لم تكن نجية طاي طاي كاتبة الدولة المكلفة بمحاربة الأمية تتحدث باعتبارها مسؤولة حكومية وهي تعلق على إصلاحات الملك محمد السادس لمدونة الأحوال الشخصية، بل كانت تتحدث باعتبارها امرأة فقط: "أشعر بفرح خاص يصعب عليّ وصفه. فأنا كامرأة كنت ضحية القانون القديم للمدونة. وأدرك ما معنى أن تصبح الأسرة تحت رعاية الزوجين وأن تصبح الولاية من حق المرأة تختار اللجوء إليها أو لا تختار مثلما يصنع الرجل. فكثيراً ما كانت المرأة تبث في قضايا عامة كبرلمانية أو كوزيرة، ولا تستطيع أن تبث في أبسط أمورها. هذا ما يجعلني أصف الإصلاحات التي جاء بها جلالة الملك بالثورية". هذه الإصلاحات "الثورية" التي بدأت بتغيير الإسم من "مدونة الأحوال الشخصية" إلى "مدونة الأسرة" لم يتم التوافق حولها بسهولة، بل عرفت نقاشات ساخنة داخل اللجنة الملكية الاستشارية لإصلاح المدونة. نقاش طاول كل شيء - كل النقاط تقريباً - بدءاً بالديباجة التي أصرّ فقهاء اللجنة على الاحتفاظ بصيغتها القديمة التي تعتبر الزواج "ميثاق ترابط وتماسك بين رجل وامرأة على وجه البقاء غايته الإحصان والعفاف مع تكثير سواد الأمة بإنشاء أسرة تحت رعاية الزوج". وحينما فشلت نساءُ اللجنة الملكية وحداثيوها في استبدال عبارة "تحت رعاية الزوج" ب"رعاية الزوجين"، رفعوا إلى الملك صيغة عامة تم التوافق حولها مع الفقهاء تتحدث عن إنشاء أسرة مستقرة، من دون الإشارة إلى الرعاية. لكن الملك فاجأ الجميع في خطاب 10 تشرين الاول أكتوبر أمام البرلمان وهو يحسم هذا الخلاف متحدثاً عن ضرورة "تبني صياغة حديثة بدل المفاهيم التي تمس بكرامة وإنسانية المرأة وجعل مسؤولية الأسرة تحت رعاية الزوجين وذلك باعتبار النساء شقائق الرجال في الأحكام". نقاط خلافية أخرى جعلت العمل داخل اللجنة صعباً. وتنقل زهور الحر رئيسة محكمة "الفدا" الابتدائية في الدار البيضاء وعضو اللجنة، أجواء العمل داخلها قائلة: "كانت مطالب الحركة النسائية ترمي إلى معالجة الخلل الموجود في العلاقات الأسرية وإلى رفع الحيف والظلم عن فئة مهمة من النساء اللواتي يعانين من واقع مرير. وكان الفقهاء من جهتهم يدافعون عن الشريعة في هذا المضمار باعتبار قانون مدونة الأحوال الشخصية آخر القلاع المحصنة التي بقيت تحت سلطة الفقه. وكانوا يخشون من أي غزو أو اختراق". لكن الدكتورة رحمة بورقية العضو هي الأخرى في اللجنة الاستشارية الملكية لإصلاح المدونة، لا تميل إلى اعتبار المشروع انتصاراً لجهة على حساب أخرى. بل إن قيمة المشروع الجديد بحسب بورقية، تكمن في "جمعه بين ثلاثة أشياء أساسية: أخذه في الاعتبار تطور المجتمع المغربي وتطور الأسرة المغربية في المقام الأول، ثم مسايرته للقيم والمقاصد الشرعية الإسلامية. أما المسألة الثالثة، فتتجلى في كونه مشروعاً يشرفنا حضارياً أمام بقية الأمم، ويبدد الفكرة القائلة إن الإسلام لا يتلاءم مع الحداثة". ولأن التلاؤم مع الحداثة يبدأ من اللغة، فإن المدونة الجديدة قطعت مع اللغة القديمة لتستبدلها بصياغات رشيقة ولغة حديثة. كما تم "تنظيف" المدونة من كل الكلمات الماسة بكرامة المرأة كالطاعة والنكاح وغيرها من العبارات المجافية لروح العصر. بل حتى عبارة "بيت الطاعة" لم يظهر لها أثر في المدونة الجديدة. مكاسب أخرى حملتها هذه الثورة الهادئة تولت تقديمها مستشارة الملك زليخة نصري في لقاء جمعها بنخبة من الفعاليات النسائية في فندق هيلتون في الرباط. وشرحت المستشارة الملكية للحضور مكامن قوة المدونة الجديدة، ومن بينها "تقييد التعدد الذي لم يعد ممكناً إلا بإذن من القاضي وبعد أن يتأكد من إمكان الزوج توفير العدل على قدم المساواة مع الزوجة الأولى وأبنائها في جميع نواحي الحياة، وإذا ثبت لديه المبرر الاستثنائي للتعدد. وللمرأة أن تشترط في العقد على زوجها عدم التزوج عليها باعتبار ذلك حقاً لها. وإذا لم يكن هناك شرط، وجب استدعاء المرأة الأولى لأخذ موافقتها وإخبار ورضى المرأة الثانية بأن الزوج متزوج بغيرها". واهتزت القاعة بالتصفيق حينما استرسلت زليخة نصري قائلة: "يسعدني أن أخبركم بهذا الصدد بأنه بات من حق الزوجة الأولى إذا رفضت أن يعدّد عليها زوجها أن تطلب التطليق وتحصل عليه فوراً". وتواصَلَ التصفيق بحرارة أكبر حينما أضافت مستشارة الملك: "ومرة أخرى سأكون معكم أكثر وضوحاً، فالتطليق باليمين لن يصبح له وجود في المغرب بعد اليوم، إنه عهد ولّى". وبالفعل فالمدونة الجديدة جعلت الطلاق حلاً لرباط الزوجية يمارس من قبل الزوج والزوجة كلٌّ بحسب شروطه الشرعية وبمراقبة القضاء وذلك بتقييد الممارسة التعسفية للرجل في الطلاق وبتعزيز آليات التوفيق والوساطة بتدخل الأسرة والقاضي. كما تم إقرار مسطرة جديدة للطلاق تستوجب الإذن المسبق من المحكمة وعدم تسجيله إلا بعد دفع المبالغ المستحقة للزوجة والأطفال على الزوج. وإذا لم يُؤدِّ الزوج المطلِّق ما بذمته من مستحقات النفقة يُعتبر قرار الطلاق لاغياً. المدونة الجديدة رفعت سن الزواج إلى 18 سنة وساوت بين الجنسين في ذلك. والإسلاميون الذين كانوا يعتبرون الرفع من سن الزواج دعوة إلى الفاحشة وتشجيعاً للعلاقات الجنسية خارج مؤسسة الزواج وتوسيعاً لدائرة الحرام، لم يعلقوا بشيء. بل بعضُهم فضّل الهروب إلى الأمام، كما هو الحال بالنسبة لندية ياسين المسؤولة في جماعة العدل والإحسان وبنت الشيخ عبد السلام ياسين الزعيم الروحي للجماعة. ندية صرّحت بأن "الإجتهاد الحقيقي يمكنه أن يمضي أبعد من هذه الخيارات، ذاك أنه تم التوصل إلى هذا الذي وصفته بعض النساء بالثورة فقط من خلال قراءة جديدة للمذهب المالكي، مع العلم أن الإسلام عموماً يتيح مجالاً واسعاً لإنصاف المرأة، فالذي يظلمها منذ مدة طويلة هي الإرادة السياسية الحاكمة وليس الإسلام".