسبوع الماضي. تعود أسباب هذا التدهور في الأسعار إلى ثلاثة عوامل، الأول هو التشاؤم المتزايد بوهن الاقتصاد العالمي، خصوصاً بعد الإحصاءات الاقتصادية السلبية من الولاياتالمتحدة، وأبرزها تلك المتعلقة بمعدلات البطالة التي تستمر على معدل نصف مليون عاطل جديد من العمل شهرياً. والثاني هو الارتفاع الملحوظ في المخزون التجاري للمنتجات النفطية في الولاياتالمتحدة (ارتفع إلى ضعف معدله في السنوات الخمس الماضية، مسجلاً نحو 1.1 بليون برميل، وهو رقم قياسي)، خصوصاً المنتجات الوسيطة (وقود التدفئة) والبنزين والديزل، على رغم بدء موسم الصيف وعطلة عيد الاستقلال الأميركي في 4 تموز (يوليو)، حين تكثر الإجازات والسفر ومن ثم استعمال وسائل النقل، ما يرفع استهلاك وقود السيارات إلى ذروته. ولذلك يتوقع من عدم زيادة الاستهلاك الآن ان يستمر الاستهلاك عند مستويات منخفضة في المستقبل المنظور. والعامل الثالث، ارتفاع ملحوظ في مستويات مخزون النفط الخام في الولاياتالمتحدة، ما يدل على ارتفاع مستوى الإمدادات. وبالفعل نجد ان الصادرات في الفترة الأخيرة من دول منظمة «أوبك» في ارتفاع ملحوظ، على خلاف ما تم الاتفاق عليه. يشير هذا التذبذب في أسعار النفط الخام، المادة الأولية الأكثر تداولاً على الصعيد التجاري في العالم، إلى الحذر والشكوك عند الرأي العام من مستقبل الاقتصاد العالمي والتساؤل هل هذا الاقتصاد في مرحلة استقرار أم تعاف؟ والشعور العام في الولاياتالمتحدة ان ضخ البلايين من الدولارات لإنقاذ المؤسسات المالية والصناعية لم يساعد حتى الآن على زيادة الطلب، بل فقط على الحفاظ على استقراره، أي ان الوضع في حال استقرار وليس حال تعاف بعد. لا تقتصر الصورة التشاؤمية هذه على الولاياتالمتحدة، إذ تشير الأرقام الأولية للطلب على النفط في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (الدول الصناعية) في الفصل الثاني من السنة إلى انخفاضها إلى نحو 46.1 مليون برميل يومياً، مقارنة بنحو 47.3 مليون برميل يومياً في الفصل الثاني من العام الماضي، و48.2 مليون برميل يومياً في الفصل الثاني من عام 2007. أما بالنسبة إلى الأرقام الأولية لمعدلات استهلاك النفط عالمياً، فتشير المعلومات المبدئية إلى احتمال انخفاضه إلى 85.4 مليون برميل يومياً في 2009، مقارنة بنحو86.1 مليون برميل يومياً في 2008 و85.8 مليون برميل يومياً في 2007. وتعكس أسعار النفط هذه الأيام أيضاً تقلبات الأسواق المالية، خصوصاً ارتفاع قيمة الدولار أو انخفاضها بالنسبة إلى العملات العالمية الأخرى، مثل الين الياباني او اليورو الأوروبي. فالذي يحصل هو ارتفاع سعر النفط مع ارتفاع قيمة الدولار، والعكس صحيح، إذ ينخفض سعر النفط عادة مع انخفاض قيمة الدولار. والسبب في ذلك، هو ان المستثمرين الذين لديهم الين أو اليورو يفضلون اللجوء إلى النفط والاستفادة من تقييمه بالدولار المرتفع نسبياً عن قيمة عملتهم. طبعاً، لا يمكن الاستهانة بدور المضاربة في هذا التراجع السريع للأسعار، خصوصاً مع الدور المتزايد الذي تلعبه الأسواق المالية في التأثير في أسعار النفط. فكما لعب المضاربون دوراً رئيساً في الزيادة السريعة للأسعار، يلعبون الآن دوراً مشابهاً في حالات التذبذب الحالية، وهدفهم الرئيس هو تحقيق الأرباح السريعة واستغلال الأوضاع الراهنة من شكوك المستثمرين بالأوضاع الاقتصادية المستقبلية. وأثارت تصريحات غاري غينسلر، رئيس هيئة التعامل المستقبلي بالمواد الأولية الأميركية، أمام إحدى لجان الكونغرس واحتمال إصداره نظماً جديدة للتعامل في الأسواق الآجلة، التعليقات مجدداً حول دور المضاربين، كما أخافت المضاربين، ما دفع البعض منهم إلى الانسحاب من الأسواق، ولو موقتاً، تحسباً لأي نظم جديدة، وهذا بدوره أدى إلى ضعف الأسعار. * كاتب متخصص في شؤون الطاقة