برعاية نائب أمير منطقة مكة المكرمة.. انطلاق مؤتمر طب العيون 2024    فان نيستلروي فخور بمسيرته كمدرب مؤقت مع يونايتد ويتمنى الاستمرار    النصر يتغلّب على الرياض بهدف في دوري روشن للمحترفين    القبض على شخص بمنطقة الجوف لترويجه مادة الحشيش المخدر    المملكة تختتم مشاركتها في المنتدى الحضري العالمي wuf12 بالقاهرة    الهلال: الأشعة أوضحت تعرض سالم الدوسري لإصابة في مفصل القدم    المملكة تؤكد التزامها بالحفاظ على التراث الثقافي في الاجتماع الوزاري لدول مجموعة العشرين بالبرازيل    مدرب الأخضر يضم محمد القحطاني ويستبعد سالم الدوسري وعبدالإله المالكي    حائل: القبض على شخص لترويجه أقراصاً خاضعة لتنظيم التداول الطبي    ممثل رئيس إندونيسيا يصل الرياض    إطلاق النسخة التجريبية من "سارة" المرشدة الذكية للسياحة السعودية    انطلاق أعمال ملتقى الترجمة الدولي 2024 في الرياض    زلزال بقوة 6.2 درجات يضرب جنوبي تشيلي    جمعية الدعوة في العالية تنفذ برنامج العمرة    ترقية بدر آل سالم إلى المرتبة الثامنة بأمانة جازان    «سدايا» تفتح باب التسجيل في معسكر هندسة البيانات    الأسهم الاسيوية تتراجع مع تحول التركيز إلى التحفيز الصيني    انطلاق «ملتقى القلب» في الرياض.. والصحة: جودة خدمات المرضى عالية    تقرير أممي يفضح إسرائيل: ما يحدث في غزة حرب إبادة    فرع هيئة الهلال الأحمر بعسير في زيارة ل"بر أبها"    خطيب المسجد النبوي: الغيبة ذكُر أخاك بما يَشِينه وتَعِيبه بما فيه    رفع الإيقاف عن 50 مليون متر مربع من أراضي شمال الرياض ومشروع تطوير المربع الجديد    أمانة الطائف تجهز أكثر من 200 حديقة عامة لاستقبال الزوار في الإجازة    بطلة عام 2023 تودّع نهائيات رابطة محترفات التنس.. وقمة مرتقبة تجمع سابالينكا بكوكو جوف    المودة عضواً مراقباً في موتمر COP16 بالرياض    خطيب المسجد الحرام: من صفات أولي الألباب الحميدة صلة الأرحام والإحسان إليهم    في أول قرار لترمب.. المرأة الحديدية تقود موظفي البيت الأبيض    دراسة صينية: علاقة بين الارتجاع المريئي وضغط الدم    «مهاجمون حُراس»    حسم «الصراعات» وعقد «الصفقات»    محافظ محايل يبحث تطوير الخدمات المقدمة للمواطنين    شرعيّة الأرض الفلسطينيّة    جديّة طرح أم كسب نقاط؟    الموسيقى.. عقيدة الشعر    في شعرية المقدمات الروائية    ما سطر في صفحات الكتمان    لصوص الثواني !    مهجورة سهواً.. أم حنين للماضي؟    لحظات ماتعة    متى تدخل الرقابة الذكية إلى مساجدنا؟    حديقة ثلجية    محمد آل صبيح ل«عكاظ»: جمعية الثقافة ذاكرة كبرى للإبداع السعودي    فراشة القص.. وأغاني المواويل الشجية لنبتة مريم    فصل الشتاء.. هل يؤثّر على الساعة البيولوجية وجودة النوم؟    منجم الفيتامينات    قوائم مخصصة في WhatsApp لتنظيم المحادثات    أُمّي لا تُشبه إلا نفسها    الحرّات البركانية في المدينة.. معالم جيولوجية ولوحات طبيعية    أنماط شراء وعادات تسوق تواكب الرقمنة    الناس يتحدثون عن الماضي أكثر من المستقبل    من توثيق الذكريات إلى القصص اليومية    الأزرق في حضن نيمار    أمير الباحة يستقبل مساعد مدير الجوازات للموارد البشرية و عدد من القيادات    أمير تبوك يبحث الموضوعات المشتركة مع السفير الإندونيسي    التعاطي مع الواقع    ليل عروس الشمال    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني وفريق عملية زراعة القلب بالروبوت    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وقائع سنوات الجهاد : رحلة "الافغان العرب" من كل مكان إلى واشنطن ونيويورك . الخلاف بين اقطاب "الجهاد"و"الجماعة" والصراع في أفغانستان 3 من 5
نشر في الحياة يوم 19 - 10 - 2001

} تفجر الخلاف في السجن بين الراديكاليين الإسلاميين مطلع الثمانينات. وانفصلت جماعة "الجهاد" عن "الجماعة الإسلامية"، وتكرس ذلك بعد الافراج عن عدد من أقطاب الجماعتين. وانتقل أيمن الظواهري إلى أفغانستان، لكنه بقي على اتصال وعبود الزمر الذي أصبح رمز التنظيم وقائده الروحي.
وسرعان ما توطدت العلاقة بين الظواهري وأسامة بن لادن، وبدأ وجود "الجماعة الإسلامية" يتكثف في بيشاور بدءاً من 1987، وأصدرت نشرة في عنوان "المرابطون" غلب عليها الطابع الفكري الأصولي.
وبعدما هزم السوفيات ودب الخلاف في صفوف المجاهدين، أصبح "الأفغان العرب" في حيرة من أمرهم، وبدأوا التفكير بتصدير "جهادهم" إلى دولهم الأصلية.
فيما كان "الإخوان" يمارسون نشاطهم "الإغاثي" في بيشاور في النصف الأول من الثمانينات كانت سنوات السجن كالمحنة بالنسبة الى قادة تنظيمي "الجهاد" و"الجماعة الاسلامية"، إذ انهار التحالف بين التنظيمين، بعد تفجر الخلافات بين قادتهما داخل السجن، فقد اعترض اقطاب "الجهاد" على عملية اسيوط التي راح ضحيتها عشرات القتلى من اعضاء الجماعة والشرطة ووقعت في اليوم الثاني لاغتيال السادات، ورأى هؤلاء أن العملية "خرجت عن أهداف الجماعة والغاية التي تسعى اليها"، وأنها "اتسمت بالعشوائية في قتل رجال الشرطة"، ما دعا الدكتور عمر عبدالرحمن الى دعوة عناصر "الجماعة" ممن شاركوا في عملية اسيوط الى صوم "كفارة القتل" 60 يوماً، واستمر الجدل فترة داخل السجن وحدثت مواجهة بين اقطاب "الجهاد" واقطاب "الجماعة الاسلامية" الذين دافعوا عن العملية، إلا أن موقف عبدالرحمن واصداره الأمر بالصيام خففا من حدة الخلاف لكن آثاره بقيت، خصوصاً أن اقطاب "الجهاد" رأوا ان ذلك يثير علامات استفهام في طريقة تفكير "الجماعة الاسلامية". لكن برز خلاف آخر والاخطر حين اعترض بعضهم على ولاية عبدالرحمن وهو ضرير على التنظيم، وطرح المسألة بقوة وصرامة عصام القمري وأيمن الظواهري، وفي حين كان الأخير يتسم بالمرونة والهدوء، كان القمري حاداً ورفض النقاش في الموضوع، وأصر على رأيه، وكان موقف عبود الزمر أقل حدة، والحقيقة أن مجموعة القمري والظواهري التي كانت تميل الى السرية التامة في العمل ولم تشارك في احداث 1981 ولم يطلع اعضاؤها على مسألة ولاية عبدالرحمن الا داخل السجن وفوجئوا بها ورفضوها تماماً على اساس أن القواعد الشرعية للإمامة "العظمى" تشترط وتستلزم سلامة الحواس، كما أن مسألة وجود جناح عسكري للتنظيم تستلزم في الأمير أن يكون صالحاً لتدبير العمليات العسكرية واختيار منفذيها ومتابعتها، ويبدو أن قادة "الجهاد" كانوا وافقوا على ولاية عبدالرحمن باعتبارها فقهية شرعية فقط، بمعنى أن يضطلع بالافتاء ويتم من خلاله الاسترشاد بالاحكام الشرعية، على أن يكون محمد عبدالسلام فرج هو القائد الحقيقي بصفته رئيس مجلس الشورى.
ووسط الجدل داخل السجن قيل ان تمسك الجماعة بإمارة عبدالرحمن يعود الى اقتناع اعضائها بأنه عالم ازهري كبير السن يحقق مكانة اجتماعية تجعل الآخرين يحترمون الجماعة على اساس ان على رأسها عالماً وليس مجرد مجموعة من الطلبة. كما أن التعامل داخل السجن اثبت وجود ثقة متبادلة بين عبدالرحمن وعناصر "الجماعة الاسلامية" وهذا لم يتحقق بينه وبين عناصر "الجهاد". وليس سراً أن عناصر "الجماعة الاسلامية" كان لديهم الاحساس بأن تنحي عبدالرحمن عن الإمارة سيفقدهم ورقة مهمة تحقق لهم الرجحان داخل مجلس شورى التنظيم.
كل هذه العوامل وظروف السجن أدت الى حدوث الانقسام والانفصال بين التنظيمين، وفي نهاية 1983 أعلن الانقسام رسمياً بين "جماعة الجهاد" و"الجماعة الاسلامية". وفي 1984 خرج عدد كبير من اعضاء الجماعتين من السجن، وطرح كل تنظيم أفكاره وبرامجه ومناهجه:
"الجماعة الاسلامية" من جهتها طرحت "منهاج العمل الاسلامي" وطبعته ووزعته وكان يعتبر منهاجها ودستورها، وكان أعده داخل السجن ثلاثة من قادتها هم ناجح ابراهيم وعاصم عبدالماجد وعصام دربالة.
أما "جماعة الجهاد" فطرحت "المنهاج الحركي لجماعة الجهاد" الذي اعده عبود الزمر وشارك في إعداده الفلسطيني عصام مطير الذي تولى بعد خروجه من السجن مع مجدي سالم مهمة متابعة نشاط مجموعة عبود الزمر.
في الوقت نفسه كان الظواهري يحاول جمع شتات مجموعته بالتنسيق مع مجموعة الزمر، واتخذ اقطاب "الجهاد" من مسجد "النور" في منطقة العباسية مركزاً لنشاطهم ونجحوا في ضم اعضاء جدد اليهم، وعلى صعيد آخر حاولت "الجماعة الاسلامية" مد جذورها ووجودها ليشمل الوجه البحري والقاهرة بعدما دانت لها السيطرة في الصعيد، ودفعت بمحمد شوقي الاسلامبولي للإقامة في القاهرة فانتقل للسكن في حي عين شمس، واتخذ من مسجد آدم مقراً لنشاطه، ونجح في ضم أعداد كبيرة الى الجماعة، وتحرك الاسلامبولي في الجامعات وكان حضور الدكتور عمر عبدالرحمن المؤتمرات الجامعية اثر في تدعيم "الجماعة الاسلامية" واكتسابها اعضاء.
انتشر ذلك التنظيم في مناطق عدة خصوصاً في امبابة وعين شمس ومناطق اخرى في الوجه البحري، ومع ترحيل عصام مطير تأثرت حركة الجهاد، خصوصاً بعد سفر الظواهري الى بيشاور ومعه عدد من القادة مثل عادل السيد عبدالقدوس وأحمد سلامة مبروك. لكن على رغم ذلك ظل التنسيق قائما بين الظواهري وعبود الزمر حتى بعد سفر الأول إلى بيشاور الى أن تحقق الدمج الكامل بين مجموعة الظواهري ومجموعة الزمر عام 1990، واتُفق على أن يكون الظواهري قائد الجماعة والزمر رمزها وقائدها الروحي.
في 1991 خرجت "جماعة الجهاد" بورقة أعدها الزمر نادى فيها بتحقيق اندماج بين كل الجماعات الدينية ذات العقيدة الصحيحة وعلى رأسها "جماعة الجهاد" و"الجماعة الاسلامية" وجماعة "الاخوان المسلمين"، ودعا الى تكوين "مجلس شورى عام"، يضبط ايقاع عمل كل الجماعات. واستبعد الزمر في دعوته الجماعات التي تصطدم عقائدياً بالجماعات الدينية وبالتحديد "التكفير والهجرة" و"الشوقيين"، الا أن الممارسة افشلت دعوة الزمر ولم تحقق صدى ايجابياً.
وطرحت "جماعة الجهاد" في ما بعد ورقة تتعلق بضرورة العمل العلني والجماهيري والاعلامي يوازي العمل العسكري. واتفق على أن يكون هناك فصل تام بين العمل السري والعمل العلني. وأن يكون لكل جناح اعضاؤه وعناصره ووجود فصل تام بين الجناحين على مستوى القواعد، لكن الزمر اتخذ قراراً منفرداً بقبول ولاية الدكتور عبدالرحمن، وعاد الى مجلس شورى "الجماعة الاسلامية" وترك طواعية العمل في صفوف "الجهاد".
عندما وصل الظواهري الى بيشاور كان يعرفها تماماً فهو كان زارها عام 1980 ومكث فيها بضعة شهور وسريعاً توطدت العلاقة بينه وبين اسامة بن لادن، لكن الاثنين اتفقا على أن يكون العمل التنظيمي منفصلاً بحيث يظل تنظيم "القاعدة" وعاءً يجمع عناصر من جنسيات مختلفة من العرب، لا ينتمون الى أي تنظيم، وأن تظل "جماعة الجهاد" قاصرة على المصريين فقط.
وحتى بداية 1990 لم يكن لأعضاء الجماعات الراديكالية نشاط كبير داخل مصر باستثناء بعض الحوادث الفردية لاعضاء في "الجهاد" قاموا خلالها بحرق بعض المسارح عام 1986، اضافة الى محاولات اغتيال وزيري الداخلية السابقين نبوي اسماعيل وحسن ابو باشا والصحافي مكرم محمد احمد، التي نفذها عناصر من تنظيم "الناجون من النار" الذي كانت افكاره تشبه افكار ومبادئ جماعة "التكفير والهجرة".
لكن نشاط الراديكاليين شهد تحولا كبيرا نحو التصعيد قبل نهاية 1990 اثر مقتل المتحدث باسم "الجماعة الاسلامية" الدكتور علاء محيي الدين، عندما اطلق مجهولون عليه النار اثناء سيره في احد شوارع منطقة الطالبية في حي الهرم، واتهم التنظيم اجهزة الأمن بتنفيذ الحادث وقرر تنفيذ عملية انتقامية تستهدف وزير الداخلية آنذاك اللواء عبدالحليم موسى، فكمنوا لموكبه في حي غاردن سيتي امام فندق سميراميس في تشرين الاول اكتوبر من العام نفسه الا انهم اخطأوا الموكب وهاجموا موكب الدكتور رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب وقتلوه. وتبين للمرة الأولى أن بعض المتهمين كان تدرب في افغانستان.
وبعد الحادث بدت في الأفق بوادر صدام متصاعد بين الشرطة و"الجماعات الراديكالية" ووقعت معارك متفرقة بين الطرفين في محافظات عدة، من بينها الصدام الشهير بين "جماعة الشوقيين" في محافظتي الفيوم وبني سويف وقوات الأمن.
وفي 1992 بدأت دائرة العنف تتسع وتفجر الموقف في مدن الصعيد بعد الشرارة الأولى في قرية صنبو التابعة لمدينة ديروط في محافظة اسيوط، عندما قتل اعضاء في "الجماعة الاسلامية" 13 مسيحياً لتسري نار العنف وتنتشر بين محافظات الصعيد، وقتل الضباط والجنود في الشوارع وتواصلت حملات الشرطة على الأوكار التي اوى اليها اعضاء الجناح العسكري لتنظيم "الجماعة الاسلامية" في مدن الصعيد، وصار من النادر أن يمر يوم من دون أن نسمع عن حادثة راح ضحيتها ضابط أو شرطي أو أكثر أو عدد من اعضاء الجماعات الدينية.
غير أن المواجهات دخلت منعطفاً خطيرا عندما انتقل نشاط الجماعات الدينية الى القاهرة ووقعت التفجيرات الشهيرة وحادثة اغتيال الكاتب فرج فودة، وعمليات اغتيال عدد من كبار ضباط الشرطة وضرب السياحة ومحاولة اغتيال وزير الاعلام صفوت الشريف، ثم نجيب محفوظ.
والملاحظ أن كل تلك العمليات نفذها اعضاء في "الجماعة الاسلامية" مما طرح تساؤلات عن اسباب اختفاء جماعة "الجهاد" حتى وقعت محاولتا اغتيال وزير الداخلية اللواء حسن الالفي، ورئيس الوزراء الدكتور عاطف صدقي في النصف الثاني من عام 1993.
وقبل ذلك التاريخ وتحديداً في كانون الثاني يناير من العام نفسه كانت اجهزة الأمن القت القبض على 800 من اعضاء الجهاد في القاهرة والوجه البحري قسموا الى مجموعتين: قدمت الأولى الى القضاء العسكري في اربع قضايا حملت اسم "طلائع الفتح" وصدرت قرارات باعتقال الباقين، وتبين أن من بين المتهمين عناصر تم تدريبهم في افغانستان.
هكذا طرحت قضية "الافغان العرب" نفسها وظهر أنه خلال فترة الجهاد الافغاني ضد الاحتلال السوفياتي 1979 - 1989 استقطبت افغانستان ومدينة بيشاور الباكستانية اعداداً كبيرة من الاسلاميين غالبيتهم من المصريين، وهناك تشكلت من جديد قواعد وأسس تنظيمي "الجماعة الاسلامية" و"جماعة الجهاد".
ووفقاً لأقوال الاصوليين انفسهم فإن الوجود المكثف ل"الجماعة الاسلامية" في بيشاور ثم افغانستان، بدأ عام 1987 مع وصول ثلاثة من قادة التنظيم هم محمد شوقي الاسلامبولي وعلي عبدالفتاح ورفاعي طه، وفي العام التالي زارهم الدكتور عمر عبدالرحمن. واصدر التنظيم نشرة "المرابطون" الشهرية التي صدر العدد الاول منها في أيار مايو 1990 وغلب على اعدادها الاولى الطابع الفكري التأصيلي، بعيداً عن التحليلات والتقارير الصحافية التي حفلت بها صفحاتها في مراحل تالية. ورأس تحرير النشرة طلعت فؤاد قاسم الذي عرف في ما بعد باسم "أبو طلال القاسمي".
ومع وصول الشيخ عبدالرحمن ثانية في حزيران يونيو 1990 الى بيشاور أجرت "المرابطون" مقابلة معه تحدث فيها عن ظروف سجنه داخل مصر، وفي تلك الفترة اقتصر نشاط "الجماعة" على سياسة التجميع، وكان العمل الجبهوي اقرب الى العمل الحزبي النخبوي، ربما بسبب قيادتها "الصعيدية" باعتبار أن ابناء الصعيد يتميزون بالانفتاح والشعبية، فأنشأت دار ضيافة في بيشاور لاستقبال العناصر الوافدة من مصر.
وبدأت أواخر 1990 بتدريب عناصرها في مخيمات خاصة داخل الاراضي الافغانية واشرف عليها شاب مصري يدعى صهيب الذي قتل بعد ذلك في معارك جرت في منطقة بغان داخل الاراضي الافغانية عام 1991 ضد القوات السوفياتية.
نشط التنظيم في المجال الاعلامي والدعائي بواسطة اشرطة الكاسيت والفيديو فيلم الاسلامبولي والبوسنة والهرسك، وثورة الجزائر الثانية وإثر فوز "الجبهة الاسلامية للانقاذ" في الجزائر في الانتخابات البلدية عام 1990 زار وفد من مسؤولي "الجماعة" الجزائر للتهنئة وكان على رأسه محمد شوقي الاسلامبولي.
ومع بداية تفجر الصراع بين عناصر "الجماعة الاسلامية" في الصعيد من جهة، والشرطة من جهة أخرى حرص قادة التنظيم في افغانستان على تنشيط قنوات الاتصال مع عناصر الاجنحة العسكرية داخل مصر، وبدا التنسيق واضحاً من خلال بيانات اصدرتها "الجماعة" من داخل الاراضي الافغانية تتحدث عن نشاط عناصر الداخل.
أما "جماعة الجهاد" فإن نشاطها على الاراضي الافغانية كان أكثر كثافة، وربما كان خروج الظواهري مبكراً من مصر عام 1985، ووصوله الى مدينة بيشاور التي اتخذها مركزًا لنشاطه سبباً في ذلك، كما أن العلاقة الوطيدة التي نشأت بين الظواهري واسامة بن لادن ربطت مصير الاثنين وفتحت مجالات اوسع امام عناصر الجهاد للعمل على الاراضي الافغانية.
ووفقاً لاعترافات المتهمين في قضايا العنف الديني ممن حوكموا أمام محاكم مدنية وعسكرية مصرية فإن عدد المعسكرات التابعة ل"جماعة الجهاد" في بيشاور وافغانستان فاق كثيراً تلك التي كانت تخص "الجماعة الاسلامية".
ويسود اعتقاد بأن الظواهري ظل طوال السنين الماضية الاكثر قرباً من اسامة بن لادن الى درجة ان بعضهم يرى ان التغييرات التي طرأت على افكار بن لادن كانت بتأثير الظواهري. وعلى رغم أن تنظيم "القاعدة" الذي أسسه بن لادن في افغانستان وضم اصوليين عرباً ظل يعمل منفصلاً عن باقي التنظيمات العربية في افغانستان ومنها "جماعة الجهاد"، إلا أن افغانستان كانت بوتقة انصهر فيها "الافغان العرب". وكانت عودة بن لادن مجدداً الى افغانستان عقب حرب الخليج مقدمة لتعاون وثيق بينه وبين الظواهري، وإن كانت اعترافات المتهمين في قضايا العنف الديني في مصر اكدت ان الاول ظل معترضاً على العمليات التي كان ينفذها عناصر في مصر، نظراً الى كلفتها العالية وعدم جدواها. وعكس خروج الاثنين بن لادن والظواهري من افغانستان عام 1993 مع عشرات من اعوانهما، إلى السودان مدى العلاقة الوطيدة بينهما.
واضطلع الظواهري وقتها بمهمة إبعاد انظار الاجهزة الامنية في دول عدة لإتمام عملية الانتقال بنجاح حين لجأ الى الحيلة واعلن انه حصل على اللجوء السياسي في سويسرا، فاتجهت الانظار الى هناك في حين كان هو ومعه بن لادن في الطريق الى افغانستان، وحين عادا معاً عام 1996 إلى افغانستان مارس الظواهري الحيلة نفسها فاختار بلغاريا بدلاً من سويسرا ليدعي أنه وصل إليها.
كان التحول الكبير في تقديم الاثنين عداءهما لأميركا على أي هدف آخر اتفاقهما في شباط فبراير 1988 على تأسيس "الجبهة الاسلامية العالمية لجهاد اليهود والصليبيين" التي تضمن بيانها التأسيسي فتوى "توجب على المسلمين قتل الاميركيين ونهب اموالهم".
وكانت علاقة بن لادن والظواهري بغالبية قادة المجاهدين خلال فترة الجهاد الافغاني ضد الاحتلال السوفياتي جيدة. ولم يتغير الامر مع "طالبان"، ويعكس اصرار الحركة على رفض تسليم بن لادن المدى الذي وصلت اليه العلاقة بين الاطراف الثلاثة.
تضاريس وقبائل
كانت بيشاور مركزاً لدور ضيافة أقامها الظواهري لاستقبال عناصره القادمين من مصر ودول أخرى أقامها قادة "الجماعة الإسلامية"، إضافة إلى "مكتب خدمات المجاهدين" التابع لعبدالله عزام، وعشرات من الدور لجماعات وتنظيمات راديكالية تنتمي أساساً الى دول عربية واسلامية عدة، وكانت الأراضي الأفغانية مسرحاً لمعسكرات التدريب التي انتشرت وسط تضاريس معقدة.
هكذا وجد "الأفغان العرب" أنفسهم وسط حدود طويلة من الشمال حيث حدود مع الجمهوريات السوفياتية السابقة طاجيكستان - واوزبكستان - وتركمانستان وحدود ضيقة من الشرق على أهمية كبرى مع الصين عبر ولاية بامير - ونورستان. ومن الشرق والجنوب حدود طويلة تمتد لأكثر من ألفي كيلومتر مع باكستان، ومن الغرب حيث ايران عاش "الأفغان العرب" وتعاملوا مع بضع وثلاثمئة قبيلة موزعة على أربعة أعراق رئيسية تتكلم لغات مختلفة هي، "البشتون" ويشكلون غالبية السكان ويقطن معظمهم وسط وجنوب افغانستان ويتوزع الباقي من السكان بين "الطاجيك" و"الفرسوان" و"الاوزبك"، وكل هؤلاء من المسلمين السنة. اضافة إلى نسبة من الشيعة في ولاية "باميان"، وتقطن أقلية منهم في أطراف كابول.
ويرتبط كثير من القبائل الباكستانية البشتونية في جوار افغانستان بأواصر قربى وعلاقات بأقاربهم في افغانستان. بل إن أقليم "سرحد" وعاصمته بيشاور، يعتبره الافغان من أراضيهم وأنه ضم الى باكستان.
وقبل ظهور حركة "طالبان" كانت الاحوال في افغانستان آلت، نتيجة صراع الاحزاب الاسلامية على السلطة، الى حال من ضياع الأمن وانعدام أسباب العيش، وانتشر قطاع الطرق، وعم الفقر والخراب والدمار والاغتصاب والخطف، بشكل جعل الناس تضج وتنتظر أي شكل من أشكال الخلاص. فبحلول 1992 كان النظام الشيوعي في كابول اقتصرت سيطرته على بضعة مدن محاصرة بالمجاهدين، وبعض الممرات الحيوية التي تربط العاصمة ببعض الولايات القريبة. وفي الشمال عبر الممرات المؤدية الى موسكو التي كان جيشها على أهبة الانسحاب وترك النظام الشيوعي في كابول ليلاقي مصيره. ونتيجة لحسابات وصراع مصالح بين الحزبين الرئيسيين: "الحزب الاسلامي" بزعامة قلب الدين حكمتيار و"الجمعية الاسلامية" بزعامة برهان الدين رباني وقائده الرئيسي احمد شاه مسعود، ونظراً الى انهيارات عسكرية تعرضت لها قوات نجيب الله دخل قائد المليشيات الشيوعية في الشمال الجنرال دوستم في تحالف مع أحمد شاه مسعود لقطع الطريق على سقوط كابول في أيدي حكمتيار وقواته.
وسقطت كابول وانفرط العقد وتتابع تسليم القوات الشرعية لقيادات المجاهدين المحاصِرين في باقي المدن الرئيسية: "جلال آباد، خوست... الخ" وفر نجيب الله ولجأ الى مقر الأمم المتحدة في كابول.
ودخلت الاحزاب في صراع على السلطة انحصر في النهاية بين رباني وخصمه العنيد حكمتيار ومن دخل في حلف كل منهما. واستطاع رباني وقائده مسعود التمركز في كابول، ولم يسمح له حكمتيار بأن يهنأ في هذه السلطة يوماً واحداً، وصار هذا الخلاف مدخلاً للشيوعية وبعض الفرق الاخرى، والأقلية الشيعة المدعومة من ايران. كما صار هذان الفريقان مركزاً جديداً للعبة الصراع الاقليمية واطرافها الرئيسية باكستان - ايران - الهند والدولية وعلى رأسها اميركا وروسيا سحق هذا التطاحن في النهاية أكثر من اربعين ألف قتيل من المدنيين راحوا ضحية القصف الوحشي والاقتتال اللانهائي على السلطة عبر سلسلة من التحالفات الغربية والتناقضات العجيبة التي قامت كلها على أسس قبلية او مصلحية.
زاد الدمارالذي خلفه الشيوعيون وانعكس ذلك على الشعب الافغاني فقراً وعناءً وصار مؤهلاً لتقبل أي حل بعدما غاب الأمن وسيطر قطاع الطرق من الشيوعيين السابقين وكبار تجار المخدرات واللصوص وانتشر النهب المسلح والسلب وقطع الطرق وخطف النساء والاغتصاب، بل إن كثيراً من قادة الاحزاب وصغار المجاهدين تحولوا الى لصوص وقطاع طرق استخدموا اسلحتهم لنصب الحواجز الجمركية وربط الحبال على مفارق الطرق لجباية المكوس والضرائب من فقراء الناس واغنيائهم على السواء.
كان "الافغان العرب" يراقبون ما يحدث وحاول قادتهم الا يكونوا مع طرف ضد آخر وانشغلوا في ممارسة التدريبات وحبك العمل التنظيمي لتحقيق استفادة قصوى من وجودهم في تلك الاراضي الخصبة، ومثلت معركة "جلال آباد" التي وقعت في آذار مارس 1989 أهم مشاركة للأفغان العرب عموماً والمصريين خصوصاً في الجهاد الأفغاني، وسقط فيها أكثر من 180 أفغانياً عربياً كان بينهم نحو 40 مصرياً. وتسببت المعركة في خلافات بين الظواهري وبعض أتباعه ممن عارضوا المشاركة فيها وكانوا يفضلون الهجوم مباشرة على كابول.
أما كيف تم تسفير العناصر من مصر الى افغانستان فإن مهندس التسفير في جماعة "الجهاد" وهو الاسم الذي اطلق على اسماعيل نصر الدين الذي يقضي حالياً عقوبة بالسجن 15 سنة في قضية "طلائع الفتح" ليقول:
"بدأت التزامي تقريباً عام 1976 وكان لدي شغف بقراءة الكتب الشرعية والمجلات الإسلامية واستمر الوضع على هذه الحال طوال دراستي في كلية الهندسة جامعة الاسكندرية، قسم ميكانيكا هندسة إنتاج وانهيت الدراسة عام 1979، ورجعت الى القاهرة ومكثت من دون شغل حتى 23/8/1980 وهو تاريخ تعييني في مصنع للمعدات، وفي تلك الأثناء وقعت أحداث الزاوية الحمراء، وهذا كان مثار اهتمامي وشغف بالنسبة إلي لأني كنت أريد أن أعرف ما الذي يحدث في البلد، وفي هذا الوقت كنت أتردد على مسجد الفتح في منطقة الإمام الشافعي، والذي كان يلقي الخطب فيه والمسؤول عنه الشيخ اسامة عبدالعظيم، وكان نبيل نعيم أحد قادة الجهاد موجود حالياً في سجن طره يتردد على المسجد فتعرفت إليه، وهو حدثني عن فكر "الجهاد" والذي كان يقوم على أن نظام الحكم كافر ولابد من جهاده، وبدأت أقرأ فكر الجهاد في الكتب الشرعية مثل "المُغني" و"ابن كثير" و"أبواب الجهاد" في كتاب "صحيح البخاري"، ثم جاءت أحداث اغتيال السادات وانقطعت عن نبيل نعيم بسبب اعتقاله وبدأت اتحرك لوحدي، وتعرفت على شخص يدعى عبدالرؤوف أمير الجيوش موجود حالياً في سجن طره عن طريق زميل لي في المصنع يدعى محمد علاء، وقال لي عنه إن فكره كويس، وتقابلت مع امير الجيوش في مسجد الفتح كما كان يحضر لي في المنزل وداومت على لقائه لمدة سنتين من سنة 1983 أو 1984 تقريباً، ولكن لم اقتنع به وكنت التمس الاستفادة منه ولكن للأسف كانت محدودة لأني كنت أقابله كل ثلاثة أو أربعة شهور مرة، وكان دائماً يركز في كلامه على "الدعوة" في فكر الجهاد، وفي 1985 انقطعت اتصالاتنا لأنه كان يشعر إني ما بعملش حاجة فهو كان يطلب مني تجنيد أفراد دون أن يلقى مني استجابة لأني لم أكن مقتنعاً به، ومن العام 1985 بدأت أنشط من نفسي وبدأت اصنع مسدس 9مم من خلال عملي في المصنع فالخامات كانت موجودة كأجزاء وكان لي زميل يدعى مجدي عبدالمقصود أخ ملتزم واقنعته بفكر الجهاد وهو كان يعمل في المصنع ايضا فطلبت منه أن يحضر لي كمية من مادة "T.N.T"، وفعلاً أحضر لي كمية حوالى 2 كيلوغرام تقريباً، وكان معي زميل آخر في المصنع يدعى عبدالله السيد حسن وهذا فني سويتش عامل هاتف فدعته إلى فكر الجهاد واقتنع، وكان ذهب إلى عمرة في السعودية وتعرف هناك على شخص اسمه الحركي ابو شهيدة واسمه الحقيقي عبدالله المحارب، كلمه عن الجهاد وان فيه مجموعة في مصر تعتنق هذا الفكر، وكنت أنا في هذا الوقت وضعت بحثاً بعنوان "فاعتبروا يا أولي الأبصار" عن بعض أحداث السيرة التي تخدم فكر الجهاد، وعرض حسن البحث على ابو شهيدة فأعجب به جداً وسأله عن كاتبه، وما إذا كان معه أحد يعتنق هذا الفكر، فأخبره بأمري. وأرسل معه مبلغ أربعة آلاف دولار لإنفاقها على تسفير شبان للجهاد في أفغانستان، وعندما عاد حسن وحكى لي ما حصل انتهزت الفرصة وسافرت عمرة للسعودية لأن زوجتي كانت تعمل هناك وقابلت أبو شهيدة وتحدثنا عن السفر لأفغانستان وقلت له ممكن أسفر ناس فأعطاني عناوين في باكستان علشان الناس اللي تسافر تروح عليها وهناك يتم تدبير أمر السفر لأفغانستان، وعدت من السعودية وسفّرت عبدالله السيد وشقيقه محمد السيد والمهندس مجدي عبدالمقصود زميلي في المصنع الذي كان أحضر لي المفرقعات، وجار لي يدعى أحمد أبو سريع حاصل على دبلوم صنايع وتعرف حسن في السعودية على شخص يدعى علي أبو عبيدة وهو مصري ولا اعرف اسمه الحقيقي حكى له حسن عني فطلب منه أن يقابلني، وعاد حسن مجدداً الى مصر وحكى لي ما حدث وقال إن أبو عبيدة يريد لقائي وأنه سيكون في السعودية في شهر رمضان وأعطاني رقم هاتف وقال لي خليك على اتصال بالنمرة دي لحد ما يردوا عليك، وفعلا اتصلت بالنمرة ورد واحد علي وسألته عن أبو عبيدة فقال انه موجود فعرفته بنفسي وقال لي تعال إلى السعودية كي تقابله، وفعلاً سافرت لأداء عمرة والتقيته في مكة وأخذني إلى شقة في منطقة العزيزية وتحدثنا عن الفكر الذي اعتنقه وهو فكر الجهاد، وقلت له إن نظام الحكم لا يحكم بما أنزل الله ولا بد من التغيير والتغيير هذا لا يأتي إلا من خلال جماعة والجماعة لا تكون إلا بدعوة الأفراد وتنظيمهم وإعدادهم فكرياً وعسكرياً لتغيير نظام الحكم، واتفقنا على أن أعود الى مصر أدعو أفراداً وأسفرهم الى افغانستان للتدريب واعدادهم وأعطوني فلوس لهذا الغرض، وعلى ما أذكر أنهم اعطوني ألفي دولار كدفعة أولى، وأقمت في شقة العزيزية ثلاثة أيام وكان معانا في الشقة اثنين مصريين غير أبو عبيدة هما ابو عبدالرحمن وأبو جهاد، ولا أعرف باقي اسمائهم، وعدت الى مصر وبدأت اكثف الشغل في عملية دعوة الأفراد، فدعيت واحداً اسمه محمد قطب يعمل معي في المصنع وهو من منطقة ابو زعبل وهو دعا افراداً آخرين منهم عيد بكري وشحتة محجوب واسماعيل الشحري، وكان فيه واحد اسمه ربيع من مصر القديمة وتوسمت فيه خيراً لأنه ملتزم بالسنة فطلبت من الأخ علاء أمين ان يعرفني به فجاء لي البيت وبدأت أكلمه واخذ مني فترة حتى اقتنع بالفكر وبدأ يدعو الآخرين بمجهوده وبتوجيه مني، ولم أعرف اسماءهم لكن أعرف عددهم وكان امين يتحدث معي عن الموضوعات التي يتكلمون فيها مع بعض وكنت اوجهه لأنه كتنظيم لا يصح أن نعرف اسماء بعض.
وبعد ذلك عرفت منه اسمين لشخصين سفرتهما الى افغانستان واحد اسمه حسين والثاني اسمه عماد، وخلال عشرة شهور بعد عودتي من السعودية ولقائي مع ابو عبيدة ولم يكن احد سافر لحد الوقت ده واتصل بي ابو عبيدة عبر الهاتف عن طريق أخ لم أعرفه في ذلك الوقت ولم يكن عندي هاتف في البيت وكنت اعطيتهم رقم الجيران، والأخ ده اتصل بي من داخل مصر وقال انه يريد أن يلقاني وجاء الى البيت وأبلغني أن أبو عبيدة يريد لقائي في الخرطوم في السودان واعطاني عنواناً في الخرطوم في منطقة اسمها بشمات وطبعا لم يقل لي اسمه وجاء لي مرة واحدة البيت وذهب ولم اعرف شيئاً عنه.
بعد ذلك سافرت الخرطوم وذهبت الى العنوان وقابلت ابو عبيدة، وكان هناك اشخاص اسماؤهم الكودية نوح وطلحة وابو بكر وجلست هناك حوالى خمسة ايام في شقة لم اخرج منها واخذت دورة تدريبية في الطباعة وعمل الاختام الحكومية وبعدها سافرت الى افغانستان لمدة اسبوع اقمت خلالها في معسكر على الحدود بين باكستان وافغانستان وقابلت اخوة لم أعرفهم دربوني على استخدام الاسلحة والبندقية الآلية وفكرة نظرية عن استخدام المفرقعات، وعدت من المعسكر الى بيشاور في انتظار العودة الى مصر ومكثت حوالى ثلاثة اسابيع وتعرفت هناك بشخص اسمه الدكتور عبدالمعز جلس معي حوالى نصف ساعة وبعدما عدت الى مصر عرفت انه أيمن الظواهري، وفي نهاية الثلاثة اسابيع جاء لي أبو عبيدة واعطاني شيكاً بخمسمئة دولار على أساس أن افتح حساباً باسمي في بنك عمان المحدود في القاهرة على أن يرسلوا لي حوالات مالية على ذلك الحساب وهم بالفعل ارسلوا لي حوالى 13 ألف دولار على الحساب وادخلت هاتفاً في منزلي واتصل بي أبو عبيدة بعد حوالى خمس شهور تقريباً من رجوعي من افغانستان، وقال ابعث لنا الناس اللي عندك، فطلبت من محمد قطب الناس اللي عنده علشان اشوفهم وأشوف مدى استيعابهم للفكر وفعلا عملت معاهم لقاءات منتظمة في بيوتهم في ابو زعبل ووجدتهم جاهزين، ورتبت لهم السفر الى السودان ومن هناك سافروا الى افغانستان لمدة ستة شهور تقريباً وفي خلال الشهور الستة بدأ واحد يتصل بي اسمه عصام قال انه من طرف ابو عبيدة وطلب مني تجهيز مجموعات اخرى وفعلاً كثفت مع محمد قطب وبدأ يبعث لي افراداً آخرين واستطعت تسفير حوالى 18 شخصاً آخرين أذكر منهم محمد علي خليل وطارق الفحل وهشام صيام وحسن صيام وسيد صلاح وأيمن عبدالرازق وأمين عقل ومحمود مصطفى ومحمد حسن وواحد اسمه بدير وهؤلاء كلهم من منطقة ابو زعبل وحدها. وآخر مجموعة سافرت منذ سنة تقريباً وكانوا يسافرون عن طريق السعودية أو تركيا، وبعد ذلك توقفت عملية السفر لأن من وجهة نظري ان مشكلة افغانستان بدأت تنحل والمعسكرات هناك كانت بتتصفى ولذلك لم يطلبوا ناساً للسفر. وبعد ذلك عاد الاخوة من افغانستان واقتصر نشاطي على القراءة وتبادل الكتب لأني لم أجد شيئاً اشغل الناس به، وكان عصام يتصل بي واطمئنه عليهم وأبلغه انهم بخير وانهم بدأوا يملون لأنهم اصابهم ملل واحباط لأن من المعروف ممنوع تحصل اعمال فردية ولكن المفروض يحصل عمل جماعي واحد في وقت واحد بعد اعداد العدة لأن الأعمال الفردية ضررها أكثر من نفعها وهذا أمر معروف. ومن حوالى ثلاثة اشهر تقريبا اتصل بي عصام وقال لو عندك ناس يريدون العمل بالخارج ممكن نرسل لك تأشيرات لهم وفعلا سافر محمد قطب الى تنزانيا ومحمد حسن ذهب الى البانيا وواحد اسمه زين العابدين عباس واسماعيل الشحري ذهبوا الى تايلاند".
هكذا يظهر من كلام نصر الدين أن رحلة "الافغان العرب" لم تقتصر على انتقالهم من بلادهم الى أفغانستان وأن الاصوليين الراديكاليين اتخذوا منها مركزاً للانطلاق إلى بلادهم أو إلى دول اخرى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.