بدأت في باريس امس محاكمة الجزائريين بوعلام بن سعيد واسماعيل آيت بلقاسم بتهمة الضلوع في ثلاثة من اصل تسعة اعتداءات بالمتفجرات وقعت في فرنسا في الفترة بين 11 تموز يوليو و17 تشرين الاول اكتوبر 1995. وسيطرت على المحكمة الجنائية، حيث مثل المتهمان، اجواء من الهدوء الممزوج بالتأثر، كونها المرة الاولى التي يواجه فيها الرجلان الناجين من ضحايا التفجيرات الذين اكتظت بهم القاعة. وجلس بن سعيد مرتدياً قميصاً قطنياً ابيض في قفص الاتهام، بعيداً عن بلقاسم الذي ارتدى قميصاً مقلّماً، وألقيا نظرات حائرة احياناً ولامبالية احياناً اخرى على من حولهم. وبعد سبع سنوات من التحقيقات توزعت حصيلتها على حوالى 80 مجلداً احضرت الى قاعة المحكمة، يواجه بن سعيد تهمة اعداد الاعتداء الذي استهدف محطة القطار السريع عند محطة "سان ميشال" وسط باريس والذي ادى الى سقوط 8 قتلى وحوالى مئتي جريح في تموز يوليو 1995، والاعتداء الذي استهدف محطة قطار الانفاق "مترو" المسماة ب"ميزون بلانش" وتسبب بسقوط 18 جريحاً في تشرين الاول اكتوبر من السنة نفسها. كما يواجه بن سعيد تهمة التواطؤ في تنفيذ الاعتداء الذي استهدف محطة "كي دورسيه" للقطار السريع، والذي يعتبر القضاء الفرنسي ان منفّذه هو بلقاسم، وتسبب بسقوط 30 جريحاً في تشرين الاول 1995. ووقف بن سعيد 34 عاماً في مستهل الجلسة وقدّم نفسه بالفرنسية الى هيئة المحكمة وقال انه كان يعمل مدرّباً رياضياً، وكذلك فعل بلقاسم 34 عاماً الذي قال انه كان يعمل ممرضاً. لكنهما طالبا الاستعانة بمترجم. ويعد الغائب الاكبر عن هذه المحاكمة الجزائري رشيد رمده المعتقل في بريطانيا والذي رفضت لندن تكراراً تسليمه لفرنسا، علماً بأن ابقاءه معتقلاً لمدة سبع سنوات من دون محاكمة يتنافى مع القوانين الاوروبية في مجال حقوق الانسان. ويقول الفرنسيون انه ارتبط بنشرة "الانصار" وليس عصبة الانصار التي كانت تصدر في لندن في التسعينات. وتفيد المعلومات المتوافرة للمحققين والتي خصص الجزء الابرز من يوم امس لتلاوة محضرها ان رمده هو المموّل لعمليات التفجير التي نفّذها بن سعيد وبلقاسم. واشار المحضر الذي اقتضى طوله تناوب اشخاص عديدين على تلاوته امام هيئة المحكمة، انه عثر لدى بن سعيد على وثائق دوّن المتهم فيها حسابات دقيقة لكل نفقاته ومشترياته ومنها نفقات سفر واتصالات واقامة في فندق وشراء مقدح ومنبّه وبطاريات وايضاً بارود اشتراه من محل متخصص بالاسلحة في حي البورصة. كما ذكر المحضر انه عُثر ايضاً لدى بوعلام على تفاصيل التخطيط للاعتداءات: خط القطارات المستهدف، المدة المطلوبة لبلوغه وخطوط الانسحاب بعد التنفيذ. واكد المحضر وجود ايصالات بتمويلات مالية تلقاها بن سعيد من لندن ومن ضمنها مبلغان كل منهما بقيمة 600 الف فرنك فرنسي، تحمل اسم مصدرها وهو "الياس" وايضاً ارقام هواتف نقالة بالاسم نفسه، ليتبين ان الشخص المقصود بهذا الاسم ليس سوى رمده. واورد المحضر شهدات للمتهمين عبّرا فيها عن اقتناعهما بشرعية الاعتداءات التي شهدتها فرنسا، لكنهما نفيا اي مسؤولية لهما عنها او اي دور لهما في تنفيذها، على رغم كل الادلة المتوافرة ضدهما. ويواجه بن سعيد وبلقاسم في حال ادانتهما في اعقاب المحاكمة التي ستستمر شهراً، عقوبة السجن المؤبد. وفيما كان المتوقع ان تتم محاكمة رمده غيابياً امام المحكمة الجنائية، اعلن رئيسها جان بيار غيتي ان محاكمته ستجري لاحقاً، مما اوحى بأن القضاء الفرنسي لم ييأس من امكان استرداده من السلطات البريطانية. ويفترض ان تقلب هذه المحاكمة صفحة دامية شهدتها فرنسا، عندما قررت الجماعات الاسلامية المسلحة شن الحرب عليها باعتبارها من دعائم النظام الجزائري الذي كان علّق الانتخابات الاشتراعية سنة 1991 وحرم الاسلاميين الجزائريين من انتصار بدا مؤكداً في حينه. وتم تكليف بن سعيد وبلقاسم بالانتقال الى فرنسا مطلع 1995 ومساندة الجزائري علي توشنت الذي كان يُعد من امراء الجماعة الاسلامية المسلحة وتولى تجنيد شباب في الضواحي الفرنسية للانضمام الى "الجهاد". وقُتل توشنت في الجزائر عام 1997. وعمل بن سعيد على التنسيق بين المجموعات المختلفة التي توزعت بين باريس وليون وليل، فيما عمل بلقاسم على اعداد عمليات التفجير التي استهدفت هذه المدن. وكانت المحكمة الجزائريةالباريسية اصدرت على بن سعيد حكماً بالسجن لمدة عشر سنوات، لادانته بالانتماء الى مجموعة من المخلين بالامن على صلة بمنظمة ارهابية، الى جانب عشرة من اعضاء شبكته سنة 1999. ودين بن سعيد من جانبه بحادثة تفجير القطار الذي يربط بين باريس وليون وصدرت بحقه سنة 2000 عقوبة بالسجن لمدة 30 سنة.