"نختلف على أمور تافهة، لا تستحق التوقف عندها"، يقول عبدالخالق علي، "إلا أن كثرتها على تفاهتها - تحولها كرة ثلج تكبر كلما تدحرجت... حتى تستقر على رصيف الطلاق، باعتباره الحل الأخير والنهائي، بعد محاولات حل يستشرفها الزوجان، إذا كان في نيتهما التوصل إلى حل". ولكن المشكلة الكبرى تكمن في اعتقاد كل من الطرفين بأنه على حق، ما يجعل الأمر ساحة جدال مستمر، بحسب علي الذي يرى أن أسباب الطلاق تنبع من مشاكل يمكن معالجتها بهدوء. إلا أن تشنج أحدهما أو كلاهما يعقد الأمور، ويحوّل المشكلة التافهة أمراً عظيماً يتنازعان عليه، ويروح الواحد منهما يلقي اللوم على الآخر ويحمّله تبعات ما حدث، حتى أن بعضهم يدخل متاهة النسبة من المسؤولية، مثلما في حوادث المرور". وهناك من يحاول التخفيف من وقع الطلاق، إذا لم ينجب الزوجان. وفي هذه الحال، تكون المرأة هي الضحية في الدرجة الأولى. إما بوجود أطفال، وينصرف التفكير إليهم، ويُبدى الأسف على مصيرهم المجهول وعذاب التنقل بين الوالدين المنفصلين. وتعتبر حنان عبدالله أن المشاكل الزوجية تعود إلى الأطفال، وبخاصة في أمور التربية:"الرجل يترك تربيتهم على الأم، وهي في المقابل تفرغ غضبها من زوجها في أطفالها، من دون أن تلاحظ أن لا ذنب لهم في شيء. وتحنق على الزوج وتتّهمه بأنه مقصر في تربيته إلى أبنائه". وتستبعد حنان أن تؤدي المشاكل الكثيرة إلى الطلاق، وبخاصة تلك التي تكون بسبب الأطفال. ولا تذكر إحصاءات حديثة، صدرت عن وزارة العدل في السعودية، شيئاً عن أنواع قضايا الطلاق، وإنما تكتفي بذكر الأرقام التي تشير إلى ارتفاع نسبة الطلاق، في 2005 عنها في 2004. وارتفعت صكوك الطلاق إلى 24 ألف صك، ويمثّل العدد نسبة 24 في المئة من إجمالي عقود الزواج البالغة 105066 عقداً مسجلاً في المحكمة. وليس هناك نقطة محددة يبدأ عندها الشجار بين الزوجين، ويبقى المنزل المكان الوحيد لاحتواء أي مشكلة وحلّها، لكن تصدير المشكلة إلى"الخارج"أمر وارد وخطير. ويلاحظ بعضهم أن سوء فهم بين الزوجين في السوق، يقود إلى شجار ترتفع خلاله الأصوات. وعلى رغم خصوصية المشاكل بين الزوجين وحميميتها، يكون مسرح طرحها عاماً في أغلب الأحيان، وأمام الأولاد. ولا يحترز الأبوان من طرح مشاكلهم أمام أبنائهم، وإن تضمن طرحها صراخاً وشتائم وتشنجات. وتقول فاطمة الجابر أم لثلاثة أطفال:"تندلع المشاجرة بين الزوجين أمام الأطفال، في أغلب الأحيان، سواء كانوا صغاراً أم كباراً. ولا يهمّهما وجودهم أو غيابهم، المهم المشاجرة لإثبات وجهة نظر على حساب أخرى، ولو بالقوة". وتوضّح أن الزوجين يعلمان أن فعلهما خطأ، ومع ذلك يمارسانه بكل بساطة. ويَعذر بعضهم الأبوين اللذين لم يحصّلا تحصيلاً علمياً عالياً، ويعتبر أن الشجار"السوقي"بين أب وأم متعلمين أمر غريب. وتؤكد فاطمة:"لا يستغرب المرء تبادل الشتائم والكلمات النابية بين زوجين متعلّمين، حتى لو كان أمام أبنائهما"، فهي تعتقد أن اكتساب عادة التلفظ بالبذاءة لدى الأبناء سببه الرئيس الأسرة، وبخاصة الأبوين. وتوضح:"يمكن السيطرة على الأبناء في حال تلفظهم بألفاظ غير مؤدبة اكتسبوها من الشارع، ولكن كيف يمكن السيطرة عليهم إذا كان مصدر تلك الألفاظ أحد الأبوين". وفي بعض الأحيان، إذا تدخّل الطفل في المشاكل الدائرة بين والديه يلقى رداً قاسياً، مثل"هذا ليس من شأنك"، أو"لا تتدخل في خلافات الكبار"، أو يؤمر بمغادرة المكان بشكل قاسٍ وجارح، حتى لو كان سبب الخلاف بين الزوجين يتعلّق بالطفل نفسه. ويبقى للصغير رأيه الخاص في أي مشكلة، تارة يعبر عنه بانحيازه إلى أحد الطرفين،"بحسب مقدار العطف والمساندة التي يتلقاها من أحد أبويه"، يقول بدر الخالدي،"وتارة ينفجر الطفل بالبكاء، تعبيراً عن رفضه الشجار والجدال بين الأبوين، وطوراً يعبر عن رأيه بكلمات تحمل معاني عميقة لا يتلفّظ بها من هم في عمره، كسؤاله عن سبب المشكلة أو خوضه في تفاصيلها حين يظهر أنه على علم بها، خصوصاً عندما يكون سببها أحد إخوانه". لكن ما يسهى عنه الوالدان أن النزاع بينهما أمام الأطفال، يفضي إلى أمراض نفسية وجسدية، قد تستمر إلى مرحلة المراهقة أو تتجاوزها إلى ما بعد سن الرشد، ومن بينها ما يؤثّر في نموهم، وتحصيلهم العلمي.