عززت عملية تل ابيب التي كانت الأعنف منذ بدء الانتفاضة الفلسطينية وأوقعت 18 قتيلاً وحوالى مئة جريح في صفوف الاسرائيليين، احتمالات شن حملة عسكرية شاملة على مناطق السلطة الفلسطينية، ضمن سيناريوات لا تستبعد اجتياحها واغتيال قياديين بارزين في السلطة. وإذ كان للعملية وقع "الزلزال" على الدولة العبرية وحكومة ارييل شارون، التي عقدت اجتماعاً استثنائياً وتعهدت اجراءات لم تكشف طبيعتها "لحماية الاسرائيليين"، بعد مهلة حددتها ب24 ساعة، نجحت وساطات وضغوط دولية عاجلة في اقناع الرئيس ياسر عرفات بأن يعلن للمرة الأولى منذ بدء الانتفاضة استعداده ل"وقف نار فوري من دون شروط". كما دان العملية الانتحارية في تل ابيب، والتي دفعت شارون الى تأجيل جولته الأوروبية الاسبوع المقبل، ووزير الخارجية الاميركي كولن باول الى إلغاء زيارته الى كوستاريكا اليوم، بسبب الأزمة المتفجرة في الشرق الأوسط. وكشفت مصادر ديبلوماسية عربية ل"الحياة" في واشنطن ان ادارة الرئيس جورج بوش كانت ستعلن وقف اتصالات مع منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية لو لم يبادر عرفات الى ادانة العملية الانتحارية. وقالت ان دعوة بوش الرئيس الفلسطيني الى ادانة العملية واعلان وقف النار كانت آخر فرصة له لتجنب تدهور العلاقات مع واشنطن. واضافت ان عواصم عربية نصحت عرفات بالقيام بذلك، بعد اتصالات اجرتها بالعاصمة الاميركية راجع ص4. وخيّمت أجواء حرب في الأراضي الفلسطينية وأخليت المقرات العسكرية والوزارات التابعة للسلطة، فيما غادر موظفون تابعون لوكالات دولية غزة التي تحولت الى "مدينة أشباح"، واغلقت القوات الاسرائيلية مطارها لعزل القطاع عن العالم. ودفعت الاجواء المحمومة بعد عملية تل ابيب، الجانب الفلسطيني الى طلب عودة السفير وليام بيرنز من الولاياتالمتحدة لاستئناف جهوده. وانعكست اجواء التصعيد في هجمات نفذها يهود متطرفون، طاولت احياء سكانية في مدينة يافا، كما رشقوا مسجداً بالحجارة. وجاء في بيان أذيع بعد الاجتماع الاستثنائي الذي عقده شارون ووزراؤه ان "السلطة الفلسطينية ورئيسها متورطان بالارهاب ويمارسان التحريض الرسمي الذي شكلا له ائتلافاً في المناطق الفلسطينية، بعدما أعلنت الحكومة الاسرائيلية اقتراحاتها لوقف العنف". وشدد البيان على ان الدولة العبرية ستتخذ "الخطوات اللازمة السياسية والأمنية المناسبة للحفاظ على حياة الاسرائيليين". وبث التلفزيون الاسرائيلي ان قرار المجلس الوزاري المصغر تحديد مهلة 24 ساعة "كي يثبت عرفات صدق نيته في العمل الجدي لوقف النار"، جاء بعد ضغوط اميركية وأوروبية، علماً ان الرئيس الفلسطيني اعلن وقف النار في حضور الممثل الخاص للامم المتحدة تيري رود لارسن ووزير الخارجية الالماني يوشكا فيشر. واذيع في القدسالمحتلة مساء امس ان اسرائيل ربطت مهلة ال 24 ساعة بثلاثة شروط "ستختبر التزام عرفات تنفيذها" خلال فترة "الانذار"، وهي اصدار تعليمات واضحة لتنظيم "فتح" بوقف النار، ومراقبة نشاطات حركتي "حماس" و "الجهاد" وتسليم المتورطين بالتخطيط لعملية تل ابيب. وعلم ان الجانب الأوروبي هدد بوقف المساعدات للسلطة الفلسطينية اذا لم تتخذ قراراً واضحاً بوقف النار. التحرك المصري في القاهرة، صرح وزير الخارجية أحمد ماهر بأن اتصالات مكثفة اجريت منذ الثالثة فجر امس مع كل من الوزير باول والرئيس عرفات، ووزير الخارجية الاسرائيلي شمعون بيريز ومنسق العلاقات الخارجية للاتحاد الأوروبي خافيير سولانا، والمبعوث الأوروبي لعملية السلام ميغل موراتينوس، ووزير الخارجية الأردني عبدالإله الخطيب. وقال للصحافيين ان مصر تدين أي اعتداء على المدنيين الفلسطينيين أو الاسرائيليين "مع الأخذ في الاعتبار ان عدد الضحايا من المدنيين والاطفال والنساء الفلسطينيين نتيجة الاعمال الاسرائيلية أكبر بكثير جداً من الضحايا الاسرائيليين، مما يدل على ان مصدر العنف معروف". وأوضح انه طلب من بيريز ان تمتنع الدولة العبرية عن "أي رد فعل أو تصرف يجعل التحرك لاستئناف الجهود الديبلوماسية بالغ الصعوبة". بيرنز الى ذلك، يتسلم السفير وليام بيرنز غداً منصبه كمساعد لوزير الخارجية الاميركي لشؤون الشرق الأوسط، بعدما أنهى مهمة في المنطقة فشلت في التوصل الى اتفاق لوقف النار، وآلية لتطبيق توصيات لجنة ميتشل. وذكرت مصادر مطلعة في واشنطن ان بيرنز لم يكن مرتاحاً الى المهمة التي أوكلت اليه، وان الادارة قد تلجأ الى تعيين مبعوث خاص لمتابعة ملف السلام في المنطقة، يعمل ضمن دائرة الشرق الأوسط في وزارة الخارجية والتي يرأسها بيرنز.