غالباً ما يتجاوز السياسيون في الدول الثرية عثرات الفضائح، ويواصلون الحكم، على ما فعل الرئيس الأميركي الأسبق، بيل كلينتون، والرئيس الفرنسي الحالي، نيكولا ساركوزي المتهم بالضلوع في قضية"كليرستريم"، وافتتح ولايته الرئاسية بخبر طلاقه المدوي. وتُغرد اليابان خارج سرب الدول هذه. ففي طوكيو، تطيح الإشاعات والفضائح السياسيين، وتقضي على مستقبلهم السياسي. فقبل أقل من 8 أشهر، بلغ رئيس الوزراء يوكيو هاتوياما والحزب الديموقراطي سدة السلطة، والتزما إصلاح النظام الذي وَلَد أسوأ الأزمات الاقتصادية. وفي أشهر حكمه الأولى، اتهم بالتورط بفضيحة تلقي تمويل بلغت قيمته نحو 12 مليون دولار. وهبطت نسبة تأييده الى 24 في المئة، بعد أن كانت 50 في المئة حين انتخابه. ومع اقتراب موعد انتخابات المجلس الأعلى في تموز يوليو المقبل، يدور الكلام على استبدال هاتوياما، قبل أن يتسنى له التصدي للتحديات"الوجودية"التي انتخب لتذليل مشكلاتها. ولكن لماذا يتولى الحكم في ثاني أكبر اقتصاد في العالم سياسيون"باهتون"أو ضعفاء؟ وطوال عقود، نسبت مشكلة اليابان مع السياسيين الى حكم الحزب الليبرالي الديموقراطي، وربطت بانتقال المقاعد البرلمانية من الآباء الى الأبناء. ولكن انتخاب هاتوياما يظهر أن أزمة اليابان ضاربة الجذور في المجتمع الياباني. فالأمة اليابانية مصابة بهوس مرضي، وتنشغل بالخلافات والفضائح، وتهمل السياسة وعالمها الحقيقي. وفي عدد من الأحوال، أطيح رؤساء وزارة جراء اتهامات لا يعتد بها. ففي 1989، اتهم رئيس الوزراء، نوبورو تاكيشيتا، بتلقي رشاوى. وعلى رغم أن التهمة لم تستند الى بيّنات، اضطر الى الاستقالة من منصبه. وفي مطلع التسعينات، اثر انهيار الاتحاد السوفياتي وانفجار الفقاعة المالية اليابانية، انصرفت اليابان الى ملاحقة السياسي البارز، سكي كانمارو، بتهمة التهرب من الضرائب وقبول هبات غير مشروعة. فلم يسعه المضي في مشروع إرساء نظام الحزبين في اليابان."ولم يتناول سياسي ياباني واحد قضايا الحد من الانتشار النووي، ولم يزر أحدهم الدول السوفياتية السابقة شأن الأميركيين"، على ما يلاحظ الصحافي يوشيتسوغو تاناغا. ولم تتكيف طوكيو مع نظام ما بعد الحرب الباردة العالمي تكيفاً سريعاً. وأسهم الاضطراب السياسي، وضعف الحزب الحاكم، في ما يعرف ب"عقد اليابان الضائع". ومنذ انتهاء ولاية رئيس الوزراء، جونيشيرو كويزومي، المستقرة والطويلة نسبياً في 2006 الى اليوم، توالى على رئاسة الوزراء اليابانية ثلاثة رؤساء. والهوس بالفضائح يطيح الزعامات السياسية التي تحتاج إليها اليابان حاجة ماسة. فالسياسي، سواء كان رئيس وزراء أو مشرِّعاً من الحزب الحاكم، لا يخفف في إرساء نهج سياسي، وإنفاذ برنامجه. فعلى سبيل المثال، انصرف ميونو سوزوكي، وهو مشرع من الحزب الليبرالي الديموقراطي، الى تحسين العلاقات بروسيا الغنية بمصادر الطاقة. وهو أحرز تقدماً على طريق حل مشكلة جزر كوريل المتنازع عليها مع روسيا، قبل أن يُحمل على التنحي من منصبه البرلماني، في 2003، على وقع سلسلة من فضائح الرشاوى. وهو عاد الى مقاعد البرلمان، اثر ترشحه مستقلاً. ولكنه فقد وزنه السياسي السابق. وقصة سوزوكي تشبه قصة اليابان. فهي لم تخسر مكانتها بَعد، ولكن نفوذها يضمر ويتضاءل جراء إلحاقها الأذى بنفسها. وحريّ باليابان احتساب كلفة عمليات"التطهير"المالية لترى إذ كانت تستحق تقويض الحياة السياسية. * صحافي، عن"نيوزويك"الأميركية، 24/-31/5/2010، إعداد منال نحاس نشر في العدد: 17218 ت.م: 26-05-2010 ص: 24 ط: الرياض