نشطت تونس علاقاتها مع كل من ايطالياواسبانيا في الاسابيع الاخيرة، في الوقت الذي لا يزال البرود مسيطراً على علاقاتها مع باريس منذ الانتخابات الرئاسية في 20 تشرين الاول اكتوبر الماضي، بعدما انتقدت وسائل الاعلام الفرنسية نتائجها. ورأى مراقبون ان قرار التعريب الشامل للمؤسسات العمومية والخاصة الذي اتخذته الحكومة التونسية في تشرين الثاني نوفمبر الماضي شكّل احد ذيول "الازمة الاعلامية" التي لم تهدأ، كونه استهدف زعزعة المكانة الخاصة التي حظيت بها اللغة الفرنسية منذ الاستقلال. وفي خطوة بدت وكأنها تعويض عن توتر العلاقات مع باريس سعت تونس الى تطوير العلاقات مع الشريكين الاوروبيين الآخرين ايطالياواسبانيا. وفي هذا الاطار زار وزير الخارجية التونسي حبيب بن يحيى روما أخيراً واجرى محادثات مع رئيس الوزراء ماسيمو داليما ووزير الخارجية لامبرتو ديني اسفرت عن تسوية كثير من القضايا العالقة بين البلدين، وفي مقدمها السيطرة على حوادث خرق سفن الصيد الايطالية المياه التونسية وتشديد الرقابة الجوية والبحرية على المهاجرين غير الشرعيين الذين ينطلقون من الساحل التونسي نحو الجزر الجنوبية الايطالية. كذلك استطاع بن يحيى وديني التوصل الى اتفاق كرس استمرار معاودة بث برامج القناة التلفزيونية الايطالية الاولى "راي اونو" في تونس مباشرة، فيما بقي بث برامج القناة الثانية الفرنسية التي حظيت باتفاق شبيه بالاتفاق مع "الراي" معطلاً منذ الانتخابات التونسية الاخيرة. واحرزت الحكومتان الايطالية والتونسية تقدما مهما في حل المشاكل الثنائية، عندما صادق مجلس النواب التونسي على قانون منح مالكي العقارات الايطاليين في تونس الامتيازات نفسها التي سبق ان أُعطيت للفرنسيين لتسهيل بيعها لمواطنين تونسيين. وقال بن يحيى ان الحكومتين التونسية والايطالية وجدتا في الاتفاق السابق بين تونسوباريس مرجعاً نسجتا على منواله في وضع الاتفاق الجديد. واوضح ان الرسائل المتبادلة بين تونسوروما في هذا الشأن كرست منح الاولوية لمستأجري العقارات الحاليين اي التونسيين في شرائها. يذكر ان العلاقات الثنائية شهدت اخيراً "خضّة" في اعقاب وفاة شقيقين تونسيين في حريق غامض اندلع في احد مراكز الاعتقال في تراباني جنوبايطاليا بعدما ضبط حرس السواحل الايطاليون مركباً كان ينقل مهاجرين غير شرعيين قبالة جزيرة بانتاليريا القريبة من تونس اواخر الشهر الماضي، الا ان الحكومتين نجحتا في تطويقها وتجاوز ذيولها. مدريدوباريس وفي خط مواز عزز التونسيون العلاقات مع اسبانيا بعدما تضاءلت "اللقاءات السياسية الدورية على اعلى مستوى" التي لحظتها معاهدة الصداقة وحسن الجوار 1995 منذ زيارة رئيس الحكومة الاسبانية خوسيه ماريا اثنار لتونس في ايار مايو 1998. وأتت الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الاسباني أبيل ماتوتيس للعاصمة التونسية قبل اسبوعين والمحادثات التي اجراها مع كبار المسؤولين، وفي مقدمهم الرئيس بن علي، لتكرس رغبة الجانب التونسي بتطوير العلاقات مع مدريد في المرحلة المقبلة، اضافة الى روما، كنوع من التوازن مع فرنسا. واعطى التونسيون اشارة رمزية الى هذه الرغبة عندما استجابوا مسعى ماتوتيس للافراج عن مواطن اسباني دانته محكمة تونسية بسبب اصدار شيكات من دون رصيد. وفيما اظهر التونسيون انهم غير راضين عن الحصاد الاقتصادي للشراكة، واصيبوا بنوع من خيبة الامل من شح المساعدات التي تلقوها من الاتحاد لتحديث البنية الصناعية المحلية، بدا الاوروبيون غير مرتاحين للجوانب السياسية خصوصاً البلدان غير المتوسطية. الا ان مصادر فرنسية اكدت ان باريس كانت دائماً في مقدم المدافعين عن مصالح تونس لدى الاتحاد الاوروبي، واوضحت ان هذا الموقف سيتجدد في اجتماع "مجلس الشراكة". وتوقعت تجاوز "العاصفة" التي شهدتها العلاقات الثنائية تدريجاً خصوصاً في ضوء الرسالة الخطية التي بعث بها الرئيس جاك شيراك الى الرئيس بن علي لمناسبة تقديمه السفير الجديد دانيال كونتناي أوراق اعتماده. واستدلت بأن الناطقة باسم الخارجية الفرنسية اشارت الى احتمال قيام وزير الخارجية هوبير فيدرين بزيارة لتونس "في وقت غير بعيد"، اضافة الى تلميحها لمشروع زيارة مماثلة لرئيس الوزراء ليونيل جوسبان.