1 - في سني الدراسة الجامعية تتوسع لدى الطالب «وبالذات المبتعث» دائرة الاحتكاك والاختلاط الاجتماعي.. فمن خلالها تعرَّفت على زملاء من بيئات مختلفة واكتشفت فيهم ميزات لم أعرفها في نفسي.. ومنها أن بعضهم تهزه النغمة الحالمة عند سماعها لأول مرة وتستوقفه اللوحة الجميلة من أول لمحة وهو ما كنت أفتقده.. بعدها بدأت أفطن إلى أن الاستمتاع بالجمال مَلَكة تقل وتزيد وتتفاوت في الأفراد.. وسعيد الحظ من منحه الله القدرة على الاستمتاع بالجمال والحياة. 2 - هناك من يلحظ الجمال في اللوحة المرسومة من أول نظرة ويطرب للنغمة من أول سماع وينفعل مع القصيدة من أول قراءة.. وهناك من تدله إلى مواطن الجمال في الإبداع فيستمتع ويطرب.. وهناك من لا يرى الجمال ولا يتذوَّقه حتى لو قدته من يده ووجهت إليه بصره.. فالخلل ليس في أذنه ولا في عينه، بل في أن إحساسه بالجمال أقل أو مختلف. 3 - هناك من يطرب للموسيقى الهادئة.. وهناك من يطرب للصخب.. وهناك من لا يطرب.. وهناك من تتأثر أحاسيسه طرباً فتُحَلِّق.. وهناك من تتجاوب روحه طرباً فتهتز.. وهناك من ينتشي قلبه طرباً فيخفق.. وهناك مسكين لا يطرب. 4 - هناك من لا يرى في اللوحة إلا تداخل الخطوط وبهرجة الألوان.. وهناك قلة ترى عمق اللوحة كعمق المرآة لا نهاية له.. وهناك كثرة لا ترى سوى سطح اللوحة وإطارها والستارة المعلّقة بجوارها.. وهناك أناس تركض بهم الدنيا بعجلتها لكنهم يستمتعون بالجمال كل حسب استيعابه ومقدار وقته وجهده ورغبته. 5 - شاهدنا وقرأنا في وسائل الإعلام كيف أن بعض قبائل الصين يضعون أقدام بناتهم منذ الولادة في أحذية صغيرة حتى تتشوَّه القدم وتُصاب بالإعاقة كل ذلك طمعاً في بلوغ مواصفات الجمال في نظرهم وهي القدم الصغيرة!.. كما شاهدنا الكمبوديين وهم يطيلون أعناق نسائهم بالحلقات النحاسية حتى تتشوَّه الرقاب بحثاً عن جمال العنق الطويلة.. وشاهدنا بعض قبائل الأمازون يشقون شفاههم وآذانهم ويضعون فيها حلقات واسعة ويرون في ذلك جمالاً.. وتنتشر في الغرب ظاهرة الأقراط في الآذان والشفاه واللسان وأماكن أخرى.. أما الوشم فتلك قصة أخرى.. فمثلي يسأل: ما الذي دفع هؤلاء الناس أن يروا في القبح جمالاً؟!.. أم تراهم على حق وأنا الذي غفلت عن رؤية الجمال؟