تعتبر الأسرة المحضن الأول في تربية الطفل ففيها يكبر ويتعلم سلوكيات متعددة تطبع شخصيته وتؤثر فيها ..ففي بعض الأحيان يحدث في أكثر الأسر توافقاً وتفاهما ثم لا يلبث الأمر أن يحل وتنتهي المشكلة لكن الأمر الخطير أن يحدث التشاجر على مرأى أعين الأولاد وقد يشاركون في هذه المشاجرة وينحازون إلى طرف دون طرف وربما ينقسمون إلى جزأين ، والصراع الأسري بين الأبوين يشكل خطراً على الأسرة بكاملها وخاصة الأولاد..وقد بينت الدراسات العلاقة بين البيوت المتصدعة وبين مشكلات الأحداث المنحرفين اذ ينشأ الطفل على مشاجرات الأبوين ولا يستطيع أن يتقبل ذلك كأسلوب ملائم للحياة وينظر إلى هذه الأسرة المفككة المضطربة فلا تعدو أن تكون حياة بائسة لا قيمة فيها لان الطفل منذ نشأته يكون بحاجة إلى الاستقرار النفسي والشعور بالامان في ظل بيت يحميه ويرعاه.. وينتج عن ذلك البيت المتصارع أطفال يميلون إلى المشاجرات التي تكاد أن تكون يومية مع زملائهم سواء في الحي أو المدرسة ويتخذون الشغب نمطا في حياتهم كما ينتج أيضاً فقدان ثقة الأبناء واحترامهم لآبائهم المتشاجرين ويكون ذلك سبباً في فشلهم على مواجهة الحياة..ان خطر المشاجرات بين الزوجين بحضور الأبناء يستمر معهم بعد الطفولة إلى المراهقة وهي أصعب مرحلة يمر بها الانسان وهي تحدد مستقبله المشرق أو القاتم فاما أن تجعله انسانا نافعا لأمته أو تجعله انساناً خاملاً وربما جعلته متمرداً ووبالاً على الأمة. خجل وانطواء التقت (الندوة) بعدد من الأطفال الذين فتحوا قلوبهم للتعبير عما يعتلج في نفوسهم تجاه بعض مشاكل أبويهم التي بعضها انتهت بالصلح والبعض الآخر بالانفصال. ففي البداية يقول الطفل (ي .م) يدرس في الصف الثالث الابتدائي انفصل والدي عن والدتي منذ سنة تقريباً وأنا الان اعيش مع والدتي عند جدي لأمي ..حيث كانت حياتهم مليئة بالمشاكل فوالدتي عندما يعود أبي من عمله تجدها كثيرة الخصام والشتم والتنكيد عليه ببعض الطلبات والخروج إلى الأسواق لشراء احتياجاتها وقد كان والدي يلبي في بعض الأحيان رغباتها دون خصام أو شجار وبعد فترة أصبح والدي لا يطيق تلك المعاناة معها فقرر الانفصال عنها بالطلاق ..وسألناه إذا كان والده يقوم بزيارتهم بعد الانفصال قال: لا ولا حتى يسأل عنا وعندما نتصل عليه يقول أنا مشغول الآن..وقد لاحظنا عليه الانطوائية والخجل أثناء حديثه عن والده ..وتمنى لو لم يحدث الطلاق حيث إن والدته الآن هي التي تقوم بتربيتهم ومتابعة تحصيلهم الدراسي. أما الطفل (ع. ف) فيقول: أنا الآن أعيش مع والدي حيث إن والدتي قد انفصلت عنه فقد كان والدي يعود في ساعات متأخرة من الليل ، ونحن نائمون ونصحو من الأصوات والمشاجرات العالية المرتفعة التي تحدث بين أبي وأمي ويصل ذلك الشجار أحياناً إلى ضربها وفي أحد الأيام ضربها ضرباً مبرحاً واتصلت على أحد أخوانها فحضر إلى منزلنا وأخذ والدتي وذهب بها إلى المستشفى وأنا وأخواتي مازلنا مع والدنا في المنزل وانتهت المشكلة بانفصال والدي عن والدتي والزواج بأخرى ونحن الآن نعيش مع عمتي التي لن أنسى معاملتها الطيبة والتي عوضتني عن حنان والدتي سامحها الله. شجار وصراع من جانبه تحدث استشاري الطب النفسي عضو اللجنة الطبية بمستشفى الحرس الوطني بجدة الدكتور رجب عبدالحكيم بريسالي قائلاً: مما لا شك فيه أن المشاجرات بين الزوجين أمر طبيعي وموجود في كافة الأسر تقريباً ..إلا أن حدوث تلك الصراعات أمام الأبناء أمر خطير وله دلالات نفسية سلبية على سلوك ونفوس الأولاد والبنات (خاصة الأولاد منهم) فقد أشارت الدراسات النفسية والاجتماعية الحديثة أن فقدان الاستقرار الأسري نتيجة الصراعات يجعل هذا الطفل أكثر عرضة لما يسمى طبياً (اضطراب الشخصية المعادي للمجتمع) أو الشخصية السيكوباتية ..لذلك نجد أن الأطفال المنحدرين من تلك الأسر يميلون إلى العنف والمشاجرات مع الآخرين ويتخذون من الشغب وتخريب الممتلكات نمطاً لهم في حياتهم ويؤدي ذلك إلى فشلهم في بناء أسر مستقرة في المستقبل كما أوضحت الدراسات أن هؤلاء الأطفال يكونون أكثر ميلاً لتعاطي المخدرات والمواد المحظورة والانحراف السلوكي والأخلاقي هرباً من الواقع المؤلم داخل البيت. وأضاف الدكتور بريسالي ومن واقع خبرتي في العيادات النفسية فقد وجدت نسبة عالية من الأطفال في سن الدراسة مصابين بالاكتئاب النفسي وعدم الثقة بالنفس نتيجة معاناتهم من الارهاق الاجتماعي المزمن جراء مشاهدتهم المباشرة للعنف داخل أسرهم..