كان المشهد أليماً جداً: وقفت جيزيل خوري امام صورة الشهيد سمير قصير وبعدما أضاءت شمعة راحت تقبل الصورة وكأنها تقبل وجه زوجها حياً. وفي مشهد آخر أشد ايلاماً مرّرت يدها على وجهه وكأنها تداعبه قائلة له: لماذا رحلت في غيابي عنك؟ بل كأنها تقول له ايضاً: لا تمت يا سمير! لكن اليد ارتدت الى الوراء وسمير لم ينبس بكلمة ولا تحركت عيناه ولا ابتسم ابتسامته الخاصة. حتماً شاهدت الاعلامية جيزيل خوري الصورة الاخيرة لهذا الصحافي الكبير والمثقف الكبير: بدا رأسه متكئاً على يده اليمنى - على الأرجح - اليد التي طالما كتب بها أجمل المقالات وأجرأها وأعنفها ناهيك بالأبحاث والدراسات المهمة، بالفرنسية والعربية. بدا الرأس واليد وحدهما اللذان سلما فلم ينل منهما الانفجار ولا البارود. وبدا وجه سمير المتكئ على اليد، كأنه مستسلم لحلم ما، لا احد يعرف ما هو. كأن اليد القاتلة لم تستطع ان تمحو عن وجهه ملامح الطفولة التي طالما سكنت وجهه، ولا مسحة الهناءة التي كان يخفيها في قلبه. صورته الأخيرة كانت أليمة جداً ومأسوية جداً لكنها لم تستطع إلا أن تبوح بسر ما، سرّ يخفيه سمير في قلبه، في روحه! ربما هي لحظة الموت، الموت الرهيب، انعكست على وجهه، ألفة وصمتاً وحنيناً... بدت جيزيل خوري امام الكاميرات التي نقلت صورتها واقفة امام صورة سمير أشبه بالزوجة الحزينة والأم الحزينة والطفلة الحزينة، وبدت الشمعة بين يديها اشبه بالصرخة الجارحة ترسلها في الظلام الذي يرقد فيه، هذا الكاتب الذي كثيراً ما أضاء قلمه ظلمات المتاهة السياسية في لبنان. انها لحظة الألم الشديد تحياها الاعلامية جيزيل خوري امام كاميرات الآخرين ووراءها في الحين عينه. الآن لا كلمة تفي بما حدث ولا كلام يستطيع ان يصف هذه المأساة، وحده الصمت الدامع يعبّر عمّا يعتمل في قلبها من كآبة ويأس. وحدها الدموع قادرة على تأجيل الحسرات التي تنحسر في الداخل. وضعت جيزيل خوري نظارتين سوداوين على عينيها لتخفيهما وتخفي أساها الذي لا تحب ان تظهره للآخرين الذين اعتادوا ان يتابعوها منذ اطلالتها الاولى على محطة"ال بي سي"ثم في اطلالتها الاخيرة على فضائية"العربية"، اعلامية تجري الحوارات مع شخصيات بارزة في السياسة والثقافة وسواهما. وهي التي حازت تنويهاً عالمياً لعملها التلفزيوني اعتادت دوماً ان تثير حالاً من السجال حولها، بين مشاهدين يحبونها كثيراً ومشاهدين يحبونها اقل، تبعاً لأسلوبها في الحوار وطريقتها في النقاش. ولعل هذا ما يميز حضورها الاعلامي والتلفزيوني. وكانت في الفترة الاخيرة استفادت كثيراً من ثقافة زوجها، هذا الصحافي الكبير، الذي يندر ان يوجد مثله، ليس لأنه مثقف كبير فحسب، او مناضل جمع بين الكلمة والفعل، وليس لأنه صاحب مشروع فكري وسياسي فقط بل لأنه ايضاً انسان كبير، فيه من نقاء الطفولة ما فيه من حدة الالتزام وصلابة النضال. جيزيل خوري، عزاؤنا الوحيد ان صورة سمير ستظل مطبوعة في ذاكرتنا: شخص مثله يصعب أن يغيب.