لمدينة نجران عمق موغل في التاريخ والحضارة.. والوقوف على الموروث الشعبي يعطينا دلالة على ثراء هذه المنطقة بتراثها الشعبي وبعاداتها وتقاليدها التي تأخذ قوة القانون. فمن هذه العادات مثلاً اذا تزوج احد رجال القبائل القوية امرأة من قبيلة ما فأنجبت له ولداً، وحدث بين قبيلة هذا الرجل وأخوال ولده قتال، فإن الولد في هذه الحالة يقف بجانب اخواله ضد القبيلة التي ينتمي اليها، لأنه يعتبر ان قبيلته لم تحسب له وزناً عندما قاتلت اخواله، علماً انه لا يقف بجوار اخواله اذا قاتلتهم قبائل غريبة، لأنه يعتبر ذلك شيئاً طبيعياً بين القبائل. قانون الأسواق يوجد في منطقة نجران العديد من الأسواق التجارية الشعبية التي تقام على مدار أيام الأسبوع ولعل من اهم هذه الأسواق سوق الخميس بالقابل بحماية آل الهندي، وسوق الاثنين في بلاد بني سلمان بحماية بن سلمان، وسوق الأحد بحماية قبيلة الصقور. ولهذه الأسواق قوانين تحميها وتحترمها القبائل فالسوق يشكل ظاهرة اقتصادية اسبوعية يقام لأجل تبادل السلع الزراعية والحرفية وحل النزاعات وجباية الرسوم وتبليغ الاعلانات العامة، وكان يجري فيه القتل والنهب والسلب والتخريب، فاجتمعت القبائل ووضعت للسوق قانوناً قبلياً يقضي بأن تعاقب القبيلة التي باسمها السوق أي شخص يقوم بالإجرام بعقوبة القتل والإبادة لكل اسرته، لأن القبيلة التي باسمها السوق لابد ان تكون من اكبر القبائل وأكثرهم شجاعة وعنوة، وهي تدعو الى السوق وتؤمن الناس في غدوهم ورواحهم طوال اليوم المنعقد فيه وأكثر من ذلك فهي تجعله يوماً للسلام لا يحدث فيه قتل او حرب وتتعهد بحماية النازح اليه وقت خروجه من داره. وفي هذا السوق تباع الكثير من المنتوجات الزراعية من بن وذرة وأرز وحبوب وسمن وعسل وبر. وتشتهر نجران بأسلحتها وخاصة الخنجر والذي يسمونه (الجنبية) وله عدة انواع منها الطويل الذي يشبه السيف القصير ويسمى (سبيكي)، وبعضها قصير جداً ويسمى (عابدي) وبعضها متوسط ويسمى (محلية) ورجال نجران يعتزون بجنبياتهم فبعضها يصل سعره الى اكثر من 1500 ريال وهي تصنع من الصلب الخالص وتتكون من نصل ذي حدين قاطعين ويد وغمد من الفضة المزخرفة. وتحيتهم اللفظية تتمثل بأن يقول احدهم: «كيف انت» فيرد عليه الثاني «سلمت» فيبادره الأول بكلمة «طيب» فيرد عليه الثاني «طاب فيك» وتهتم المرأة النجرانية بنفسها ايما اهتمام فتضع على رأسها (الخرقة والقطابة) وتلبس ثوباً اسود اللون من قماش الخام او الساتان الأسود، ولا يطرز بالخيوط الا من فوق صدره وبلون واحد هو اللون الأحمر، وتهتم المرأة النجرانية كغيرها من النساء بالزينة والحلي وتشتهر نجران بحليها وخاصة بدقة صناعتها ومتانتها وجمال التصميم والنقوش وهي تصنع من الذهب والفضة. وهي في معظمها مزخرفة بنقاط عديدة حيث تعتبر النقطة هي اساس الزخرفة في هذه الحلي فيشكل منها الصائغ خطوطاً ودوائر وأشكالاً مجردة على نسق زهور ومياه وأشجار تتسم بالمهارة الفائقة والدقة والذوق الرفيع. وأهم هذه الحلي التي تتزين سطوحها بفصوص من الأحجار الكريمة مثل (الفيروز والكهرمان) وخاصة المرادع (الخاتم) والحلقة (وهي عبارة عن عدة خواتم كبيرة) واللبان والحروز وهذه الحلي كانت تصنع قديماً في نجران بواسطة بعض الحرفيين اليهود المقيمين في نجران، وبعد ان اختفى اليهود تماماً من نجران تعلم هذه الحرفة الماهرة بعض الحرفيين المسلمين من ابناء نجران كذلك فإن الحلي التي تهتم بها المرأة فهناك: الخروص او (الحجول) والمطال وهو عبارة عن طوق من الفضة يستدير في ليونة حول الرسغ والبناجر والشميليات والحروز واللازم والمرتعشة وهي لا تصنع الا من الذهب واللبسة وهي من الفضة تلبس في الرقبة والصمط: وهو فرع من الكهرمان لونه احمر، الملتفت: شكله يشبه الشميليات لكنه لا يصنع الا من الذهب عيار 18 ويلبس ايضاً باليد. نكتفي بهذه العجالة بما اوردناه وسنتحدث في موضوع لاحق عن عاداتهم في الزواج والمناسبات والأعياد.