إن لشهر رمضان في دول البلقان نكهته الخاصة، فالأفراح تنتشر بقدومه وحلوله منذ إعلانه في وسائل الإعلام الرسمية، والغبطة تغمر جماهير المسلمين من الرجال والنساء والأطفال، والمساجد تمتلئ بالمصلين لأداء صلاة التراويح وصلاة الفجر والصلوات الأخرى في مساجد المدن والبلدات والقرى في جميع البلدان البلقانية، والأسواق تغصّ بروادها من الصائمين لشراء الأطعمة والأشربة الرمضانية، والمآدب الرمضانية تقام في المساجد والمطاعم والفنادق وفي الساحات العامة أيضاً في كوسوفا والبوسنة ومقدونيا وألبانيا والجبل الأسود، وفي بعض مدن وبلدات وقرى بلغاريا، وصربيا، وكرواتيا، وسلوفانيا، ورومانيا. ويحرص المسلمون في دول البلقان في شهر رمضان على التزاور في ما بينهم، وعلى تقديم أصناف الأطعمة الرمضانية لضيوفهم من الأقرباء والأصدقاء، وعلى تمضية أوقاتهم في سهرات طويلة تستمر إلى وقت السحور أحياناً، كما تحرص أفرع الجمعيات الخيرية العربية الموجودة في بلدان البلقان كلها على تقديم العون المادي وأصناف مختلفة من المواد التموينية للأسر الفقيرة في بلدان البلقان بهذا الشهر الفضيل، وتعنى الجهات المسؤولة عن شؤون المسلمين في جميع الدول البلقانية على وضع البرامج لدروس ومحاضرات يلقيها العلماء والدعاة وأساتذة الكليات والمعاهد الشرعية في مساجد جميع المدن والبلدات والقرى البلقانية، وعلى تقديم العون للفقراء، وإقامة المآدب الخاصة لإطعامهم وإطعام أطفالهم في هذا الشهر الفضيل أيضاً، كما تحرص على تقديم الهبات المالية للفقراء قبل أيام قليلة من يوم عيد الفطر المبارك. ولدى المفتي العام ومساعديه في كوسوفا اهتمام خاص بشؤون المسلمين في الجوانب العلمية والدعوية والثقافية، وشُكّلت لجان عدة من المشيخة الإسلامية في هذا العام لمتابعة شؤون الدعوة لدين الله في مساجد كوسوفا كلها، وحرصت المشيخة الإسلامية في كوسوفا على استقدام عدد من حفظة كتاب الله عزَّ وجل من تركيا وبعض البلدان العربية في هذا العام، ليقوموا بإمامة المصلين في المساجد الكبرى بمدن كوسوفا. إن الثقافة الإسلامية لها جذور قوية في هذا البلد البلقاني نتيجة لمرور ما يزيد على ستة قرون على انتشار الإسلام فيه بعد معركة كوسوفا الشهيرة عام 1389 ميلادي. مساجد سراييفو، وسكوبيا، وبرشتينا، وتيرانا، وشكودرا، ونافي بزار، وبييا، وبرزرين، وبرشيفا، وبلغراد، وصوفيا، وزغرب، وغيرها من مدن البلدان البلقانية جميعها تغصّ بالمصلين في شهر رمضان المبارك، رجالاً ونساء وأطفالاً، ويتوارد الرجال والنساء والشبان والفتيات والأطفال على المساجد طوال أوقات النهار، لقراءة القرآن الكريم أو لسماع حفظة كتاب الله يتلون سوره وآياته على الحاضرين من المصلين بين أوقات الصلوات، ويحظى حفظة كتاب الله تعالى من الشيوخ بقدر كبير من الاحترام والإجلال والتقدير من الناس جميعاً في دول البلقان، وتقام حلقات لتعليم القرآن الكريم للكبار والصغار في معظم مساجد المدن والبلدات والقرى ببلدان البلقان جميعها أيضاً. وتقام دورات كثيرة في حفظ أجزاء من القرآن الكريم لأطفال وشبان وفتيات معظم بلدان البلقان، وتقدم للفائزين منهم في ختامها جوائز مادية وعينية تشجيعية بفضل الله تعالى، وبعض الأتقياء المنقطعين إلى عبادة الله والعمل بما جاء في كتاب الله وصحيح أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم من أبناء المسلمين في معظم دول البلقان يعتكفون في المساجد في العشر الأواخر من أيام هذا الشهر الفضيل. وذروة الاحتفال بشهر رمضان تكون بدفع زكاة الفطر وأداء صلاة عيد الفطر المبارك في مساجد المدن والبلدات والقرى من الكبار والصغار من المسلمين، وفي تهنئة بعضهم بعضاً بحلول العيد، وبدء أفراحه التي تغمر جماهير المسلمين في بلدان البلقان جميعها. * محاضر في كلية الدراسات الإسلامية، برشتينا – كوسوفا.