حضور ثقافة العالم العربي في بريطانيا يكاد يقتصر على المصريات الحضارة الفرعونية بآثارها وبمدوناتها المنقولة الى الانكليزية وعلى الصحراء العربية عبر كتابات المستشرقين وتجارب الرحالة والعاملين في الشأن السياسي - لورانس مثلاً. ولم تستطع النتاجات الثقافية العربية الحديثة أن تشغل مكاناً في مخيلة القارئ البريطاني، عدا نخب قليلة تقرأ القليل. وتبدو ضآلة حضور الثقافة العربية الحديثة في بريطانيا نافرة إذا قارنّاها بحضور الثقافة الآسيوية الهندية والباكستانية التي دخلت الى كل بيت عبر المطبخ والكتاب والتلفزيون والمسرح والسينما، وقد يعزى هذا الحضور الى الجالية الآسيوية الكثيرة العدد في بريطانيا، لكن أعداد العرب هناك ليست قليلة، والتبادل السياسي والثقافي والسياحي مع العالم العربي حيوي ومستمر، ولكن، ليس ما يوازيه على الصعيد الثقافي. عرب كثيرون في بريطانيا لا يخاطبون قرّاء ومستمعي ومشاهدي البلد الذي يعيشون فيه، ويستمر خطابهم الى أوطانهم الأم، خطاباً يزداد غربة واختلافاً حتى يستعصي فهمه على من يوجه اليهم، يستوي في ذلك كلام الفكر السياسي وأساليب القول الأدبي والايصال الفني. في هذه الصورة السلبية تبرز أعمال بالانكليزية موضوعة أو مترجمة تحاول مخاطبة القارئ والمشاهد البريطاني ليبدأ معها تكوين صورة حديثة للعربي تفترق عن الصورة التقليدية الطالعة من أعمال علماء المصريات والرحالة الى الصحراء، من دون أن تلغيها. وفي الصدارة ترجمة رواية السوداني الطيب صالح "موسم الهجرة الى الشمال" المستمرة الحضور، ومسرحيات اللبنانية حنان الشيخ عن النساء العربيات المهاجرات في لندن، ورواية المصرية أهداف سويف "في عين الشمس"، وترجمة ثلاثية الليبي أحمد ابراهيم الفقيه عن أجواء اسكوتلندا وليبيا، وروايتا اللبناني - الفلسطيني طوني حنانيا، ورواية السودانية ليلى أبو ليلى. وهناك ايضاً المجلة الفصلية "بانيبال" المختصة بنشر جديد الادب العربي على البريطانيين وسائر الانكلوفونيين، وقد بدا اصدارها في لندن قبل سنتين مارغريت اوبانك وصموئيل شمعون. وهذا لا يكفي إلاّ كبداية، فالكتّاب العرب المقيمون في بريطانيا مدعوون الى رسم صورة فنية جديدة لعرب العصر، يوصلونها الى القارئ أو المشاهد البريطاني، أفضل من استمرارهم في مخاطبة قرّاء عرب بعيدين يزدادون بعداً واستعصاء.