الملافظ سعد والسعادة كرم    استنهاض العزم والايجابية    المصارعة والسياسة: من الحلبة إلى المنابر    "فيصل الخيرية" تدعم الوعي المالي للأطفال    فرصة لهطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    الرياض تختتم ورشتي عمل الترجمة الأدبية    لبنان يغرق في «الحفرة».. والدمار بمليارات الدولارات    «قبضة» الخليج إلى النهائي الآسيوي ل«اليد»    حلف الأطلسي: الصاروخ الروسي الجديد لن يغيّر مسار الحرب في أوكرانيا    رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «براغ»    «آثارنا حضارة تدلّ علينا»    «السقوط المفاجئ»    الدفاع المدني: هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة    التدمير الممنهج مازال مستمراً.. وصدور مذكرتي توقيف بحق نتنياهو وغالانت    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    أرصدة مشبوهة !    مشاعل السعيدان سيدة أعمال تسعى إلى الطموح والتحول الرقمي في القطاع العقاري    «استخدام النقل العام».. اقتصاد واستدامة    أشهرالأشقاء في عام المستديرة    د. عبدالله الشهري: رسالة الأندية لا يجب اختزالها في الرياضة فقط واستضافة المونديال خير دليل    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    إطلالة على الزمن القديم    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    البيع على الخارطة.. بين فرص الاستثمار وضمانات الحماية    لتكن لدينا وزارة للكفاءة الحكومية    أخضرنا ضلّ الطريق    أشبال أخضر اليد يواجهون تونس في "عربية اليد"    5 مواجهات في دوري ممتاز الطائرة    فعل لا رد فعل    المياه الوطنية: واحة بريدة صاحبة أول بصمة مائية في العالم    ترمب المنتصر الكبير    صرخة طفلة    «إِلْهِي الكلب بعظمة»!    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    المؤتمر للتوائم الملتصقة    دوري روشن: الهلال للمحافظة على صدارة الترتيب والاتحاد يترقب بلقاء الفتح    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    الأمن العام يشارك ضمن معرض وزارة الداخلية احتفاءً باليوم العالمي للطفل    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    مدير عام فرع وزارة الصحة بجازان يستقبل مدير مستشفى القوات المسلحة بالمنطقة    ضيوف الملك: المملكة لم تبخل يوما على المسلمين    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    «المرور»: الجوال يتصدّر مسببات الحوادث بالمدينة    «المسيار» والوجبات السريعة    أفراح آل الطلاقي وآل بخيت    وزير العدل يبحث مع رئيس" مؤتمر لاهاي" تعزيز التعاون    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة للمدينة المنورة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عمر عبدالرحمن : قصة هذا الشيخ الضرير وحقيقة أفكاره وأهدافه وكيف يحرك الجماعات الاسلامية في مصر من مقر اقامته في اميركا
نشر في الحياة يوم 14 - 12 - 1992

شيخ ضرير في الرابعة والخمسين من العمر، يقود ويحرك مجموعات من الاصوليين و"المتشددين" المصريين من مقره في نيويورك. يرسل تعليماته الى انصاره في مصر، اما عن طريق اتصالات هاتفية يومية - تمتد ساعات احياناً، وفقاً لمصادر مقربة منه - او عن طريق اشرطة مسجلة. وهو يحرّض انصاره على الحكومة المصرية وكبار المسؤولين المصريين وعلى كل حكومة لا تطبق الشريعة الاسلامية، ويعتبر ان من "واجبه" العمل على اسقاط هذه الحكومات. وهو يرى، أيضاً، ان السياحة في مصر - التي تشكل مصدر دخل اساسي وكبير للشعب المصري - هي "حرام قطعاً واثم كبير وذنب عظيم" ويعتبر ان السياح يجب ان يبقوا "خارج مصر ولا يأتون اليها" وان "مصر لا تحتاج اليهم". ويقول انصاره ومؤيدوه في مصر: "اننا لا نصدر رأياً أو نتخذ موقفاً من دون الرجوع اليه". انه الشيخ عمر عبدالرحمن الزعيم الفعلي "للجماعة الاسلامية" في مصر التي تنبثق عنها تنظيمات عدة، منها تنظيم الجهاد. الشيخ عمر عبدالرحمن أفتى باغتيال الرئيس أنور السادات وشخصيات مصرية اخرى، وهو على علاقة قوية بالدكتور حسن الترابي، ويقيم في الولايات المتحدة منذ صيف 1990، لكن "حضوره" في الساحة المصرية، خصوصاً في صفوف القوى والحركات الدينية المتشددة والمتطرفة، كبير وقوي.
من هو الشيخ عمر عبدالرحمن وما قصته؟ التحقيق الآتي من القاهرة يجيب عن هذا السؤال:
البطاقة الشخصية تحمل اسم عمر أحمد عبدالرحمن من مواليد 3/5/1938 الجمالية مركز المنزلة محافظة الدقهلية، حاصل على درجة العالمية في جامعة الازهر وعمل مدرساً في كلية اصول الدين بفرع الازهر في الفيوم. نشأ في اسرة عانت الفقر والجوع والحرمان بالاضافة الى حرمان القدر له بفقد بصره بعد اشهر من ميلاده، وانتقل مع اسرته الى دمياط وفيها تلقى علومه الازهرية الابتدائية والثانوية والتحق في دراسته الجامعية بجماعة الاخوان المسلمين في شعبة المنصورة، وبعد تخرجه اعتلى منابر المساجد ليلقي خطب الجمعة والاعياد وحوّلها من الدعوة الى السياسة، والنقد الايديولوجي الامر الذي لقي اهتمام اجهزة الامن فشملته قرارات الاعتقال التي ضمت جميع اعضاء وقيادات جماعة الاخوان المسلمين، وجاء في مذكرة اعتقاله "انه نال وتعرض لشخص الرئيس جمال عبدالناصر ووصفه انه فرعون مصر واتهمه بالكفر والالحاد لأنه احضر الروس الملحدين الى هذا البلد الذي يمتلئ بالمقدسات". وأفرج عنه عام 1968 وتم فصله من جامعة الازهر. وبعد وفاة عبدالناصر في أيلول سبتمبر 1970 أعيد اعتقاله في 13/10/0197 وأفرج عنه في 10/6/1971 بعد ثورة التصحيح التي قضى فيها انور السادات على مراكز القوى وأعضاء التنظيم الطليعي ورموز الناصريين وأراد بالافراج عن الاخوان المسلمين الحصول على تأييدهم ضد الناصريين والماركسيين الذين احكموا قبضتهم على مقاليد الامور سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً.
وخلال الفترة من 1971 الى 1978 غاب عمر عبدالرحمن عن البلاد وعمل خارج مصر في مجال التدريس في المواد الخاصة بأصول الدين وعلم الحديث. وخلال السبع سنوات كان يعود الى أهله وتلاميذه لكي يقوم بتلقينهم افكاره وتعاليمه التي حددها هو نفسه بأنها "لا تخلو من الافكار الجهادية". وهو الفكر ذاته الذي بدأ ينتشر في محافظات الصعيد من خلال الجماعات الاسلامية التي تعددت في الجامعات المصرية.
وبعد عودته الى مصر بدأت الجماعات الاسلامية السعي الى هذا الشيخ الضرير لكي تدرس افكاره التي قال عنها المستشار رجاء العربي النائب العام اثناء مرافعة النيابة في قضية تنظيم الجهاد عام 1982: "ان عمر عبدالرحمن سخّر علمه للأثم ولم يسخره للخير. سخر الدين للعدوان ولم يسخره للاخاء والمحبة. ساهم بعلمه على الفتنة بين المسلمين وهو يعلم علم اليقين انها اشد من القتل فنصبوه زعيماً لكي يقوم بالاستفتاء في الامور الشرعية، مثل الفتاوى الاساسية كالجهاد، لقتال الحكومة لتطبيق الشريعة الاسلامية، وجمع الاموال على ذمة انشاء المساجد والجوامع ثم أفتى بانفاقها على الجهاد. كما كانت تنقل اليه جميع اخبار التنظيم ونشاطه وأخباره عن التدريب والسلاح وغيره".
وكشف النقاب للمرة الاولى عن كيفية نشوء العلاقات بين عمر عبدالرحمن والجماعات الاسلامية من خلال التحقيقات التي جرت مع قيادات الجهاد في قضية اغتيال الرئيس انور السادات، ومن بينهم فؤاد الدواليبي وعبود الزمر حيث قررا في هذا الشأن "ان عمر عبدالرحمن وافق على الزعامة الروحية للتنظيم ولكنه - أي عمر عبدالرحمن - نفى قبولها في أول الامر قائلاً: ان فقده البصر عقبة تعيقه عن القيام بالكثير من المسؤوليات فما بالك بهذه المهمة؟"، وأضاف عبود الزمر ان عمر عبدالرحمن هو الذي اصدر فتوى اغتيال السادات "لأنه كافر" وذلك قبل حادث المنصة بشهور، ولكنه وضع شرطاً يعيق تنفيذها وهو ان تتاح للسادات الفرصة للرجوع عن كفره وأن يبدأ الحكم طبقاً للشريعة الاسلامية. ومن الناحية الأخرى قرر محمد عبدالسلام فرج "ان عمر عبدالرحمن لم يصدر فتوى باغتيال السادات ولكنها كانت ضمنية".
وبعد اغتيال السادات اتهم عمر عبدالرحمن في قضيتين: الأولى خاصة بتنظيم الجهاد، باعتباره المنظر الوحيد والزعيم الروحي له، والثانية لتحريضه المصلين في الفيوم للتظاهر والتخريب والاعتداء على رجال الشرطة وسياراتهم، وصدرت الاحكام في القضيتين بالبراءة، ولم يستعن خلالهما بمحام كباقي المتهمين، بل ترافع هو عن نفسه والآخرين وأيديولوجية التنظيم وشرعية الجهاد. واتهم في مرافعته النيابة العامة "بالجهل والقصور وانها تستمد افكارها من كتاب يساريين لاعطاء مفهوم الجهاد، وان الله أوجب القتال حتى يكون الشرع كله لله".
وخلال الثمانينات تحول عمر عبدالرحمن الى "ظاهرة امنية" اكثر منها سياسية، وأخذ يلفت الانظار بعد تقييد حريته وتعرضه لحملات متكررة ومنعه من مغادرة محل اقامته في الفيوم الى محافظات الصعيد، وكذلك منعه من القاء الخطب في مسجد الشهداء بالفيوم، وأصبحت ايديولوجية عمر عبدالرحمن مادة خصبة ليس للنقاش بين اعضاء الجماعات المتطرفة فقط بل للباحثين في الجامعات ومراكز الابحاث السياسية والاستراتيجية حيث تمكنت من بلورة ايديولوجية من خلال اربعة محاور رئيسية هي:
الأول: ميثاق العمل الاسلامي، وقد اعده ناجح ابراهيم وعاصم عبدالماجد وعصام الدين دربالة باشراف عمر عبدالرحمن، ويعتبر هذا الميثاق بمثابة البرنامج واللائحة الداخلية لتنظيم الجهاد، وقد جاء في مقدمته المحررة بمعرفة المؤلفين الثلاثة: "كان من فضل الله علينا اننا عشنا أيام الابتلاء بالقرب من فضيلة الشيخ عمر عبدالرحمن نلتمس ثباتاً من ثباته وإصراراً من اصراره وثقة من ثقته ويقيناً من يقينه، ان بنود ميثاق العمل الاسلامي نوقشت مع الدكتور عمر عبدالرحمن حتى استقرت بالصورة التي هي عليه الآن".
الثاني: كتاب اصناف الحكم وأحكامها.
الثالث: بحث حكم قتال الطائفة الممتنعة عن شرائع الاسلام وحتمية المواجهة.
الرابع: مرافعة عمر عبدالرحمن التي نشرت في كتاب "كلمة حق".
وتتركز عقيدة عمر عبدالرحمن من خلال مؤلفاته التي امتزجت بأفكار محمد عبدالسلام فرج مؤلف كتاب "الفريضة الغائبة" على الدعوة الى "اعلان الجهاد ضد الحكام" واعتبار "ان الجهاد الدائم ضد الدولة الكافرة هو اعظم الفرائض وهو الحل الوحيد امام كل المسلمين الصادقين" وان الجهاد بالسيف هو الضرب الوحيد المقبول من الجهاد" و"ان الجهاد عن طريق الاحزاب هو جبن وغباء ولن ينتصر الاسلام الا بقوة السلاح".
قائمة الاغتيالات
في نهاية الثمانينات بدأت الخلافات تتصاعد داخل تنظيم الجهاد وطالب بعض اعضاء مجلس الشورى باسقاط عمر عبدالرحمن كأمير للتنظيم ومفتٍ له للأسباب الآتية:
عدم قدرته على القيادة وحدوث اكثر من تصدع وحالات انشقاق بدأت من محل اقامته بالفيوم من خلال احدى قياداته ومعاونيه وهو شوقي الشيخ الذي انشق عنه وانشأ تنظيم "الشوقيين".
بروز سهم عبود الزمر - المعتقل في عملية اغتيال السادات - لتولي الزعامة بناء على فتوى اصدرها الاخير بأنه لا ولاية لضرير، حيث سارع عمر عبدالرحمن الى اصدار فتوى موازية لها بأنه لا ولاية لأسير او مسجون. ولم يكتف عبود الزمر بذلك ولكنه اصدر بياناً أعلن فيه تنصيب نفسه أميراً على التنظيم. وجاء في هذا البيان الذي سرب من داخل السجن "ان الضرير لا يجوز ان يكون قاضياً ولا صاحب ولاية عامة..." وفي نهاية بيانه اعلن عبود الزمر تولي مسؤوليته في امارة الحركة الاسلامية.
رفض عمر عبدالرحمن قواعد العمل السري بصورة مطلقة وان تقتصر على العمل العسكري والتنظيمي فقط.
ولكن سرعان ما نجح عمر عبدالرحمن في اعادة زمام الامور والمبادرة الى يده بقوة، وساعدته في ذلك بعض الظروف التي تمثلت في الآتي:
فشل عملية هروب كل من عصام القمري وخميس مسلم ومحمد الاسواني من سجن طره والتي تمت بمباركة من عبود الزمر ورفضها عمر عبدالرحمن وأسفرت عن مقتل الأول والثاني وصدور حكم بالمؤبد على الثالث. وكان عبود الزمر يهدف من العملية الى اغتيال رئيس الجمهورية.
قيام عمر عبدالرحمن بنشر افكاره ومواقفه من قضايا الساعة بصورة علنية في بعض صحف المعارضة، وبعد منعها قام بالاستمرار بالنشر باسم حركي.
الافراج عن بعض قياديي التنظيم بعد قضائهم فترة السجن لمدة سبع سنوات، ويعتبرون من أعمدة التنظيم وجناحه العسكري ومنهم: ممدوح علي يوسف، صفوت احمد عبدالغني، عزت السلموني، علاء أبو النصر طنطاوي، محمد احمد النجار، هاني يوسف الشاذلي، والذين شكلوا بعد ذلك أكبر تحدٍ لأجهزة الامن.
الاشراف على سفر بعض قيادات التنظيم الى افغانستان لرفع مستواهم وتدريباتهم العسكرية والالتحام العملي في المعارك وحرب العصابات والشوارع ثم العودة الى البلاد.
ترويج افكاره على طريقة الكاسيت التي استعارها من ازهري آخر كانت له مواقفه المعارضة ابان حكم السادات هو الشيخ كشك.
نجاح عمر عبدالرحمن في العودة لالقاء الدروس والخطب في مسجد آدم الذي يعد المركز الرئيسي لتنظيم الجهاد والذي كان اصدر داخله فتوى اغتيال السادات بحضور خالد الاسلامبولي ومحمد عبدالسلام فرج وعبود الزمر. ومع استرداد عمر عبدالرحمن لقوته اصدر فتوى بقائمة اغتيال بعض الشخصيات المهمة من الوزراء والكتّاب والفنانين ضمت وفقاً لتقارير اجهزة الامن المصرية وزير الداخلية زكي بدر وأنيس منصور ونجيب محفوظ وليلى علوي وفرج فودة وعادل امام ومحمد سعيد العشماوي ومفتي البلاد.
"العملية دي بتاعتنا"؟
وبدأ التحضير للاغتيال بشخص وزير الداخلية حيث تم اعداد سيارة ملغومة على الطريقة الايرانية اسفل جسر الفردوس في شارع صلاح سالم ولكن بسبب عيوب في التشغيل فشلت المحاولة واعتقل اعضاء الجناح العسكري المكلفين بالتنفيذ. وبعد سبعة اشهر وفي 2 أيلول سبتمبر 1990 قتل علاء محيي الدين عاشور نائب عمر عبدالرحمن فاعتبر هذا الاخير ان ذلك بداية لاغتياله هو والتخلص منه فكلف جناحه العسكري التخلص من وزير الداخلية اعتقاداً منه ان اجهزة الامن هي التي نفذت عملية قتل علاء عاشور، واعتبر ان هذا الموقف يعد مخالفاً للاتفاق الذي تم بينه وبين وزير الداخلية الذي اجتمع به قبل مغادرته البلاد. وبعد مغادرة عبدالرحمن الى السودان اصدر فتوى باغتيال وزير الداخلية الذي هاجمه في الاجتماع الاخير واتهمه بالتحريض على القتل، وأثناء التنفيذ قتل رفعت المحجوب. واعتبرت اجهزة الامن ان عملية اغتيال الدكتور رفعت المحجوب ومرافقيه من ضباط الشرطة من الامور الخطيرة وحملت عمر احمد عبدالرحمن مسؤولياتها، وبدأت بممارسة عملها لمتابعة حركة ونشاط هذا الامير الحاضر الغائب، وبدأت ملامح ومظاهر حركته تظهر في الأفق. ووفقاً لمصادر امنية فان عمر عبدالرحمن غادر البلاد بالطريق "النيلي" عبر نهر النيل الى السودان عام 1990 حيث عقد اجتماعاً مكثفاً مع قادة جبهة الانقاذ والدكتور الترابي تم خلاله الاتفاق على الخطوط الأولى والملامح الرئيسية لما اطلق عليه "التنظيم الاصولي العالمي" الذي يضم المنظمات الثورية الدينية المتشددة في العالم العربي ويحمل ايديولوجية تتشكل من افكار عمر عبدالرحمن والغنوشي والترابي ومدني. وكان هم عمر عبدالرحمن الأكبر، بعد مغادرته مصر، ان يبحث عن مصادر مباشرة للتمويل حيث سافر الى العراق وعقد اجتماعاً مع مسؤولين عراقيين للاتفاق على التمويل، خصوصاً بعد اعلان مصر رسمياً وقوفها مع الكويت حتى التحرير. ثم غادر بغداد الى باكستان للاطمئنان على المجاهدين والوقوف على كوادر الميليشيات المسلحة التي تشكل نواة "الجيش الاسلامي للتنظيم الاصولي العالمي" والذي سيساهم وفقاً لتصوره في اسقاط الحكومات العربية.
وغادر عبدالرحمن بعد ذلك الى سويسرا وهناك التقى عدداً من عناصره ومؤيديه للاتفاق على الاساليب المثالية لتلقي عمليات التمويل من جهة وإعداد مركز للتنظيم الاصولي العالمي من جهة ثانية. وأثناء وجوده هناك وقعت عملية اغتيال الدكتور رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب المصري وسمع النبأ من الاذاعات ووكالات الانباء، وقام على الفور بالاتصال بأحد عناصره غير المعروفين من أجهزة الامن داخل مصر ورصدت اجهزة الامن المكالمة الهاتفية التي جاء فيها:
هي العملية ده بتاعتنا؟
- ايوه.
والعيال بتوعنا هربوا؟
- في الصعيد.
بلغ تحياتي لصفوت وممدوح وألف مبروك.
ثم غادر عمر عبدالرحمن سويسرا الى الولايات المتحدة في صيف 1990 وهناك تزوج من سيدة اميركية زنجية، وتعد هذه الزيجة الثالثة فقد كانت الاولى من السيدة عائشة حسن سعد وأنجبت له سبعة أولاد، وأثناء المحاكمات في قضية الجهاد الكبرى تزوج من الثانية وهي شقيقة كرم زهدي احد امراء الصعيد وينفي عبدالرحمن انه تزوج من سيدة اميركية.
ماذا يفعل في اميركا؟
وقد سحبت السلطات الاميركية جواز السفر من عبدالرحمن لأنه متزوج من سيدتين في مصر وهذا مخالف للقانون الأميركي. وهو يقيم حتى الآن في الولايات المتحدة بتأشيرة سياحية. وقد اتخذ نشاط عبدالرحمن في الولايات المتحدة نوعاً من العلانية وحصل على الاقامة هناك وحق القاء خطب الجمعة في احد المراكز الاسلامية والالتقاء بعناصره في اطار الديموقراطية والحرية التي تسمح بها اميركا للمغتربين. وقد تركزت دعوته هناك على الأمور الآتية:
مقومات الجهاد ضد المجتمع الكافر.
شرح الأسباب الخفية لفتوى الاغتيالات السياسية.
وتصاعد نشاط عمر عبدالرحمن في مكان اقامته في نيويورك حتى وقع حادث اغتيال الحاخام اليهودي المتطرف مائير كاهانا، واشتعلت الخلافات بين الجماعات اليهودية والاسلامية، خصوصاً بعد أن اعلن ان القاتل مصري وهو سيد نصير، وأعلن عمر عبدالرحمن انه من المنتمين الى جماعته وسبق اعتقاله عام 1981 في قضية السادات، وانه من مواليه ويقيم في بور سعيد. وقد اهتمت الأجهزة الامنية الاميركية بهذه المعلومات وأقامت نوعاً من العزلة الاجبارية على عبدالرحمن وعلى محل اقامته خشية على حياته من انتقام الارهابيين اليهود، رداً على اغتيال زعيمهم. وتحرك عمر عبدالرحمن الى جانب عدد من العناصر السودانية والتونسية والفلسطينية اثناء محاكمة سيد نصير لمؤازرته، وقد طلب من عناصره في مصر ايفاد اكثر من محام مصري للدفاع عنه من المحامين الاسلاميين المشهورين، ونجح عمر عبدالرحمن وأنصاره في جمع قيمة الكفالة المطلوبة من سيد نصير لاخلاء سبيله وبلغت 175 ألف دولار.
ومع بدايات عام 1992 تصاعد نشاط عمر عبدالرحمن مما اقلق الأميركيين والمصريين معاً بعد ان تجاوز الحدود.
زيارة الى السودان
وأكد اللواء محمد عبدالحليم موسى وزير الداخلية المصري يوم 28 تشرين الثاني نوفمبر الماضي في تصريحات صحافية ان عمر عبدالرحمن متورط في العمليات الارهابية التي شهدتها مصر اخيراً، وان التحقيقات مع المتهمين في حادث الهجوم على باص السياح الألمان والذي وقع يوم 12 تشرين الثاني نوفمبر كشفت تورط عبدالرحمن في الاتصال بقيادات التنظيم في مصر لتنفيذ اعمال ارهابية، وقال موسى: "لدينا جميع الدلائل التي تثبت تلقي هذه التنظيمات أموالاً من خارج البلاد"، ورصدت اجهزة الامن المصرية نشاط عبدالرحمن في الخارج في الفترة الاخيرة الذي تمثل في الأمور الرئيسية الآتية:
عقده لقاءات مع حسن الترابي عند تردد الاخير على الولايات المتحدة الاميركية للقاء عناصره والقاء المحاضرات، ورافقه عمر عبدالرحمن في رحلة علاجه من حادث الاعتداء عليه في كندا الصيف الماضي. وذكرت مصادر مصرية وثيقة الاطلاع ان عمر عبدالرحمن زار مرات في وقت سابق هذا العام السودان بدعوة من الترابي وتفقد المعسكرات السودانية المخصصة لايواء الفارين والمتطرفين من جنسيات عربية عدة، والتي تشرف عليها ايران، وهناك القى كلمة في احد المعسكرات كشفت للمرة الاولى مدى التنسيق بين تنظيم الجهاد الاسلامي المصري وجبهة الترابي والتعاون بينهما عسكرياً وتنظيمياً وأيديولوجياً. وركز عمر عبدالرحمن في لقاءاته بعناصره على الالتزام بقضية السمع والطاعة لقادته والعمل بأقصى الجهد للعودة الى البلاد للمساهمة في اسقاط الحكم القائم بحجة انه "حكم كافر". وعقب مغادرته الخرطوم الى مقر اقامته في الولايات المتحدة الاميركية شهدت مصر مع بدايات عام 1992 سيلا من عمليات العنف جاء في ضوء التحريض الذي مارسه عبدالرحمن وموافقته على عودة "الافغان المصريين" المبعدين عبر الحدود الجنوبية لكي يبدأوا نشاطهم داخل البلاد حيث تمركزوا في محافظات الصعيد التي كثرت فيها عمليات العنف المتكررة في عمليات الصدام بين الشرطة في حوادث الفتنة الطائفية.
الادلاء بأحاديث في الصحف المصرية والعربية تتضمن رسائل الى عناصره والحديث عن الأوضاع الداخلية للرد على معارضيه بأنه غائب لتخوفه من اجهزة الامن والاعتقال. وفي احاديثه ركز عبدالرحمن على قضية تطبيق الشريعة الاسلامية وفق فتاوى الاغتيال، خصوصاً فرج فودة، والهجوم على اسرائيل وسفارتها في مصر التي تنشر الفساد والفتنة والايدز في البلاد، وكذلك الهجوم على الحكومة واتهامها بنشر الارهاب لكثافة قرارات الاعتقال وان الحكم في مصر هو حكم بوليسي. وقال في آخر حديث له بثته الوكالات ان الصراع بين الامن والجماعات الدينية سينتهي على طاولة الحوار ومع التزام الامن بالمعاملة الحسنة.
ارسال شرائط كاسيت الى عناصره في الداخل وتوزيعها ونسخها على نطاق واسع وتتضمن تعليمات محددة للتظاهر ضد الحكومة.
الاستمرار باصدار الفتاوى باغتيال بعض الشخصيات العامة، وكذلك فتوى بأن "السياحة حرام".
ضبط محاولة لارسال تمويل مادي كبير بلغ 130 الف دولار كشف عنه اللواء محمد عبدالحليم موسى لشراء الاسلحة والمتفجرات لاستخدامها في حوادث العنف عن طريق احد البنوك وباسم طرف ثالث غير معلوم لاجهزة الأمن، ويجري حالياً اتخاذ الاجراءات القانونية للاطلاع على الحساب ومصدره وعن هويته باشراف النائب العام، استعداداً لتجريم هذا التحرك، بالاضافة الى ضبط بعض الخطابات المشفرة المرسلة الى بعض عناصره في الداخل.
العودة الى مصر؟
ويلاحظ المسؤولون عن اجهزة الامن المصرية ان عمر عبدالرحمن لا يزال، على رغم غيابه في الولايات المتحدة، رمزاً للمتشددين والمتطرفين في مصر الذين يقومون بتلقي تعاليمه وسماع اشرطته المسجلة باهتمام، بالاضافة الى تنفيذ الفتاوى الصادرة منها بالتزام غريب، وكان آخرها اغتيال الكاتب فرج فودة وضرب السياحة واغتيال قادة اجهزة الامن.
وترى الدوائر الامنية المصرية ان عمر عبدالرحمن تجاوز محنته الاخيرة وأعاد سيطرته على جماعته مرة اخرى ووقف محاولات عزله ويرجع ذلك الى الامور الآتية:
تركيز نشاطات عناصره في الوقت الحالي على اكثر المناطق التهاباً وهي عين شمس وإمبابة وأسيوط.
تمركز عناصره الموالية له في اسيوط وسيطرتهم على مصادر التمويل والتسليح.
اقتصار محاولة اقصاء عمر عبدالرحمن على عناصر داخل السجن فقط من دون ادنى تركيز في الخارج وضعف الجماعات المنشقة عنه.
تتمثل قوة عمر عبدالرحمن - كما صرح بذلك مصدر امني مسؤول - في استئثاره بمصادر التمويل وحركة الميليشيات العسكرية.
لكن ما مصير عمر عبدالرحمن وهل سيظل مقيماً في الولايات المتحدة على رغم نشاطاته هذه؟ في الأيام القليلة الماضية حدث تطور لافت للانتباه، اذ اعلن وزير الداخلية المصري اللواء عبدالحليم موسى انه طلب ايضاحات من السفارة الاميركية في القاهرة عن سبب بقاء عبدالرحمن في الولايات المتحدة.
وقالت مصادر رسمية في واشنطن ان مكتب الهجرة الاميركي يسعى الى طرد عمر عبدالرحمن. وأوضحت المصادر ان عبدالرحمن وصل الى الولايات المتحدة في تموز يوليو 1990 بواسطة تأشيرة سياحية ويعيش منذ ذلك الحين في ولايتي نيوجرسي ونيويورك. وكان حصل على صفة مقيم، ولكنها الغيت في آذار مارس الماضي. وقال موظف في مكتب الهجرة الاميركي فضل عدم الكشف عن اسمه ان طرده المحتمل من الولايات المتحدة سيدرس خلال جلسة مقررة في العشرين من كانون الثاني يناير.
وفي العام 1990 رأى مسؤولون في وزارة الخارجية الاميركية ان عبدالرحمن الذي يندرج اسمه على لائحة الاشخاص المشتبه بقيامهم بأعمال ارهابية لم يكن يفترض ان يحصل على تأشيرة سياحية الى الولايات المتحدة.
وكشف رسميون اميركيون انه ليس موضع اي طلب استرداد من جانب مصر "حتى الآن".
لكن مصادر مطلعة في القاهرة لا تستبعد صدور قرار من النائب العام المصري باعتقال عبدالرحمن وإحضاره بواسطة جهاز "الانتربول" - أي البوليس الدولي - الى مصر للمثول امام المحققين المصريين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.