في ما يشبه الاعتراف بمسؤوليته عن هجمات 11 أيلول سبتمبر أشاد اسامة بن لادن أمس ب"الضربات المباركة"، ودعا مؤيديه الى "ضرب الاقتصاد الأميركي" بكل الوسائل الممكنة. وقال، في شريط بثت قناة "الجزيرة" نصه كاملاً أمس، ان ما حدث في 11 أيلول كان بمثابة رد فعل على ما يجري في فلسطين والعراق وأنحاء أخرى من العالم الاسلامي. وأضاف: "تسعة عشر من طلاب الثانويات هزوا عرش أميركا وضربوا الاقتصاد الأميركي في صميم فؤاده وضربوا أكبر قوة عسكرية في عمق قلبها". وقال ان أميركا تمارس "الارهاب المذموم" معتبراً ان الضربات التي وجهت اليها هي "الارهاب المحمود". وأشار بن لادن في بداية الشريط الى أنه يتحدث بعد 3 أشهر من "الضربات المباركة ضد رأس الكفر" وبعد شهرين تقريباً على "الحملة الصليبية الشرسة" في اشارة الى الحرب الأميركية في افغانستان. ونقلت وكالات الأنباء عن مسؤولين في "الجزيرة" ان الشريط مسجل قبل 15 يوماً. واعتبر المراقبون ظهور بن لادن في الشريط الجديد بمثابة رسالة تؤكد انه لا يزال حياً. وكشف بن لادن في حديثه جنسيات منفذي هجمات 11 أيلول قائلاً ان المجموعة ضمت 15 سعودياً واثنين من الامارات اضافة الى اللبناني زياد الجراح والمصري محمد عطا. استياء في واشنطنوكابول بدا ان الحكومة الافغانية الموقتة برئاسة حميد كارزاي كانت اول المنزعجين من ظهور اسامة بن لادن حياً في شريط جديد ارسله الى قناة "الجزيرة" التي بثته امس، اذ سارع ناطق باسم وزارة الدفاع في كابول الى "كشف معلومات" رفض تحديد مصدرها، عن وجود بن لادن في باكستان. لكن الانزعاج الافغاني لا يضاهي الانزعاج في واشنطن حيث اثار الشريط اسئلة عديدة تسعى الادارة الاميركية الى الاجابة عنها، واهمها مصير بن لادن بعد مرور أكثر من ثلاثة شهور على بدء العمليات العسكرية. فالشريط لم يكن في اي حال هدية سارة للبنتاغون الذي يقود الحملة العسكرية الهادفة لإلقاء القبض على بن لادن، وكان بدأ يسوّق منذ ايام رواية مقتل بن لادن تحت الركام في تورا بورا. وبعدما بدا للرأي العام الاميركي الاسبوع الفائت ان القبض على ابن لادن "حياً او ميتاً" بات مسألة ايام معدودة، بانتظار تطهير كهوف تورا بورا، فاجأ الشريط الرأي العام والادارة. والأهم ان الشريط يشير، على رغم صعوبة تحديد زمان ومكان تسجيله، الى ان قائد تنظيم "القاعدة" لا يزال حياً على الاقل، وانه كان لا يزال قادراً على تسجيل شريط مصور وارساله، ما يعني انه غير منقطع تمام عن العالم الخارجي وانه يستطيع ان يرسل تعليمات واوامر الى خلايا "القاعدة" المنتشرة حول العالم. وهذا اكثر ما يقلق الولاياتالمتحدة. كان رد فعل واشنطن متوقعاً، فالبيت الابيض وصف الشريط بلسان ناطق باسمه سكوت ماكلالين بأنه لا يعدو كونه "دعاية ارهابية سمعناها في السابق". اما البنتاغون فتحفظ عن تقويم الشريط واكتفى ناطق باسمه ريتشارد ماكغرو بالقول: "لا نعرف ما اذا كان حقيقياً او جديداً او قديماً". وبسبب اشارة بن لادن الى القنابل الاميركية التي تزن 15 الف رطل تم التأكد من الشريط سجل بعد شهر تشرين الثاني نوفمبر لأن البنتاغون لم يستخدم هذه القنابل الا في مطلع نوفمبر. وتمت المقارنة بين الاشرطة السابقة التي وزعها بن لادن ومنها الشريط الذي عثر عليه في جلال اباد وتم بثه قبل اسبوعين، فبدا بن لادن اكثر اضطراباً، كما بدت عليه مظاهر التعب والاعياء. وعدل البنتاغون عن فكرة ارسال المارينز للبحث عن بن لادن وتفتيش الكهوف في تورا بورا وتقرر الاعتماد على القوات الخاصة الى جانب مجموعات التحالف الشرقي في المنطقة لتقوم بأعمال التفتيش والدخول الى الكهوف والمخابئ. وعزت مصادر افغانية تحدثت الى "الحياة" الانزعاج الى الاحراج الذي يواجهه كارزاي في ظل تجدد الغارات الاميركية على مناطق يسعى الى كسب ود اعيانها. ففي وقت كان كارزاي يتعهد امام وفد لمجلس شورى ولاية بكتيكا زاره في كابول، بالطلب من الاميركيين وقف الغارات على مناطقهم، وصلت تقارير عن سقوط 40 قتيلاً وعشرات الجرحى بينهم نساء واطفال في احدى قرى الولاية نتيجة غارات "عنيفة الى درجة تعذر معها التعرف على هوية القتلى". وأفاد شهود ان الغارات وقعت فيما كان الناس نياماً، وان 25 منزلاً دمرت من بينها منزل مولاي طه وهو احد القادة السابقين في حركة "طالبان". والذي لم يكن موجوداً في المنزل وقت القصف. وجاءت الغارات بعد اسبوع من قصف الطائرات الاميركية موكباً يضم اعيان للقبائل في المنطقة كانوا متجهين الى كابول لحضور مراسم تنصيب حكومة كارزاي، ما اسفر عن سقوط حوالى 65 قتيلاً. وأجمع مراقبون على ان ظهور بن لادن حياً بعد تكهنات عن احتمال مقتله في الغارات على تورا بورا، تعطي دافعاً للاميركيين لاعادة "تمشيط" مناطق يشتبه في انها قد تشكل مخابئ له، كما سيعطي انصاره دفعاً معنوياً نتيجة تأكدهم ان الولاياتالمتحدة لم تتمكن من الوصول اليه على رغم آلتها العسكرية الضخمة. وترافق ذلك، مع سجال بين القادة الافغان المتحالفين مع واشنطن والقيادة الاميركية التي بدأت تتهمهم بالتخاذل في تفتيش الكهوف والمخابئ المعزولة في تورا بورا، وتبدي امتعاضها من الاضطرار الى تقديم مكافآت لهم لاقناعهم بالتواجد في الخطوط الامامية. وفي الوقت نفسه، اعترف وزير الداخلية الافغاني يونس قانوني بأن الغارات الاميركية لم تنجح في القضاء على قيادات "القاعدة"، وان قضت على عناصر التنظيم الذي وصفه ب"الشديد الخطورة". وفي ما اعتبر محاولة لتصدير المشكلة الى الخارج، قال الناطق باسم وزارة الدفاع الافغانية محمد هابيل امس ان "اسامة بن لادن يعيش في باكستان في مناطق تخضع لنفوذ وسيطرة انصار مولانا فضل الرحمن" عراب "طالبان".