دفعت عملية انتحارية جريئة نفذها فلسطيني من "كتائب عزالدين القسام" التابعة لحركة "حماس" في القدس الغربية أمس وأسفرت عن مصرعه ومقتل 17 إسرائيلياً وجرح 85 آخرين، بالوضع السياسي المتوتر القائم في الأراضي الفلسطينية، إلى ما يشبه حال ما قبل العاصفة. وعاشت المنطقة أمس على وقع التصريحات النارية التي اطلقها مسؤولون في "حماس" و"الجهاد" والتي تهدد بمزيد من الاستشهاديين، وعلى وقع التهديدات الإسرائيلية التي تتوعد برد قاس على العملية. وفيما حبست المنطقة انفاسها تحسباً لرد عنبف من رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون، اعلن مسؤول اسرائيلي كبير رفض كشف اسمه ان الرد على عملية القدس "سيكون ملائماً ومتناسباً مع الحدث". وإذ دانت معظم الدول المعنية، وخصوصاً مصر والأردن وعواصم القرار، العملية بطرق مختلفة، فإن البارز كان مطالبة الرئيس الأميركي جورج بوش من الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات باعتقال الذين يقفون وراء عملية التفجير، في حين دان عرفات العملية وعرض وقفاً مشتركاً لاطلاق النار، رفضته مصادر ديبلوماسية إسرائيلية معتبرة أنه يهدف إلى تفادي الرد الإسرائيلي العسكري. وعاشت القدس الغربية أمس ساعات عصيبة بسبب موقع الانفجار وتوقيته، إذ حصل في وقت كانت القوات الإسرائيلية في أقصى حالات التأهب واستهدف مطعماً مكتظاً للبيتزا قرب مفترق شارعي الملك جورج ويافا في فترة الغداء. وزادت أبواق عشرات سيارات الاسعاف التي هرعت إلى مكان الحادث من فزع المارة الذين تراكضوا في كل اتجاه فيما كانت التلفزيونات تنقل صور الجرحى والنازفين وأشلاء القتلى. وجرياً على عادتها، قامت الحكومة الإسرائيلية فور الحادث بتحميل السلطة الفلسطينية وعرفات المسؤولية، وعقدت الخلية الأمنية الحكومية المكونة من رئيس الوزراء ارييل شارون ووزيري دفاعه وخارجيته بنيامين بن اليعيزر وشمعون بيريز اجتماعاً طارئاً للبحث في سبل الرد، فيما تعالت أصوات إسرائيلية كثيرة مطالبة بالقضاء على السلطة الفلسطينية والقياديين الفلسطينيين. وحتى مساء أمس كان الرد الإسرائيلي على العملية محدوداً وتمثل في عمليات قصف متفرقة وتوغل بسيط في غزة. وبقي الفلسطينيون على أعلى درجة من الاستعداد في ظل استنفار شامل. ووضعت كل المستشفيات في غزة والضفة الغربية في حال تأهب لاستقبال أي حالات طارئة جراء قصف محتمل. وكانت حركة "الجهاد الإسلامي" تبنت العملية بعيد وقوعها وأعلن زعيمها الدكتور رمضان عبدالله شلح من دمشق ان منفذها يدعى عمر أبو عمشة، مؤكداً ل"الحياة" وجود "عدد آخر من الاستشهاديين في داخل إسرائيل مستعدين للقيام بعمليات استشهادية بهدف ايجاد توازن رعب مع الدولة العبرية"، لكن الجهاد تراجعت عن إعلانها مساء بعدما تبين ان الاستشهادي يدعى عزالدين المصري 23 عاماً وهو من عنابة قرب جنين وينتمي إلى "كتائب عزالدين القسام" الجناح العسكري في حركة "حماس". وكررت واشنطن أمس موقفها الذي يعتبر أن الحل في يد الأطراف المعنية، لكن الرئيس بوش صعد لهجته حيال السلطة الفلسطينية. وأعلن أنه "يدين بشدة العمل الارهابي في القدس". وقال في بيان صدر في تكساس حيث يقضي عطلته: "لا شيء يجنى من عمل جبان كهذا... على الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات أن يدين هذا العمل الارهابي الفظيع. والعمل على توقيف ومحاكمة المسؤولين وان يتخذ اجراءات ثابتة لمنع أعمال كهذه في المستقبل". ودعا الطرفين إلى "العودة فوراً إلى وقف اطلاق النار والالتزام المسبق بإعادة التعاون الأمني الفاعل، للتأكد "من عدم حصول أعمال ارهابية أخرى". وتابع: "ان الولاياتالمتحدة مستعدة لمساعدة الطرفين في مساعيهما كما كانت تفعل في السابق، ولكن يتعين على الطرفين بدء تطبيق التزاماتهما وفق ما حددته خطة تينيت للحل". وأوضح: "ان الولاياتالمتحدة لا تزال ملتزمة تطبيق كل عناصر تقرير لجنة ميتشل، التي تؤمن الطريق للعودة إلى المفاوضات على أساس قرارات مجلس الأمن 242 و338 ومؤتمر مدريد. ومن أجل تطبيق تقرير ميتشل على الطرفين استئناف التعاون الأمني". وقال وزير الخارجية الأميركي كولن باول إن "حل المشكلة هو في يد الأطراف في المنطقة. عليهم أن يفعلوا كل ما في وسعهم للحد من العنف ومن الاستفزاز والرد على الاستفزاز وإلا فإننا سنستمر يومياً في مواجهة وضع صعب". وعن إمكان توجهه إلى المنطقة، قال باول: "أنا مستعد للذهاب إلى أي مكان إذا كان هناك معنى لذلك، ولكن في هذه المرحلة يعلم الجميع ما يجب عمله: يجب وقف العنف". وأضاف: "المشكلة هي في المنطقة، وعلى الطرفين وقف العنف. حين يتم ذلك يمكن تطبيق توصيات ميتشل. هناك طرق عدة تستطيع الولاياتالمتحدة أن تساعد بها في الأمور الأمنية". وأعلن أنه اتصل بكل من شارون والأمين العام للأمم المتحدةوعرفات والمسؤولين في الاتحاد الأوروبي.