يظل الشيخ عمر عبدالرحمن زعيم "الجماعة الاسلامية" المصرية المتشددة، حتى وهو في سجنه الاميركي حيث يقضي عقوبة المؤبد، مثيراً للجدل ومحركاً للأحداث التي قد تجري على بعد آلاف من الآميال عنه. فالثقل الذي يتمتع به الرجل بين الإسلاميين بمختلف انتماءاتهم التنظيمية يتخطى كونه زعيماً روحياً لتنظيم "الجماعة الإسلامية" الذي نفذت عناصره عدداً كبيراً من عمليات العنف داخل مصر، بدءاً من اغتيال الرئيس أنور السادات وانتهاءً بمذبحة الأقصر الشهيرة في تشرين الثاني نوفمبر 1997. وتكفي الإشارة إلى أنه حينما تبنت منظمة "الجيش الإسلامي لتحرير المقدسات" التي يعتقد بأنها جناح عسكري ل"الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين" التي أسسها في شباط فبراير 1998 اسامة بن لادن والزعيم السابق لجماعة "الجهاد" المصرية الدكتور أيمن الظواهري، وجماعتان من باكستان، وأخرى من بنغلاديش، عملية تفجير سفارتي اميركا في نيروبي ودار السلام، احتل اسم عبدالرحمن مكاناً بارزاً في البيان الذي اصدرته المنظمة لتبني العملية كواحد من علماء المسلمين الذين يعانون في سجون اميركا. وحينما أطلق القادة التاريخيون ل"الجماعة الإسلامية" في تموز يوليو 1997 مبادرتهم السلمية ظلت الاعتراضات عليها من جانب زملائهم من اعضاء "مجلس شورى" المقيمين في الخارج تتصاعد حتى جاء عبدالرحمن وأصدر بياناً من داخل سجنه مثّل دعماً كبيراً لأصحاب المبادرة باعلان تأييده لها. ووجد معارضو المبادرة انفسهم في موقف صعب، اذ لا يمكنهم معارضة توجهات عبدالرحمن فاضطروا الى تغيير مواقفهم. وحتى أكثر المتشددين منهم، مثل رفاعي أحمد طه، نزل على رغبة الغالبية، وآثر الصمت ولم يستطع أن يوقف التيار المؤيد للتوجه السلمي حتى صدر قرار التنظيم في آذار مارس 1999 بوقف العمليات العسكرية داخل مصر وخارجها وقفاً شاملاً. وأظهرت ردود الفعل على تراجع عبدالرحمن عن موقفه وسحبه تأييده للمبادرة اهتمام وسائل الإعلام لكل ما يخرج عنه من كلمات سلماً كانت أم حرباً، ليس فقط لما قد ينتج عنها من سياسات وأفعال من جانب أتباعه، ولكن أيضاً لما يمكن أن يؤثر عليه هو نفسه وهو بحسب قوله يعاني حصاراً لم يفرض على أي سجين آخر في اميركا. وعلى رغم أن الشيخ الضرير يحتل موقع "الأمير العام للجماعة الإسلامية"، إلا أن ظروف مرضه وغربته في اميركا ثم سجنه هناك لم تجعله يتولى بنفسه إدارة عمل التنظيم الذي يحركه "مجلس للشورى" يتكون من عناصر بعضها داخل السجون المصرية وآخرون مشتتون في دول أوروبية وربما آسيوية. وعند التصويت على اتخاذ قرار فإن عبدالرحمن له صوت واحد مثله مثل بقية أعضاء المجلس. غير أن مكانته تجعل من مخالفة رأيه وتوجهاته أمراً محرجاً لمعارضيه. ولد عبدالرحمن في 3 أيار مايو 1938 في قرية الجمالية التابعة لمحافظة الدقهلية التي تبعد 120 كلم عن القاهرة، واصيب بمرض السكري مما افقده البصر بعد عشرة شهور من ولادته. وفي مدينة دمياط القريبة درس الابتدائية والإعدادية والثانوية في مدارس تابعة للأزهر ثم التحق في جامعته وتخرج في كلية أصول الدين التابعة له العام 1965. وخلال فترة الدراسة الجامعية تعرف على أفكار "الإخوان المسلمين" لكنه لم ينضم إليهم. وفي 1968 اعتقل عبدالرحمن ثم فصل في العام التالي من الأزهر نتيجة آرائه المتشددة التي كانت ذروتها فتوى أطلقها بعدم جواز الصلاة على جثمان جمال عبدالناصر "لأنه كافر"، مما جعل السلطات تعيد اعتقاله في 3 تشرين الأول اكتوبر 1970، وقضى عبدالرحمن 8 أشهر في سجن القلعة ثم اطلق، وعمل مدرساً في معهد محافظة المنيا ثم جامعة اسيوط، وحصل على الدكتوراه في الفقه العام 1977 وعين مدرساً في كلية أصول الدين في فرع جامعة الأزهر في محافظة الفيوم. كما عين إماماً لمسجد قرية فيدمين المجاورة. ومن هناك واصل خطبه التحريضية ضد نظام الحكم. وغادر مصر الى السعودية حيث عمل في مجال التدريس ثم عاد في بداية العام 1980. وفي فترة اجازته كان ضيفا دائماً على معسكرات الإسلاميين وندواتهم التي كانت تتم تحت لافتة "الاتحادات الطلابية" التي سيطروا عليها. وبعد عودته التقى أعضاء في مجلس شورى "الجماعة الاسلامية" في مدينة الفيوم حيث عرضوا عليه إمارة الجماعة لحرصهم على وجود مرجعية شرعية لهم، فرفض في البداية ثم خضع لرأيهم وتولى المنصب. وفي وقت لاحق دخلت "الجماعة الاسلامية" في تحالف مع تنظيم "الجهاد" الذي كان يقوده في ذلك الوقت المهندس محمد عبدالسلام فرج. وقبل الطرفان ببقاء عبدالرحمن زعيماً وأميراً ومفتياً للتحالف الذي تولى عملية اغتيال السادات. وحين اعترف قادة العملية أمام المحكمة العسكرية بأن زعيمهم افتى بوجوب القتل لأن السادات "كافر"، تحدث عبدالرحمن على طريقته: "لم أفت بمقتل السادات، وهل يحتاج السادات إلى فتوى؟". ودافع عن نفسه لأكثر من 8 ساعات أمام المحكمة التي قضت ببراءته ومتهم آخر من بين 24 متهماً لعدم توافر القرائن. غير أن عبدالرحمن خرج أكثر نشاطاً وتنقل بين محافظة وأخرى مخاطباً ومحرضاً. فمنعته السلطات من مغادرة محل إقامته في الفيوم كما منع من الخطابة ولقائه اتباعه. ثم قبض عليه مجدداً في العام 1989 عقب أحداث مسجد الشهداء في الفيوم حيث اتهم بتحريض المصلين على التظاهر والتخريب والاعتداء على رجال الشرطة. وصدر، في العام التالي، حكم ببراءته إلا أن الحاكم العسكري رفض المصادقة عليه مستخدماً الصلاحيات التي يخولها له قانون الطوارئ. فأحيلت القضية على دائرة أخرى فاصدرت في نيسان ابريل العام 1994 حكماً غيابياً ضده بالسجن سبع سنوات. غادر عبدالرحمن العام 1990 الى السودان، وهناك حصل على تأشيرة دخول الى الولاياتالمتحدة التي سافر اليها واتخذ من مسجد السلام في مدينة جيرسي مركزاً لنشاطه الى أن قبض عليه عقب تفجير مركز التجارة العالمي في نيويورك في 26 شباط فبراير 1993، بعدما استخدمت السلطات الاميركية واحداً من اتباعه هو عماد سالم شاهداً ضده. وخلال المحاكمة دافع عبدالرحمن عن نفسه مرة أخرى، لكن المحكمة الاميركية قضت عليه العام 1995 بالسجن مدى الحياة. وتم نقله الى سجن مانهاتن ومنه الى سجن ولاية مينستونا بعد ما ساءت حاله الصحية ليكون قريباً من مركز صحي هناك.