الزواج لفظ عربي موضوع لاقتران أحد الشيئين بالآخر وازدواجهما بعد أن كان كل منهما منفرداً عن الآخر. وبعيداً من الخوض في جدل تعريفه فقهياً، لم تخلُ شريعة من الشرائع السماوية من الإذن به بل وتنظيمه. ولقد تزوج الأنبياء والرسل كلهم، ولم يذكر المؤرخون من عاش منهم بلا زواج سوى يحيى وعيسى عليهما السلام. وقيل إن سبب عدم زواج عيسى"انحطاط أخلاق نساء بني إسرائيل"، فرغب عنهن للعبادة وأداء الرسالة. وقيل إن يحيى لم يكن عنده المقدرة على إتيان النساء، لأن القرآن قال في وصفه: وَسَيِّدًا وَحَصُورًا، والحصور في اللغة: الذي لا يأتي النساء، أو الذي يكف نفسه عن النساء ولا يقربهن مع القدرة، ويمكن أن يعلل سبب امتناعه عنه بمتابعته لعيسى لأنه كان في زمنه وأول من آمن به. ويقال إن الرهبانية - الإعراض عن الزواج - لم تكن مشروعة في أي دين سماوي، وفي القرآن: وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ. للزواج كثير من الحكم ومنها: تحقيق الأنس والراحة بين الزوجين، فتستقر الحياة ويسعد المجتمع، وتحصين النفس بقضاء الحاجة الجنسية من طريق لا يترتب عليه فساد المجتمع. والزواج في الإسلام، لا يأخذ حكماً واحداً في جميع الحالات، بل يختلف حكمه باختلاف أحوال الناس. وذهب جمهور الفقهاء إلى أن"الزواج يُفرض على المرأة إذا عجزت عن اكتساب قوتها، وليس لها من ينفق عليها، وكانت عرضة لمطامع أهل الفساد فيها، ولا تستطيع أن تصون نفسها إلا بالزواج. بعد هذه المقدمة"التراثية"، أتساءل: لماذا تُحجم فتاة"شابة"عن الزواج بعد طلاقها الأول، أو بعد ترملها؟! لا أقتنع - شخصياً - بأن تربية أولادها هو السبب المباشر. ربما يكون سبباً لكنه ليس المباشر، برأيي. سأفكر بصوتٍ عالٍ، فلا أحد يملك الحقيقة: تأملتُ لأيام الأسباب الرئيسة برأيي وراء هذا الإحجام. اعتبرتُ أن المرأة ككتلة كائن يحمل مساحة"لا وعي". إذا اعتبرنا أن هذا"اللاوعي"يظن أن الزواج في عرفنا الاجتماعي"أبدي"، تأملي رأي والدك أو أخيك أو عمك أو أبنائهما حين تكونين مطلقة أو أرملة، أو حتى رأي أمك. حتى جمهور الفقهاء يرون أن"الزواج يُفرض على المرأة إذا عجزت عن اكتساب قُوتها، وليس لها من ينفق عليها، وكانت عرضة لمطامع أهل الفساد فيها، ولا تستطيع أن تصون نفسها إلا بالزواج". إذا افترضنا أن نصف نسائنا، إن لم يكن أكثر من ذلك بكثير، يعجزن عن اكتساب قوتهن، وأن من ينفق عليهن معرض لظروف الحياة. وإذا افترضنا أن امرأة تدرك اليوم أن بيت الزوجية ليس الجنة التي ستخلصها من نار بيت الأهل، وأن التخلص من براثن رجل بحسب القانون يشبه التخلص من براثن أسد لم يأكل منذ سنين عجاف. هل يمكن لذلك"اللاوعي"، بعد الأخذ في الاعتبار تلك الافتراضات، أن يتخذ موقفاً دفاعياً، متمرداً، بإعلانه فكرة رفض الزواج؟! يمكنه ذلك، لكن الحرية مشروطة، وليكن السبب المُقنع تربية الأطفال. هل تتحول المرأة في هذه الحال إلى راهبة؟!