لا يتخلّى المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية في مصر حمدين صباحي عن «ثوريته»، فالرجل اعتاد الوقوف في صفوف المعارضة. وإن كان صباحي تعهد بتكريم المشير حسين طنطاوي في حال وصل إلى سدة الحكم، لكنه رهن ذلك بتقديم «قتلة الشهداء للمحاكمة». وهو حمّل العسكر المسؤولية عن غضب الشباب «المشروع»، إذ استشهد عدد من زملائهم ولم تجر حتى الآن محاكمة عاجلة وعادلة وشفافة لقتلتهم. وطرح «الخروج العادل» للعسكر بدلاً من «الخروج الآمن». وفي حين رأى «الحديث عن ثورة جديدة إهدار لدماء الشهداء»، أكد أن مصر في حاجة إلى استكمال أهداف ثورتها التي «لم تقضِ على النظام القديم كله». وشدد على ضرورة «قبول نتائج الاختبار الديموقراطي وما تفرزه صناديق الاقتراع»، معتبراً أن «الناخبين لم يختاروا التيار الإسلامي بسبب الدين، بل لأنهم الأقرب إليهم في الدوائر». ولا يتوقع صباحي حدوث «تطاحن» بين القوى السياسية خلال وضع الدستور، واصفاً المعركة حول هوية مصر والمادة الثانية من الدستور بأنها «وهمية». وهنا نص الحوار: هل مصر في حاجة إلى استكمال الثورة، أم إلى ثورة جديدة؟ - مصر في حاجة إلى استكمال أهداف الثورة. الحديث عن «ثورة جديدة» هو إهدار لدماء الشهداء، وبه إغفال لما أنجزته الثورة عندما توحَّد المصريون ضد نظام (الرئيس السابق حسني مبارك) وما تبعه من إسقاط رأس النظام. صحيح أنها لم تقضِ على النظام القديم كله وصحيح أن «نظام الثورة» لم يصل بعد إلى السلطة، لكن إذا صارت هذه التعبيرات جادة وتحترم إنجاز المصريين ودماء الشهداء، فنحن لا نتحدث عن ثورة ثانية وإنما عن استكمال الثورة. تتحدث عن مسألة توحد المصريين، وهو ما كان موجوداً حتى يوم تنحي مبارك قبل أن يتحول الأمر صداماً بين القوى السياسية. ما تبريرك لما حدث؟ - لم نعرف الفارق بين ضرورتين: الأولى «ضرورة الوحدة»، أما الثانية «فضرورة التنوع». ويجب ألا نضحي بإحداها على حساب الثانية، سننجز ثورتنا ومشروعنا في النهضة إذا احترمنا هاتين الضرورتين. لكن على أرض الواقع لم يُحترم هذا؟ - أرى أنه حصل تغافل أو تجاوز أو تجاهل لإحدى الضرورتين، لكن الجميع مضطر إلى أن يعود إلى رشده؛ لأن الدواعي الموضوعية تلزم الجميع اختياراً وأحياناً اضطراراً بهذه الضرورات، فضرورة الوحدة هي خلاصة مصر التاريخية، أما الضرورة الثانية فهي أيضاً جزء من شخصية مصر؛ إذ إن هذه الوحدة بُنِيَت على تنوع فكري وديني وطبقي وسياسي. ما نراه الآن يكاد يكون صراعاً على قطف الثمار؟ - هذا طبيعي فما حصل في انتخابات البرلمان مثلاً كان في إطار التنافس، لكننا في الوقت نفسه وجدنا الاثنين الماضي اجتماعاً يضم أحزاباً إسلامية وليبرالية ويسارية تتفق على تسمية رمز (إخواني) رئيساً للبرلمان المقبل، وهو ما يعطينا صورة مغايرة عما سبق، ودليلاً على اختيار القوى السياسية ضرورة الوحدة ويرسخ لدينا اعتقاداً بأن الصورة العامة للبرلمان المقبل سيحصل عليها تعديل جوهري في الانطباع؛ فبدلاً من برلمان يهيمن عليه الحزب الوطني بات لدينا برلمان للشراكة الوطنية. هناك حديث عن وجود مسارين: الأول هو المسار السياسي متمثلاً في ترتيبات نقل السلطة، والثاني مسار الميادين الملتهبة دائماً؟ - لو لم يكن هناك ميدان التحرير لما كان لدينا انتخابات حرة وهذا البرلمان. هل كان يمكن أن نتصور أن الإسلاميين يملكون الغالبية في البرلمان من دون سقوط الشهداء؟ لكن يجب أن يكون هناك إقرار من الطرفين بشرعية الآخر؟ - الإقرار يحدث إذا توافرت له الفرصة من دون أن يتعالى أحد على الآخر، فالمشاحنات تحدث عندما يحصل إنكار لفضل الآخرين أو تقليل من شأنهم. هذا حدث عندما حصلت معركة الهوية وهي معركة مصطنعة، والجدل الذي حدث بسبب المادة الثانية من الدستور ظهر وكأن المدافعين عنها هم الذين يتحدثون باسم الإسلام، والآخرين غير ذلك. هذا حدث أيضاً عندما أخطأ المجلس العسكري في إدارة المرحلة الانتقالية، فظهرت هتافات بعض الشباب الساخن في التحرير بعد الاشتباكات التي وقعت أمام ماسبيرو وشارع محمد محمود وأمام مجلس الوزراء وكأنه يهتف ضد الجيش المصري ليس ضد سوء إدارة المرحلة الانتقالية على رغم أن الجيش والمجلس العسكري كانوا شركاء في نجاح الثورة ووقعوا في أخطاء أدَّت إلى أن البعض أنكروا عليهم سابقة الفضل. نحن في حاجة إلى ردِّ اعتبار بعضنا بعضاً، كما يجب أن نقبل بنتائج الاختبار الديموقراطي وما تفرزه صناديق الاقتراع. هل تقصد أن أداء البرلمان سيمثل فارقاً؟ - بالتأكيد البرلمان يجب أن يمثل الثورة ويعمل على استكمال أهدافها. سبب اختيار الاسلاميين هل ترى أن الناخبين اختاروا الإسلاميين لأنهم يتحدثون باسم الدين؟ - لا، الناخبون لم يختاروا التيار الإسلامي بسبب الدين، بل اختارهم الناخب لأنهم الأقرب إليه في الدوائر، فتقديم الخدمات جزء لا يتجزأ من معايير التصويت. ما الأخطاء التي وقعت فيها القوى المدنية؟ - يجب أن تتعلم القوى المدنية أن الانخراط وسط الجماهير ومعايشة مشاكلها هو جزء لا يتجزأ من برنامجها الكلي لإنقاذ الوطن، وأن حاصل جمع «موقف سياسي العقل يقبله» و «خدمة يومية تلبي احتياجات الشارع» هو الذي يضمن أصوات الناخبين، فالفارق الجوهري بين كل من دخلوا الانتخابات هو «الحضور على الأرض»، ومعايشة مشاكل الناس اليومية. ما رأيك في حملة «كاذبون» التي يقوم بها بعض الشباب بين الجماهير ضد المجلس العسكري؟ - هي حملة تعبّر عن غضب مشروع من الشباب استشهد عدد من زملائهم، ولم تجرَ حتى الآن محاكمة عاجلة عادلة شفافة لقتلة الشهداء، كما أن هناك امتهاناً وقع في حق المصريات في شكل خارج عن القانون، والمجلس العسكري مسؤول سياسياً عن تلك الأحداث، ويملك أن يبرئ ذمته بتقديم المتورطين في هذه الأحداث على المحاكمة. الشباب يعبر عن وجهة نظره، وإن كانت بطريقة من وجهة نظري مغال فيها. هل تعتقد أن اسم الحملة «كاذبون» ينطبق على العسكري؟ - المجلس العسكري وقع في أخطاء عدة في طريقة إدارته المرحلة الانتقالية، وفي مقدم هذا إطالته أمدها، كما أنه لم يحسن الحوار مع كل قوى المجتمع، ناهيك عن أن إدارة المجلس العسكري تسببت في سقوط شهداء، إضافة إلى عشرات الجرحى وامتهان كرامة المصريات، وهي أمور لن يبرأ منها إلا بإقامة العدالة بمحاكمة لكل من تسبب في سقوط شهيد أو جريح. وهي أمور إذا حدثت تعيد المجلس العسكري إلى صدقيته. يجب على جنرالات الجيش أن يسألوا أنفسهم ما أسباب أن يتحول هتاف الشباب: «الشعب والجيش إيد واحدة» إلى «إسقاط حكم العسكر». كيف ترى مستقبل المشير حسين طنطاوى حال توليك منصب الرئيس؟ - أنصح طنطاوي أن يقدم قتلة الشهداء إلى المحاكمة، وأن يؤكد ما أعلنه بممارسة فعلية من تكريم الشهداء وأسرهم، وكذلك إنجاز ما تعهد به من تسليم السلطة إلى رئيس مدني منتخب في انتخابات حرة وشفافة يسبقها صوغ واضح لدستور وطني يؤسس لدولة مدنية ديموقراطية تحترم الحريات والمساواة وتجرم التمييز، وعندها سيكون للمشير طنطاوي والمجلس العسكري الاختيار في الاستمرار في مناصبهم أو التقاعد مع تكريمهم في شكل يليق بهم ويعبر عن احترام الشعب المصري ووقوف المجلس العسكري مع الشعب في يوم 11 شباط (فبراير) هو تعبير عما يؤمن به المصريون في جيشهم. على المستوى الشخصي هل تفضل أن يستكمل المشير طنطاوى مهمته كوزير للدفاع أو أن يتقاعد؟ - يجب أن يتم وضع المشير طنطاوي في التاريخ المصري باعتباره الرجل الذي قاد انتصار الجيش لإرادة الشعب وعبر المرحلة الانتقالية بسلام، وعندما وقع في أخطاء قدَّم المخطئين على المحاكمة. بهذه السلة من الإجراءات سيوضع في المكانة التي يستحقها لدى الشعب المصري ويختار لنفسه المكانة التي يختارها سواء بالاستمرار أو التقاعد. ما تعليقك على الحديث عن «الخروج الآمن للمجلس العسكري»؟ - أفضل تسميته ب «الخروج العادل» وهو ما سيفرز بالتبعية «خروجاً آمناً». كيف ترى إعلان المجلس العسكري فتح باب الترشيح في 15 نيسان (أبريل)؟ - كنت أفضل تقديم فتح باب الترشح عن هذا الموعد، مع الإبقاء على إجراء الانتخابات في منتصف حزيران (يونيو) المقبل وبعد إنجاز وضع الدستور، لأن فتح باب الترشيح في موعد مبكر سيطمئن الناس إلى نيات المجلس العسكري، إضافة إلى أن هذا كان سيمنح المصريين الفرصة الكافية لتفحص المرشحين. علاقتك بجماعة الإخوان طيبة منذ سنوات، لكن هذه العلاقة لم تترجم على الأرض في معركتك على كرسي الرئاسة، لماذا؟ - لم أطلب من الإخوان التأييد حتى الآن، كما لم أفتح أي حوار مع أي حزب أو فصيل سياسي، وأنا أؤمن بأن من سيحسم فرص المرشحين ليس الجماعات أو الأحزاب السياسية وإنما رجل الشارع غير المسيّس، فالقوى السياسية بمختلف انتماءاتها لا تمثل سوى 10 في المئة من إجمالي عدد المقترعين، أما باقي ال90 في المئة فلا ينتمون إلى فصيل سياسي ولن أنخرط في حوارات مع الساسة قبل تقديم نفسي إلى الطرف الأكبر من الأحزاب وهو عموم المصريين. أقوم بجولات انتخابية في القرى والمحافظات الإقليمية وبعد ذلك سأفتح حواراً مع الأحزاب. المنافس الحقيقي مَنْ مِنَ الأسماء المطروحة تراه منافسك في الانتخابات الرئاسية؟ - لا يوجد اسم محدد أخاف منه في المنافسة، أنا أقدِّم نفسي في النقطة التي تسمح لي بأن أكون معبراً عن حقيقة وطنية محل احترام من الجميع. أنتمي إلى مشروع جمال عبدالناصر وثورة يوليو ووأنا شريك أصيل في ثورة 25 يناير، وأطرح مشروعاً للمصريين عنوانه «نهضة مصر» لتجتاز البلاد حاجز التخلف. والشعب المصري لديه إمكانات تسمح له بنهضة يستحقها. هل ترى أن وجود ثلاثة مرشحين إسلاميين سيؤدي إلى تفتيت الأصوات، ومن ثم يصب في مصلحة منافسيهم؟ - بالتأكيد سيحدث تفتيت للأصوات، لكن في الوقت نفسه ليس هناك حزب أو جماعة ولا اتجاه أيديولوجي يمكنه أن يأتي برئيس لمصر، صحيح أن وقوف التيار الإسلامي خلف مرشح بعينه سيمنح أفضلية لكنها أفضلية محدودة، ويجب أن نعلم أن جزءاً من نجاح التيار الإسلامي في البرلمان يعود إلى ضعف منافسيهم. وماذا عن المرشحين المحسوبين على النظام السابق ؟ - رأينا أن الشعب المصري بوعيه قام بعزل «الفلول» في الانتخابات البرلمانية من دون أحكام قضائية ودعاوى العزل على رغم ما أنفقه «الفلول» من أموال في الانتخابات، مع العلم أنه ليس كل أموال تعرض في السوق تشتري أو تروج للسلعة. في اعتقادي أن كل المرشحين وهم يقدمون أنفسهم، سيبقى سؤال سيحدد هل سيحصلون على أصوات أم لا، يتعلق بصدقية كل منهم عند الجمهور العام، وليس داخل الدائرة الأيديولوجية أو المصالح المرتبطة بينهم. مَنْ مِنْ منافسيك تراه يصلح لمنصب نائب الرئيس؟ - هناك كثير من الأسماء المطروحة تصلح أن تكون نائباً جيداً. هل اخترت نائبك؟ - ما زلت في مرحلة التشاور. كيف يموِّل حمدين صباحي حملته الانتخابية؟ - سأدعو المصريين الذين يؤمنون بأن أخوض الانتخابات أن يتبرعوا لحملتي بجنيه مصري. هل تتوقع أن ينتقل صراع الانتخابات البرلمانية إلى معركة وضع الدستور؟ لا أتوقع حصول أي تطاحن خلال وضع الدستور، وأنا أرى أن المعركة الوهمية حول هوية مصر والمادة الثانية من الدستور كان لها أبعاد سياسية، ولا يمكن أحداً أن ينفرد بوضع الدستور؛ فالدستور هو حصيلة توافق وطني، ويجب أن يقوم على دولة وطنية ديموقراطية مدنية مع بقاء المادة الثانية من دون تعديل.. وكلها أمور متوافق عليها. وسيبقى النقاش حول نظام الدولة وكيف نضمن استقلالاً للقضاء ونضمن دوراً قوياً وحقيقياً للبرلمان، كذلك ضمان ألا يتحول رئيس الجمهورية إلى طاغية من خلال تحديد صلاحياته. هل أنت مع النظام البرلماني أم النظام الرئاسي؟ - أنا مع النظام الرئاسي - البرلماني المختلط، فهذا النظام يضمن وجود رئيس قوي بصلاحيات، ووجود برلمان قوي بصلاحيات، بينها مراجعة الرئيس أو محاسبته. لا أريد رئيساً فوق المحاسبة كما كان الأمر في دستور عام 1971 لكنني أريد رئيساً بصلاحيات. ولماذا لا يكون النظام البرلماني مثل بريطانيا؟ - لأن النظام البرلماني يصنع طاغية أكثر من الرئاسي، إذ إنه سيجعل من ئيس الوزراء طاغية، لكن عندما يكون لدينا البرلمان منتخباً يكون لديه صلاحيات الرقابة والتشريع، ورئيس منتخب أيضاً لديه صلاحيات قيادة الجهاز الإداري. معنى هذا أن الشعب مستفيد؛ لأن خلافهما رحمة (الرئيس والبرلمان) وفي ظل قواعد الدستور سنصل لأفضل قرار، ولكن النظام البرلماني معناه أن هناك حزباً أو ائتلافاً حزبياً لديه الغالبية ومن ثم سيأتي برئيس الوزراء ومعه صلاحيات رئيس الجمهورية والبرلمان الذي اختاره سيميل إلى إخفاء عيوبه. وأنت تنتمي إلى التيار الناصري... هل تقف في صف استمرار تخصيص نسبة 50 في المئة للعمال والفلاحين في الانتخابات البرلمانية؟ - لا أرى أن مصالح العمال رهن بهذا التخصيص وإنما بإرادة اجتماعية تنصف حقوقهم، لا أطالب بإلغائها لكني لست مستميتاً في الدفاع عنها. هل تأخر المجلس العسكري في خطوة تشكيل «المجلس الاستشاري» لمعاونته في اتخاذ القرار؟ - في الأساس كان معروضاً عليه أن تكون شراكة عسكرية – مدنية، لإدارة المرحلة الانتقالية لكنه رفض، قبل أن يأتي بالمجلس الاستشاري تحت ضغط «التحرير» كبديل لهذه الفكرة وتفريغها من المضمون. وأرى أن المجلس الاستشاري ليس له دور ولم يفعل شيئاً. اقتراح شباب الثورة وماذا عن فكرة المجلس «الرئاسي المدني» التي يطرحها شباب الثورة؟ - هي فكرة «تجاوزها الزمن»، في البداية كان يمكن أن تُقدَّم حلول كثيرة تمكننا من تفادي المشكلات التي وقعنا فيها. كان يمكن أن تحدث شراكة بين قوة المؤسسة العسكرية ممثلة في المجلس العسكري حيث نحترم دور الجيش لكننا مدركون نقص الخبرات السياسية عند قادته وهذا أمر طبيعي، مع عناصر مدنية موثوق فيها من الميدان، ولو كان هذا حدث لما تعرضنا لمسلسل العنف في ماسبيرو، وشارع محمد محمود، وأمام مبنى مجلس الوزراء أي أسوأ نقاط ساعدت في خلق الفجوة ما بين المجلس العسكري والثورة. من المسؤول عن وقوع الحوادث الثلاثة والتي ربما تصبح أربعة خلال احتفالات ذكرى الثورة؟ - أي صدام في 25 كانون الثاني (يناير) هو مسؤولية مباشرة على المجلس العسكري؛ لأنه هو المسؤول عن إدراة الأمور. لو نظرنا إلى تلك الحوادث من وجهة نظر تقنية، يحمل البعض على المتظاهرين بسبب الذهاب إلى المؤسسات الحكومية (وزارة الداخلية ومبنى مجلس الوزراء)؟ - المتظاهرون لم يذهبوا إلى المقار الحكومية، والتظاهر السلمي هو حق مشروع، والثورة رسخت هذا الحق ولا ينبغي الانتقاص منها. كان لدينا مجموعة من المعتصمين في ميدان التحرير تطالب بحق الشهداء، لم تعِق هذه المجموعة الحركة أمام المرور ولم تقوِّض عمل المؤسسات، لماذا تتدخل قوات الشرطة وتفض الاعتصام. كان يجب على الشرطة العمل على تأمينها فقط وليس استخدام العنف المفرط معها واستفزاز الميدان. لعلك تقول... لا تسأل عن رد الفعل؟ - بالضبط، ما حدث في شاعر محمد محمود كان رداً على ما فعلته الشرطة، ولا توجد لدي شبهة في تحميل مسؤولية «تفجير الموقف» دائماً للذين دهسوا المتظاهرين أمام مبنى ماسبيرو والذين استخدموا العنف المفرط مع المعتصمين السلميين في التحرير والذين قاموا بضرب أحد المعتصمين أمام مجلس الوزراء قبل أن يرسلوا به إلى زملائه وكأنهم يستفزونهم. المسؤولية في اعتقادي تقع على المؤتمن على إدارة البلد وهو المجلس العسكري، وإذا حدث شيء في يوم الذكرى الأولى للثور، 25 كانون الثاني، ستكون المسؤولية على المسؤول عن الدولة وعن أمنها وعن صيانة حق التظاهر السلمي فيها. في حال ذهاب حشود لاحتلال مؤسسات حكومية؟ - يجب التصدي لها ووقفها لكن من دون استخدام العنف أو الرصاص. كل ما يمكن أن تفعله قوات الأمن أن تقول له أنت تخالف القانون ومقبوض عليك وتحيله إلى النيابة. كيف يحصل هذا في ظل الحشود؟ - من خلال الكفاءة الاحترافية في التنفيذ التي تجعل منك تقبض على شخص يخالف القانون بطريقة احترافية، تقوم على احترام القانون وكرامة الإنسان. هل أنت مع التحليلات التي تشير إلى وجود «طرف ثالث» أو أصابع خارجية؟ - كل القوى الأجنبية لها مصالح في مصر، وبما أن لها مصالح يمكن أن يكون لها أدوات وخطط، وهذا طبيعي وليس بالأمر الجديد. إذاً، التدخل الأجنبي في مصر أمر موجود بحكم موقع مصر في الجغرافيا، لكن في الوقت نفسه لا توجد أية دلائل للتأثير الأجنبي في مسلسل العنف الذي حدث، وأي تأثير أجنبي في مصر ينكسر أمام الشعب المصري. طوال عمر مصر كانت عرضة للتدخل. أجدك تتحدث بلسان الليبراليين على رغم أنك تنتمي إلى مدرسة عبدالناصر؟ - الزعيم عبدالناصر كان الأكثر إخلاصاً لأمته في تاريخنا الحديث، ونلاحظ الشعور بالحنين إلى عبدالناصر في هذه الأيام، لم ترفع أي صور في ميدان التحرير إلا صورة جمال عبدالناصر، وهو ما حدث أيضاً في تونس واليمن. عبدالناصر كان ابن عصره، وعصره كان يقوم على التعبئة من خلال التنظيم الواحد، أما لو عاش عبدالناصر في هذا الزمن لوجدناه يتحدث عن الديموقراطية والتعددية وعن الحريات والحقوق المدنية والسياسية وتعدد الأحزاب وصندوق الانتخابات النزيهة. دعنا نتطرق إلى السياسة الخارجية، العلاقات المصرية – الإيرانية على المحك. ما موقفك؟ - تحكمني مصالح مصر، لدي مشروع عنوانه «نهضة كبرى». برنامجي له أسس ثلاثة. أحد أضلاعه يقوم على سياسة خارجية تؤكد كرامة الوطن وهو ما يجب أن يعتمد على استقلال القرار الوطني. ويجب على مصر أن تعمل على تمتين علاقتها العربية والأفريقية والإسلامية؛ وسيمكّن حصول ذلك من صوغ علاقة مع أوروبا مفيدة للطرفين وصوغ علاقة «ودية ندية» مع الولاياتالمتحدة لا علاقه تقوم على «العداء أو الكراهية» ولا علاقة «تبعية». أما علاقات مصر بالعالم الإسلامي في القلب منه مثلث عربي - تركي – إيراني. جزء من برنامجي هو إعادة صوغ العلاقة مع هذا المثلث على أرضية شراكة تحقق المصالح الاقتصادية والأمنية لمصر وتعطي وزناً على المستوى الدولي. بالتأكيد سأغير السياسة مع إيران في إطار المصلحة. كيف؟ - أفتح الباب أمام إقامة علاقات ديبلوماسية وتبادل اقتصادي. سأعتمد على السياحة الدينية الوافدة من إيران وهو ما من شأنه إنعاش السياحة في مصر، لكني سأشترط على إيران في إطار هذه العلاقات حسن الجوار وأن تكف تماماً عن أي تدخل في الشأن الخارجي والعربي. يجب على مصر حماية دول الخليج من خلال علاقة مع إيران فيها انسجام وتعاون وشراكة وتبادل التزامات ومن بين تلك الالتزامات الكف عن أي تهديد لدول الخليج، ملتزمة بمصلحة مصر ومصالح الدول العربية. موقفك معروف من اتفاق السلام مع إسرائيل، لكن في حال وصولك إلى سدة الحكم من الممكن أن تتعرض إلى مواقف تستدعي استقبال رئيس وزراء إسرائيل؟ - لا يوجد ما يجبرني على استقبال رئيس وزراء إسرائيل. أنا سأكون رئيس جمهورية مصر وقمة الهرم التنفيذي وسيكون لدي رئيس وزراء ووزير خارجية، كما أن لدي جدول أعمال. إذا كان لدي موعد لزيارة منطقة عشش الترجمان (منطقة عشوائية على أطراف القاهرة) أو زيارة إلى أسيوط أو تفقد مشروع تطوير أرض النوبة (صعيد مصر) هل هذا أهم أم مقابلة بروتوكولية مع رئيس وزراء إسرائيل؟ الأولوية لدي هو الشعب المصري. «السيدة الأولى» ماذا عن «شكل» رئيس مصر بعد الثورة ودور السيدة الأولى؟ - أقرب نموذج لي هو جمال عبدالناصر. أبحث عن تكريس صورة «الرئيس المواطن»، سأرتدي الملابس الأنيقة، لكني سأعبر عن حبي للناس وإيماني بقضاياهم. أريد أن يحدث اتساق بين «أنا الرئيس» و «أنا المواطن»، لدي صلاحيات وعلي مسؤوليات. سأستخدم صلاحياتى لتلبية الحاجات المشروعة للمصريين ويجب أن يكون لدي القدرة على طرح البرامج وتنفيذ سياسات وتحريك جهاز الدولة من أجل تلبية المواطن. سأقلص موازنة الرئاسة، وأنهي عصر إغلاق الشوارع من أجل موكب الرئيس، وأجلس وسط الناس. ومن المؤكد سأركب سيارة مكشوفة في الشوارع. لن أقيم في قصور، ولن يكون لدي سيدة أولى، وسيقتصر دورها على لقب «قرينة الرئيس» وستفعل ما تفعله الآن، ومن دون أية صلاحيات ومن دون تسليط إعلامي عليها. الحال نفسه على أبنائي، ويجب أن نخلق حالة من الحب بين الشعب والرئيس. أمضيت فترات عدة في السجون، كيف تجعلك التجربة تفكر في معالجة الجهاز الأمني؟ - هيكلة الجهاز الأمني تحتاج إلى حزمة من الإجراءات في مقدمها إعادة صوغ جهاز الشرطة على أساس الكفاءة وحرفيته المهنية وإيمان تام بدوره في خدمة الشعب والتزامه بالقانون. يجب تغيير أسلوب التعامل الشرطي مع المتهمين، وكذلك إعادة النظر في السجون وإعطاء النيابة العامة صلاحيات التفتيش الدوري على السجون. ونحتاج إلى وضع سياسات اجتماعية لسد الطريق على منابع الالتحاق بالجريمة، فمن يسمون بالبلطجية بغالبيتهم يمكن إصلاح حالهم إذا توافر لهم العمل المناسب. ولدي مشروع يقوم على أساس توفير فرص حياة كريمة لهؤلاء ودمجهم في المجتمع. لا يوجد مشروع للنهضة يمكن أن يقوم من دون أساس للقيم والأخلاق.