وصلت جهود الرئيس جورج بوش طوال عشرة أشهر لإرضاء اسرائيل ورئيس وزرائها أرييل شارون الى حائط مسدود، اذ تحول النفور الأميركي من تصرفات إسرائيل في الفترة الاخيرة وعدم مراعاتها المصالح الأميركية بعد اعتداءات 11 أيلول سبتمبر الماضي، الى حرب كلامية بين شارون والبيت الابيض، مذكرة بالمواجهة التي حصلت بين جورج بوش الأب وحكومة رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق إسحق شامير عام 1199 المتعلقة بالنشاطات الاستيطانية. هذه الحرب الكلامية أشعلها شارون في خطابه أول من أمس عندما قارن بين الولاياتالمتحدة في جهودها لبناء "التحالف الدولي ضد الارهاب" وبين مواقف دول أوروبية حين تخلت عن تشيكوسلوفاكيا لإرضاء النازيين عام 1938. وخرج البيت الابيض عن صمته أمس حين رد الناطق باسم الرئيس الاميركي آري فلايشر على تصريحات شارون، قائلاً إن الرئيس بوش "وجدها غير مقبولة". وقالت القناة التلفزيونية الثانية، مساء امس، ان مسؤولين في الخارجية الاميركية اتصلوا باسرائيل وطلبوا ان يعتذر شارون رسمياً من الرئيس بوش. وللأزمة بين شارون وبوش جذورها، اذ بدأت عندما صد شارون الرئيس الاميركي الذي تمنى عليه ان يوقف اطلاق النار ويسمح بلقاء عرفات ووزير خارجيته شمعون بيريز. ورغم ان شارون عاد وانصاع للرغبة الاميركية، إلا انه جرد اللقاء من محتواه، مما أدى الى تدهور الأوضاع وتزايد أعمال العنف. وتقول مصادر في الادارة الاميركية ان بوش سجّل تعنت شارون ولم يكن مرتاحاً اليه. وازداد التوتر بين الطرفين عندما لم تشمل جولة وزير الدفاع دونالد رامسفيلد محطة في اسرائيل رغم إلحاح نظيره الاسرائيلي بنيامين بن اليعيزر، في إشارة واضحة الى استبعاد إسرائيل عن التحالف الدولي الذي تبنيه الولاياتالمتحدة. وقال فلايشر: "لا يوجد صديق او حليف لاسرائيل في العالم أقوى من الولاياتالمتحدة، والرئيس بوش بشكل خاص صديق قريب لاسرائيل". وأضاف ان الموقف الأميركي الرافض لتصريحات شارون نقل الىه عبر السفارة الاميركية في اسرائيل ومجلس الامن القومي في واشنطن. وذكرت مصادر اميركية ان شارون اتصل بوزير الخارجية الاميركي كولن باول بعدما ادلى بتصريحاته وان باول كان يستمع ولم يعلق. وكان بوش أزعج الإسرائيليين حين أعلن ضمناً تأييد الولاياتالمتحدة قيام دولة فلسطينية، واصفاً الدولة بأنها كانت دائماً "جزءاً من التصور الأميركي شرط احترام حق إسرائيل في الوجود". وبدل ان تتفهم إسرائيل الموقف الأميركي الذي يسعى الى كسب تأييد العالمين العربي والإسلامي لضرب تنظيم "القاعدة"، شن أصدقاء إسرائيل في الولاياتالمتحدة واللوبي الإسرائيلي حملة إنتقادات ضد الإدارة الأميركية واتهموها بأنها تكافئ الإرهاب. وتقول مصادر أميركية أن الإدارة الأميركية منزعجة من الجهود الاسرائيلية عبر الكونغرس من أجل إضافة المنظمات الاسلامية التي تحارب اسرائيل، تحديداً "حماس" و"الجهاد" و"حزب الله"، الى لائحة المنظمات التي تعمل واشنطن على مصادرة أرصدتها في العالم. وحاولت منظمات وشخصيات يهودية التخفيف من حدة الخلاف بين الادارة وشارون حين جمعت تواقيع على رسالة دعم لمواقف بوش. لكن مصادر اميركية معنية متابعة لنشاطات الجمعيات الاسرائيلية ذكرت ان معظم موقعي الرسالة لا يعتبرون من الاشخاص المؤثرين. وما أثار حفيظة الاسرائيليين أكثر ان الولاياتالمتحدة لن تعرقل وصول سورية الى عضوية مجلس الامن حين يطرح الموضوع على التصويت بعد غد. ولا يعني هذا الموقف، في نظرهم، سوى ان الولاياتالمتحدة لا تعتقد ان سورية من ضمن الدول التي تنوي معاقبتها في حربها ضد الارهاب. تصعيد في الخليل ولم يكتف شارون بانتقاده غير المسبوق لأقرب حلفاء اسرائيل، بل أعلن ايضا وفاة اتفاق وقف اطلاق النار، مهدداً بمزيد من القمع في الاراضي الفلسطينية. وفعلاً شنت القوات الاسرائيلية عملية عسكرية في مدينة الخليل اعتُبرت الأعنف بعد الهجوم على مدينة جنين الشهر الماضي. وأسفرت العملية عن استشهاد خمسة فلسطينيين، وإعادة احتلال أجزاء من المدينة. ولم تتوقف الهجمات على الخليل وحدها، بل واصل الجيش لليوم الثالث تجريف اراضي بيت لاهيا شمال غزة. ولم تقتصر الانتقادات لخطاب شارون على الادارة الاميركية، بل واجه رئيس الوزراء حملة انتقادات واسعة على المستوىين السياسي والإعلامي. ورأى المراقبون أن شارون سعى في خطابه الى احتواء الإنتقادات الداخلية لسياسته بعد ثمانية أشهر من تسلمه الحكم من دون أن يتمكن من إنجاز أي تقدم على كل الصعد، بما فيها شعاره الشهير "تحقيق الامن خلال 100 يوم"، اضافة الى التدهور المستمر للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بشكل لم يسبق له مثيل. ومن المرجح ان يعزز الاستياء الاميركي من خطاب شارون توجهاً لدى وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي الى اتخاذ مواقف متشددة من اسرائيل خلال اجتماعهم المقرر في لوكسمبورغ بعد غد. وكشفت مصادر ديبلوماسية غربية ل"الحياة" أن الاجتماع سيشهد مداولات ساخنة في شأن اتخاذ "مواقف جديدة" تتعلق بالصراع الفلسطيني - الإسرائىلي. ورجحت أن تمارس الدول المعروفة بتعاطفها مع الفلسطينيين ضغوطاً على الدول المؤيدة لاسرائيل من أجل اتخاذ مواقف أكثر صلابة تجاه الممارسات الإسرائيلية في الاراضي الفلسطينية.