مانشيني يناشد اللاعبين بمواجهة البحرين بنفس أداء مباراة اليابان رغم الخسارة    العين الاماراتي يعلن طرح تذاكر مواجهته امام الهلال    محافظ الطائف يلتقي رئيس مجلس إدارة الاتحاد السعودي للكريكيت    افتتاح أول أكاديمية لروني أوسوليفان للسنوكر في العالم    تعليم الطائف يدشن حملة للكشف المبكر عن السرطان    تكريم التشكيلية السعودية نوال العمري في «هوليوود الترفيهية» بشرم الشيخ        وصول الطائرة الإغاثية السعودية الثانية لمساعدة الشعب اللبناني    المملكة تدعم «الأونروا»    قتلى ومصابون في هجوم ل«حزب الله» على قاعدة إسرائيلية    Apple توقف السيارات الكهربائية    4 مليارات ريال لمشاريع جديدة بالقصيم    أمير حائل يهنئ مدير مكافحة المخدرات    مباحثات تنموية بين أمانة الرياض ومجلس التخطيط العالمي للمدن    في تاريخنا الوطني.. خبيئة الله    «أخضر الريشة» ينتزع 11 ميدالية في غرب آسيا    كانتي يقترب من العودة ل«العميد»    استمرار هطول الأمطار حتى الجمعة المقبل    حرس الحدود بمنطقة جازان يحبط تهريب 270 كيلوجرامًا من نبات القات المخدر    الشورى.. وضع خطط لاستخدام الذكاء الاصطناعي في العمل الإحصائي    شركات التكرير المجرية تعلن اعتمادها على النفط الروسي حتى 2026    المدن الذكية: هل نحن على مشارف مستقبل يُدار بالتقنيات؟    منتدى «عبقر» الشعري ينظم أمسية شعرية في جدة    أمسية «اقتصاد المسرح».. تسلط الضوء على حوكمة القطاع    اتفاقية في مجال الطاقة بين المملكة والفلبين    70 دولة في ملتقى الصحة العالمي بالرياض    الخلود يعيد بن زكري لروشن    السوادي يتلقى تهاني التميز    أمير الرياض يتسلم تقرير الأمن الصناعي.. ويطلع على جهود الجمعيات الأهلية    أمير القصيم يناقش مع وزير البلديات المشروعات التنموية    وزارة الإعلام تعلن عن النسخة الخامسة من جائزة التميُّز الإعلامي2024    أمير القصيم يؤدّي صلاة الميت على محافظ عنيزة السابق    استئصال 30 ورمًا ليفيًّا من رحم سيدة في مستشفى الرس    "فرع الإفتاء جازان": ينظم مبادرة "الشريعة والحياة" بالكلية الجامعية بمحافظة جزر فرسان    «صواب» وتنمية صامطة توقعان إتفاقية لتوعية المجتمع من أضرار المخدرات    " نسك" أول منصة سعودية تتيح خيار التخطيط والحجز وعيش تجربة العمرة أو الحج    بعد انتصارات جبهة الشرق.. تقدم روسي في جنوب أوكرانيا    صحة الشرقية تنظم ملتقى "أمان" للحد من الكوارث    لمسة وفاء.. الدكتور محمد بن علي آل هيازع    زيارة ترفيهية لفتيات مركز عبور للرعاية النهارية لمقهى "أزورا" في جازان    6 ضوابط لترشيح القياديين في جهات الدولة الكويتية    محمية الملك سلمان تحتفل بتسجيلها في القائمة الخضراء    ابنة الرويشد: أبي تخطى الخطر ويستعد للعودة    «وزير النقل» يفتتح المنتدى اللوجستي العالمي 2024    «الشورى» يستعرض دور المملكة الريادي في اجتماع اتحاد البرلمان الدولي    «نمو» يقفز 600 نقطة.. و«الرئيسي» فوق 12,069    جازان: مساجد بلا صيانة.. مَنْ المسؤول ؟    استعدادات لمسابقة خادم الحرمين لحفظ القرآن الكريم والسنة النبوية في موريتانيا    صرف صحي ومياه آسنة في صناعية الحوية    نجا من الموت.. سائق جرافة ردمه بالتراب عن غير قصد    5 نصائح للتغلب على الكسل    شرب الماء.. يحسن الذاكرة ويخفض التوتر    زيمبابوي تسجل أول حالتي إصابة بفيروس جدري القردة    صديقي الوزير    منتخبنا.. من «ياخذه ويدعمه ويقويه»؟    «بيبان 24».. الفرص الاستثمارية الواعدة    بلطجة صوتية وبطولة كاذبة!    وصول أولى طلائع الجسر الجوي السعودي لمساندة الشعب اللبناني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"عصمت داوستاشي" في معرضه الجديد . استدعاء الحكاية والاسطورة الشعبية بالكف والبورتريه
نشر في الحياة يوم 02 - 05 - 1999

ثمة شعور مفعم بالاختلاف والتباين، يملأك ويزحمك باستدعاءات التراث الشعبي وتيماته العديدة، حينما تجد نفسك واقفاً وسط اربعين عملاً فنياً للتشكيلي الاسكندري عصمت داوستاشي، الذي يتعامل في جميعها على - ومع - تيمة واحدة، رئيسة وأساسية هي "الكف"، باعتباره احد اهم وابرز التيمات الشعبية المصرية، القديمة والحديثة، منذ ان حفره الرسام والنحات المصري القديم على جدران المعابد والمقابر القديمة. وحتى في الأمس القريب، عبَّر الحاج المصري البسيط عن فرحته بذهابه الى "أرض الحجاز" بتلوين يديه من دم اضحيته، وترك بصمات كفيه على جدران البيت، ابتهاجاً ب"حجه المبرور.. وذنبه المغفور".
اربعون عملاً فنياً، تحت عنوان ومحور واحد، يقوم عليهما بناء مجمل اللوحات المعروضة تشكيلياً، عبر ما يجسده "الكف" من عطاء وخير إنسانيين، وما يدور حول مفهومه من استدعاء شعبي واسطوري يبلغ، عمقه في النفس البشرية عموماً، والشخصية المصرية خصوصاً.
وعلى الرغم من هذا التوحد المبدئي، تسيطر مفارقة رئيسية على جميع لوحات المعرض الاربعين، وهي ان المعرض ينقسم بلوحاته الى مرحلتين اساسيتين، المرحلة الاولى، تعود الى عامي 72 - 1973، وهي متألفة من عشرين لوحة، لا تأخذ المواصفات المتعارف عليها للوحة اكاديمياً، بقدر ما تستفيد من تقنيات الاسكتشات التمهيدية لعمل لوحة لم تزل في طور التكوين. هذه اللوحات - الاسكتشات العشرين نُفذت كاملة بالحبر الاسود فقط، وجميعها بمقاس 20 × 25 سم على ورق ابيض عادي.
هذه الاسكتشات العشرون، هي مختارات من اللوحات التي عرضها "داوستاشي" العام 1974 بالاسكندرية في معرضه السادس، تحت عنوان المعرض الحالي نفسه: "الكف" والذي ضم وقتها 57 رسماً، جميعها بالحبر الاسود. حينها، أعلن داوستاشي ان معرضه هذا سوف يكون آخر معارضه الفنية على الإطلاق. ويقول الفنان عن ظروف هذا الإعلان الغريب: "كنت صادقاً في أن أواصل الابداع الفني، ولكن دون تقديمه في معارض لا يراها احد، ولا يهتم بها النقاد، ولا تحقق لي اي عائد مادي، وقتها كتب عن موقفي هذا الفنان الكبير "حسين بيكار" في جريدة الاخبار المصرية، بتاريخ 31 أيار مايو 1974، مقالاً جعلني اتراجع عن قراري هذا، وأواصل عرض أعمالي في معارض خاصة تجاوزت حتى الآن خمسين معرضاً، في مصر والخارج. والآن، بعد مرور خمسة وعشرين عاماً تقريباً على هذا الحدث، يسعدني ان اهدي معرضي هذا، الذي يضم عشرين رسماً مختاراً من معرضي القديم، إلى فناننا الكبير "حسين بيكار".
إضافة الى هذه اللوحات أو الاسكتشات العشرين، المرسومة جميعها بالحبر الاسود، هناك عشرون عملاً آخر تتعامل مع مساحات لونية وزيتية مختلفة، جميعها مقاس 60 × 80 سم، برؤية مغايرة في مساحات لونية وإضافات شكلية، قد تكون سلبية او إيجابية - كما يقر بذلك الفنان نفسه - نستشعرها عند المقارنة بين الرسم واللوحة الزيتية.
فوق ذلك، تبقى لدينا مجموعة من الملاحظات المبدئية على اعمال داوستاشي الاخيرة، والتي تغطي مرحلة مهمة من مشواره الفني الطويل، تمتد بداية من العام 1973، وانتهاءً بالعام 1998. اولى هذه الملاحظات ان دواستاشي يبنى عمله الفني - وهو ما ينطبق على لوحاته الزيتية فقط - اتكاءً على حشد لوني فانتازي في غالب اللوحات، يلقي بالعمل كاملاً على ضفاف وحواف الاسطورة الشعبية المصرية، كما نجدها بخفة وشفافية وعمق لدى كل من حامد ندا وحلمي التوني. يزيد من هذه الفانتازيا عشرات من التيمات المعتادة في الحكاية الشعبية المصرية، مثل: العين الفرعونية - الهرم - الدائرة - مفتاح الحياة - التمساح - الهلال - خمسة وخميسة - السمكة - النجمة، اضافة الى تنويعات عديدة لشكل "الكف" المحور الرئيسي في معرضنا هذا.
ثانية هذه الملاحظات، أنه على رغم ان المعرض بكامله يجئ تحت عنوان "الكف"، إلا أن جميع اللوحات لا تخلو من التعامل مع تيمة "البورتريه"، وهي التيمة الاصيلة لدى داوستاشي منذ بدايته العام 1967، بعد تخرجه في كلية الفنون الجميلة بالاسكندرية، بل ومن قبل ذلك ايضاً، كما ظهر في معرضه الاول قبل تخرجه في عام 1962.
استفادة "داوستاشي" من تقنيات البورتريه هذه تختلف وتتباين من لوحة إلى أخرى. فتارة نجده مُصراً على التعامل مع البورتريه بأكبر قدر من "الفوتوغرافية التخطيطية"، وتارة نجده مستفيداً من الجداريات الشعبية في رسوم الوجوه المزخرفة، فنجد الوجه يتخذ أحياناً شكل البدر، وأحياناً شكل الكف او الهلال، وأحياناً أخرى يكون بيضاوياً وذا لون أخضر، وذلك في استعادة صريحة للموروث الحكائي والاسطوري الشعبيين. هاتان الملاحظتان تجعلاننا امام ثالثة، تؤكد على الجو الشعبي الفانتازي لدى عوالم داوستاشي التشكيلية، ألا وهي حرصه على التعامل مع النص المكتوب والمتداخل في - وعلى - نسيج السطح التشكيلي، ما يجعلنا نستطيع التأكيد على استفادة داوستاشي من الجداريات الشعبية في البيوت المصرية. ففي أحد اسكتشاته المرسومة بالحبر الاسود يكتب: "سمعتُ صوتاً هاتفاً في السحر - نادى من الغيب غفاة البشر - هبوا املأوا كأس المنى / قبل ان تفعم كأس العمر كف القدر".
وفي إحدى لوحاته الملونة، يكتب عصمت داوستاشي: "كان هناك مركب.. لم يعد أبداً"، وكأن العمل الفني لا يكتمل او يتم الا بهذا النص المكتوب، استكمالاً للاستفادة من ينبوع التيمات الشعبية التي تتداخل وتتقاطع، لتنتج نسيجاً جديداً من التصوير الشعبي المتداخل مع الحياة اليومية في مصر اليوم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.