"لطالما كان الضحك بديلي للبكاء"، هذا ما قاله تينسي ويليامز ذات يوم كئيب، وهو ينطبق على غسان تويني لدى ظهوره في الحلقة الأخيرة من برنامج"بالعربي"الذي تقدمه جيزيل خوري على شاشة"العربية"، والذي يتصف ب"الجرأة، والمباشرة، والتميز..."بحسب صنّاع البرنامج. حكمة"الشيخ الجليل"بدت بوضوح في قسمات غسان تويني، الأب المفجوع بابنه جبران قبل أيام قلائل. صورة حيادية، متماسكة. لا انفعال ولا توتر، هدوء في القول، على رغم أن الحدث طازج، إذ لم تغب صورة جبران، بعد، عن البال، والتي كانت تغفو بحنان، هناك، بالقرب من قلب الأب المتعب، والمكلوم. فالأب الذي خاض معارك كثيرة، ودافع، منذ نصف قرن، عن نور"النهار"في أحلك الظروف، اختزن من الوقار ما يجنبه الوقوع في شرك"العاطفة الجياشة"التي قد تقوده إلى موقع لا يليق بصحافي عتيد، خبر الحياة ومزاج الحبر عقوداً، وتعلم ألا يدخل معارك لا يقوى على خوضها. هكذا قال تويني، من دون أن يتهم أحداً، بل أبدى إعجابه بذكاء أولئك"القتلة"الذين دبروا لجريمة بشعة بكل هذا القدر من الدقة والنجاح، واستطاعوا أن يحققوا نهاية متقنة! وهو لم يدعُ إلى انتقام أو ثأر، كما قال في تصريحات سابقة، وحين ذكّرته خوري بذلك قال إنه لم يستعد لهذا القول، بل كان تصريحاً عفوياً، هنا خانه الحديث فلاذ بفنجان القهوة ليرشف رشفة تروي يباس الكلام، وسطوة الفاجعة. الصورة المقربة له كشفت، بمقدار، عن الجرح الغائر في حنايا القلب، وعن مرارة الفقدان. وجه غارق في الحزن الشفيف. ملامح لا تقوى على إزالة بصمات الزمن، ووقار يصدر القرار لأسرة النهار"جبران لم يمت، والنهار مستمرة". هو يعلم أنه لا يملك عزاء سوى"النهار"وسط هذا الظلام الذي خطف ابنه جبران الذي قدم للأب في لقائه الأخير معه"شوكولا"يحبها، ليقنعه، ربما، بالسماح له بالعودة إلى بيروت التي أحبها حتى الموت. ليس ثمة ما هو أقسى مما تعرض له غسان تويني، لكن ليس لنا الحق في أن نختبر محنة الرجل من خلال صورته على فضائية لمدة ساعة. وفي حادثة، مؤلمة، كالتي أودت بحياة جبران تويني الصحافي، والنائب، تغدو مفردة الحزن ناقصة، ويصبح لون الدمع باهتاً. ثمة شيء أعمق بكثير، ولا يمكن قراءته في ملامح الوجه، فهو يستقر في أروقة النفس، ولا يمكن احداً معرفته، أو الإحساس به إلا الأب غسان تويني الذي نجح في إخفائه على رغم"حزنه النبيل". جيزيل خوري، التي فقدت، بدورها، قبل أشهر زوجها سمير قصير في حادثة مماثلة، لم تشأ استفزاز الضيف، ولم تسعَ إلى إثارة الجدل كدأبها في هذا البرنامج. بل راحت تصغي إلى خبرة الضيف، وتنظر بعطف إلى عيون الأب الحزينة، وبدت وكأنها أعدت هذه الحلقة لتواسي الضيف، لكنها فوجئت، ربما، بأن صاحب"النهار"، الرجل الثمانيني، أقوى مما كانت تعتقد، وأكثر إيماناً بأن الصباحات المشرقة لا بد ستشرق على لبنان هذا البلد الصغير الذي لا يعشق سوى الحرية، والسلام. بعضهم يشكك في هذا العشق ويغتال عزّلاً إلا من قلم يرسم شكل"النهار"الجميل، المشتهى.