هي من أعرق الحروب، أقدم حرب تذكرها البشرية، حرب بدأت قبل نزول آدم وحواء إلى الأرض، حرب لا يعرفها سوى المفكرين، حرب ليست بين الأعراق ولا بين الأديان، بل حرب بين الجنسين، حرب شنها الجنس الآخر على الجنس اللطيف الذي سمي بالجنس الضعيف، تسمية لم يدركها الجنس اللطيف. بدأت الحرب منذ البداية، واستخدم الرجل أقوى الأسلحة من الدين والتاريخ، وقام بذلك من خلال تغيير الحقائق وتثبيتها. في الإنجيل ذكر أن حواء أغوت آدم، ومن هنا استدرجت فكرة"الخطيئة الأولى"التي سببها حواء، وبهذا الاعتقاد يُضْعف الرجل المرأة، بتحميلها أكبر وأول ذنب للإنسان. لكن القرآن يخالف هذا القول، اذ يؤكد سبحانه على وسوسة الشيطان لآدم وليس لحواء. لم تكن حواء، لكن للأسف الشائع في الثقافات الأخرى أنها السبب. اقتران المرأة بالخطيئة يسهل على مفهوم الرجال. فتحميلهن إياها يساعد في شعور المرأة بالذنب، ما يؤكد للرجل أنها آلة إغواء للشر والذنوب والخطايا، وحين تجسدت هذه الفكرة وأخذت مكانتها، ضعفت المرأة وأصبحت أداة إما للإغراء أو الخدمة، أو إرضاء الرجل بشتى الوسائل. الأديان السماوية لم تحط من قيمة المرأة، لكن الأديان المحرفة فعلت ذلك، ومن حرفها غير الرجل؟ على مر الأزمان كانت المرأة مقدسة، بما أنها مصدر الحياة، وأطلق على اسم الأرض"الأم"، وقيل إن المرأة تعلمت الزراعة قبل الرجل. وفي بعض الحضارات العريقة كانت المرأة تعبد وتقدس كآلهة، فمثلاً إلى يومنا هذا هناك طائفة في الهند تقدس القوة الأنثوية وتدعى"شاكتي". من أسباب سقوطها هو خوف الرجل من تأثيرها القوي، مثلما أثرت زوجة فرعون فيه وتمكنت من تربية موسى عليه السلام، وكليوباترا على آنثوني، إذ تمكنت من إقناعه بالبقاء بجانبها، وحكمت معه أكثر من نصف العالم، ومريم العذراء التي أنجبت عيسى عليه السلام، وكان حملها له إحدى المعجزات العظمى في تاريخ الأديان، والملكة اليزابيث الأولى، التي استطاعت بذكائها أن توحد كل انكلترا ضد الأعداء، بعدما كانت بلدها في حال عصيبة، وقضت على الفقر، وأصبحت البلاد من أقوى البلدان في أوروبا، حتى سميت فترة حكمها ب"عصر اليزابيث"، وجون أوف أرك، التي تمكنت من إقناع حاكم فرنسا بأن الله أوحى لها بالحرب ضد الانكليز الذين احتلوا شمال بلادها، فسمح لها حاكم فرنسا بأن تقود جيشاً بسيطاً ضد المحتلين، وبعزمها وقوتها تمكنت من النصر في معاركها، حتى تمكن الانكليز من الإمساك بها بعد خسارة جيشها، واتهمها رجال الدين والكنيسة بالسحر والشعوذة، فقاموا بحرقها حتى الموت، ولم يقم البابا بتقديسها إلا سنة 1920. وليس غريباً على الكنيسة أن تحرق النساء، فمثلما كان الجاهليون يئدون البنات، كانت الكنيسة تحرق الآلاف منهن، وحججهم لا تعقل، مثل السحر والعار، ومعظم من قام بهذا هم البيورتنز الذين شددوا على النساء، واعتقدوا أن المرأة سبب خطيئة الرجل، بأن أغوته من غير قصد، وتجب عليها طاعة الرجل التامة. كان أتباع المذهب المتعصب يكرهون النساء المفكرات المبدعات والمستقلات، ويفضلون الخلاص منهن. المشكلة الأساسية إقناع المرأة بأنها وسيلة كبيرة للفساد ومرتبطة بالشر. لا يريد الرجال أن يتفهموا أن الجاذبية بين الجنسين من الفطرة، وليست المرأة السبب الوحيد لهذه الجاذبية، بل هو أمر مشترك. هل الأديان قاسية على النساء؟ بالطبع لا، وإلا لماذا قام معظم الأنبياء بتعليم النساء الدين؟ بعض الناس إلى يومنا هذا يكذبون بعض حقائق التاريخ، مثل إنكار البعض لانضمام خولة بنت الأزور في إحدى الحروب، ويدور التساؤل ما الدافع إلى تحطيم المرأة؟ أول شخص من السود في أميركا رفض أن يجلس في آخر الحافلة كان امرأة، وتم اعتقالها، وبدأت حركة السود في أميركا لطلب حقوقهم، فقاطع جميع السود استخدام الحافلات في أميركا لمدة سنة كاملة من أجلها، هل هو الخوف من قوة تأثير المرأة؟ الملك هنري الثامن قام بفصل انكلترا عن حكم الكنيسة في أوروبا من أجل الزواج بامرأة أخرى، هل هي الغيرة من الجاذبية التي تحملها المرأة؟ ولماذا جاذبيتها تدعى سحراً؟ هل من الممكن أن يكون حب الرؤساء والحكام يُشعر أتباعهم بالغيرة من الحب الذي يحملونه لزوجاتهم أو أتباعهم من النساء؟ لكن سلب المرأة الحقوق المشروعة لها، وقلب الأحكام والقوانين ضدها لا يزال مستمراً، هل من الممكن أن يكون هو في الأصل ضعف الرجل في داخله وعدم السيطرة على نفسه أمام المرأة؟ الخوف والشك في قدرات الشخص يولدان الكراهية، بسبب نقاط الضعف في داخل النفس، فيأخذ الرجل جميع الاحتياطات في هذه الحرب الظالمة، فيا ترى من الجنس الضعيف حقاً؟