"الجمال نسبي وما يستحسنه فرد قد يستقبحه آخر" ... قاعدة عامة، تُترجم يومياً وفي مختلف أنحاء العالم. وتختلف معايير الجمال بين إنسان وآخر كما تختلف بين شعب وآخر. وفي حين يمكن حصر الخطوط المهمة للرؤية الجمالية لدى الشعوب، تتحوّل بعض المعايير تقليداً شعبياً متعارفاً عليه بين أفراد هذا الشعب أو ذاك. الكلام عن معايير الجمال يُقصد به في شكل خاص المرأة، التي تجد نفسها تحت أنظار المحيطين بها، خاضعة لمقاييس وضعها المجتمع التي وُلدت في كنفه. فمن المعروف عن العرب أنهم يميلون إلى الملامح الأصيلة: عيون واسعة مكحّلة، عنق طويل، جسم ممتلئ وشعر أسود طويل وبشرة بيضاء صافية. الطول الفارع، من أهم صفات المرأة الجميلة في الغرب، مع الجسم النحيف الرياضي والكتفين العريضين والشفتين الغليظتين الممتلئتين. مقاييس مختلفة إلى حد التناقض تخضع لها المرأة اليابانية. فاليابانيون يفضلون المرأة الناعمة الرقيقة الشكل البيضاء الصافية البشرة والعنق. وعلى اليابانية أن تتمتع بصوت هادئ ويستحسن أن تكون قدماها صغيرتين ومشيتها متقاربة الخطى، وبخلاف الغربيين، يعتبرون طول القامة للمرأة عيباً لا ميزة. رائحة المرأة، من أهم الميزات عند شعوب الإسكيمو والهنود الحمر، لذلك تحرص النساء هناك على وضع الزيوت العطرية والأوراق في الشعر مع مضغ بعض النباتات التي تطيب رائحة الفم. وهي نفسها التي كانت سائدة أيام الفراعنة القدماء الذين اهتموا أيضاً بعيني المرأة لا سيما الكحيلة منها. الأعراف والتقاليد مقاييس الجمال التي تفرضها الأعراف والتقاليد تتطلب في بعض الأحيان أموراً مختلفة وغريبة. فالرأس الحليق، يزيد من جمال المرأة في القبائل الافريقية، ويرتفع مهرها كلما ازداد سواد بشرتها لأنه يعتبر دليلاً على"صفاء عرقها". حتى الجروح يجدها بعضهم عنصراً للجمال، فمثلاً يقومون في جنوب السودان وفي بعض الدول الأفريقية باستحداث الشقوق على وجه المرأة وبطنها ويديها منذ الولادة، وتهتم بعض القبائل جداً بهذه الشقوق، إذ تعتبر المرأة غير"المخمشة"غير صالحة للزواج. أمّا أكثر مقاييس الجمال غرابة فتعتمده قبائل منغوليا والتيبت، إذ توضع حلقات معدنية على عنق الفتاة، لأنّها تفضّل العنق الطويل جداً للمرأة. وضع الأطواق النحاسية على العنق وهو تقليد نموذجي لقبيلة البادونج، وقومية"كاياه"في"ميانمار"بورما سابقاً، جاء نتيجة مزيج عادات مختلفة وتقاليد غريبة من المجموعات المغولية والبورميين الأصليين الذين جاؤوا من التيبت. وتضع المرأة حول عنقها طوقاً لولبياً على شكل حلقات معدن قد يصل ارتفاعه أحياناً إلى ثلاثين أو أربعين سنتيمتراً. يحدّد"عرّاف"القرية الوقت الأنسب لوضع أول طوق، وغالباً ما يوضع أول طوق حول عنق البنت ما أن تبلغ الخامسة من عمرها. يقوم العرّاف بتشكيل حلقات من النحاس يبلغ ارتفاعها ثمانية أو تسعة سنتيمترات، يلفها حول عنقها، وهكذا يتعطل رأس البنت عن الحركة وعضلات عنقها أيضاً. الحلقات النحاس تقوم بحمل ثقل رأس الصغيرة بدلاً من فقرات العنق وعضلاته. تطويل العنق توصف عملية وضع الطوق الأول بأنها غير معقدة. بعد تدليك عنق الفتاة ساعات بمرهم خاص، يطوّق الشخص الذي يجيد هذا العمل عنقها بالأطواق النحاس، وقد يبلغ قطر مقطع السلك النحاسي 1.5 سنتيمتر. بعد المراسم، تحتفل عائلة البنت مع أهالي القرية، ويجب على البنت لبس هذه الأطواق النحاسية خلال أشهر لتنتظر تغيرات عنقها. وبعد تعود العنق على هذه الأطواق النحاس، تبدل بأطواق أضيق. وتستطيع امرأة لبس 25 طوق نحاسي يراوح إجمالي وزنها بين 5 و10 كيلوغرامات. وتساهم هذه الأطواق النحاس في تطويل العنق. وتتكرر هذه العملية مرات عدة حتى بعد سنّ البلوغ. وتُضاف حلقة جديدة إلى الطوق كل فترة حتى تصل إلى الذقن. وتزداد قيمة الفتاة وتبجيلها كلما ازداد عدد الحلقات في عنقها، ولذلك تتبارى الفتيات في زيادة حلقات الطوق. وعندما يبلغ الطوق أقصى عدد ممكن من الحلقات، تضيف الفتاة إليه سلاسل وعقوداً أخرى تحيط به وتتدلى عن صدرها لزيادة التباهي وإثارة الإعجاب. المجتمع الأمومي الذي يحكم أبناء"ميانمار"ينفي رأي البعض بأن هذه الزينة ناتجة عن تسلّط الرجال. وتتمحور أساطير عدة حول هذه الظاهرة. وفي حين يرى بعضهم ان هذه الزينة تهدف الى اظهار الفتاة مثل تنين العنق الطويل الذي يعتبره أبناء القبيلة من أهم المخلوقات، يتبع بعضهم الآخر الأسطورة القائلة إن هذه الزينة الغريبة تهدف الى إخافة النمور الجائعة في الغابات وحماية حناجر النساء. ويرتكزون على أسطورة، تكاد تكون الوحيدة التي يتفق عليها جميع افراد قبيلة"البادونج"، وتقول:"ان واحدة من جميلات القبيلة خرجت لجلب المياه من البئر، وفي طريق عودتها هاجمها نمر متوحش، وسحبها من منطقة الحنجرة إلى بيته وافترسها. فقررت نساء القبيلة ان يحمين حناجرهن من طريق لف الأطواق حول منطقة العنق كاملة، ظناً منهن ان النمر يهاجم النساء ويسحبهن من منطقة الحنجرة". مع مرور الزمن سقطت أسطورة الخوف من النمر، وتحولت عنصراً جمالياً. إذ يساهم الطوق في زيادة طول الرقبة وهو امر يلاقي استحسان جميع رجال هذه القبيلة الذين نادراً ما يتزوجون من نساء لا يرتدين الطوق، لأن المرأة ذات الرقبة القصيرة تصنّف قبيحة. الوصول إلى الجمال المتعارف عليه في"ميانمار"، أمر محفوف بالعذاب لا سيما إذا فكرت الفتاة في إزالته. وفي بلد يجمع مناخه بين الرطوبة والحرارة ما يجعل الأطواق كالجمر، تضطر النساء للذهاب الى الانهار لتبريد الاطواق النحاس. ويتسبب الطوق بالعديد من الأمراض الجلدية جراء احتكاك الجلد بالنحاس، فتقوم النساء برشّ"دقيق الأرز"بين الرقبة وحلقات الطوق أو استعمال بعض العقاقير والأعشاب التي يصفها لهن عرّاف القرية. ويتوجب على الفتيات السير بحذر، لأن أي حركة مفاجئة تؤدي إلى احتكاك الطوق بالرقبة بشكل مؤلم. وبسبب الزاوية المستقيمة التي يتخذها وضع العنق، يصبح من المستحيل تحريك رأس الفتاة الى الأسفل أو النظر الى قدميها. ومن المستحيل ان تستطيع امرأة"ميانمار"رؤية وجه رضيعها أثناء الرضاعة. أما إذا رغبت في شرب الماء فيتوجب عليها الاستعانة بمصاصة طويلة. وفي المساء تضطر صاحبة الطوق إلى استعمال وسادة مرتفعة. أشد ما يؤلم الأم في"ميانمار"حرمان ابنتها من فرصة لبس الطوق، فالفتاة التي يحكم عليها"العرّاف"بعدم لبس الطوق تقل حظوظها للفوز بزوج المستقبل. وتبقى للأطواق دلائل مهمة في تقاليد هؤلاء القوم. فالأعراف تقضي بأنه إذا خانت المرأة زوجها، تُعاقب بنزع حلقات الطوق الذي يحيط بعنقها. ويعني ذلك الموت المحتم، لأن الرأس يستند إلى تلك الحلقات، وإذا نُزعت فلن يحتمل العنق ثقل رأس المرأة ما قد يؤدي إلى انكسار فقرات الرقبة وبالتالي الوفاة.