لو لم يتعرض العراق للضربات الأميركية والبريطانية لكان قيل وبكل يقين إن 1998 كان عام جنوب آسيا وأفغانستان، إذ استقطبت المنطقة أنظار الإعلام العالمي من خلال التفجيرات النووية الهندية والباكستانية أواخر أيار مايو ومطلع حزيران يونيو الماضيين، الأمر الذي أضاف قوتين نووييتين إلى النادي النووي العالمي الذي ظل حكراً على الدول الخمس والدائمة العضوية في مجلس الأمن منذ الحرب العالمية الثانية. أما الحدث الآخر، وربما الأهم في تداعياته الدولية كونه شرّع لشريعة الغاب في قصف أهداف يشتبه في أنها تأوى ارهابيين، إذ تعرضت أفغانستان لحوالى 80 صاروخ كروز أميركي، رداً على ما تعتبره واشنطن ضلوع الثري العربي أسامة بن لادن في تفجير سفارتي واشنطن في نيروبي ودار السلام، وهو ما خلّف 224 قتيلاً. ورغم ان واشنطن ذاتها لم تجزم بضلوع أبن لادن في الحادثتين، إلا أنها وجهت صواريخها إلى افغانستان المدمرة أصلاً وغير القادرة على الرد بكل تأكيد. ولا بد من الإشارة إلى تداعيات التفجيرات النووية في الهند وباكستان والعقوبات التي فرضها الغرب على البلدين والتي خلقت أزمة اقتصادية خانقة فيهما. إلا أن التأثير كان مدمراً على باكستان التي سعت طويلاً وبشكل محموم لاقناع واشنطن وصندوق النقد الدولي بتقديم بعض القروض التي تمكنها من سداد فوائد ديونها التي تتجاوز 30 بليون دولار. ولم تعد زيارة رئيس وزراء باكستان نواز شريف أوائل كانون الأول ديسمبر الماضي إلى واشنطن بكثير من الفائدة على بلاده سوى الاعلان عن موافقة الإدارة الأميركية على تعويض الباكستانيين ثمن طائرات ال "اف - 16" الذي دفعوه دون أن يحصلوا عليها، عقاباً لهم على برنامجهم النووي. وكادت إسلام آباد أن تتحول إلى ضحية للغارات الأميركية - البريطانية على العراق، إذ أن رئيس الوزراء الروسي يفغيني بريماكوف لم يعثر على وسيلة للرد على تجاهل واشنطن لبلاده، سوى دعوته خلال زيارة لنيودلهي إلى تشكيل مثلث استراتيجي يضم روسيا والصين والهند، مبشراً بأن هكذا مثلث سيكون نافعاً للأطراف الثلاثة. لكن عرضه جوبه برفض صيني قاطع دفعه إلى التراجع عن دعواته حين قال إن الصحافة "أساءت فهم" تصريحاته. وإذا كانت العداوة الصينية - الهندية التقليدية أبعدت عن إسلام آباد شبح قيام مثل هذا التحالف الثلاثي، فإن الاتفاق الدفاعي المشترك الذي وقعته موسكوونيودلهي ابقي مخاوف باكستان من مخاطر على أمنها القومي. وينص الاتفاق الدفاعي الروسي - الهندي ب "الشراكة الاستراتيجية" على تزويد موسكونيودلهي ما قيمته 16 بليون دولار خلال العقد المقبل بدءاً من غواصات نووية وطائرات "سوخوي 30" إلى أجهزة الانذار المبكر ودبابات متطورة. ويقول المسؤولون في إسلام اباد إن هذا سيدفع المنطقة إلى أجواء الحرب الباردة، وسباق التسلح، بينما يسعى العالم إلى تخفيف بؤر التوتر في مناطق أخرى من العالم. ولم تكن بنغلاديش هي الأخرى بمنأى عن الأحداث، لكن أخبارها قديمة جديدة تنحصر في التنافس بين "البيغوم" والشيخة وهو تطور تطغى عليه أنباء الفيضانات التي تحصد سنوياً الآلاف من الضحايا، فضلاً عن الخسائر المادية. وعندما ترتاح البلاد من الفيضانات، تعود أخبار "العصيان والاضرابات" التي تشكل وجهاً من وجوه الصراع بين السيدتين والذي يمكن أن يقال إن الشيخة حسينة كسبت جولة فيه بعد محاكمة قتلة والدها مجيب الرحمن مؤسس الدولة. "طالبان" وعام من المواجهة وبين التفجيرات النووية التي خلقت وضعاً جديداً في المنطقة وبين ضربات كروز الأميركية، كان الشمال الأفغاني البعيد عن قبضة "طالبان" يغلي بانتظار نضوج الطبخة. وأسفر ذلك مع نهاية آب اغسطس عن سقوط مزار الشريف معقل التحالف الشمالي المناهض للحركة في أيدي قواتها التي واصلت تقدمها إلى معاقل حزب الوحدة الشيعي في وسط أفغانستان بولاية باميان. وفرّ قادة الشمال جميعاً إلى الدول المجاورة، ولم يبق في مواجهة الحركة سوى القائد الطاجيكي أحمد شاه مسعود الذي تحصن في وادي بنجشير شمال كابول في ولايات أفغانية ثلاث توفر له الاتصال بجمهورية طاجكستان المتهمة بتقديم الدعم والمساندة إلى قواته. لكن سقوط الشمال الأفغاني لم يخل من منغصات ل "طالبان"، أتت بفوائد لمعارضيها، حين قتلت عناصر الحركة في مزار الشريف تسعة من الديبلوماسيين الإيرانيين وصحافي إيراني، ما وتر العلاقة بين قندهار وطهران، وزاد الأمور توتراً رفض "طالبان" الاعتذار وتسليم القتلة إلى طهران لمحاكمتهم هناك، الأمر الذي دفع بالوضع إلى حافة الانهيار وتعالت الصيحات منذرة بصدام قد يتطور مذهبياً، ولكن دخول المبعوث الدولي إلى افغانستان السيد الأخضر الإبراهيمي على الخط مكنه من نزع الفتيل، إذ كانت طهران دفعت بربع مليون من جنودها تساندهم الدبابات والطائرات والمدفعية إلى الحدود الأفغانية، ونفذت مناورات قيل إنها الأضخم من نوعها في تاريخ الجمهورية الإسلامية الإيرانية. ورغم كل هذا التوتر الذي حصل بين الطرفين، إلا أن طهران قامت بارسال وفود إلى قندهار وجلال آباد وكابول في مهمة قيل إنها تهدف إلى تفقد المكاتب الإيرانية في المدن الأفغانية. غير أن مصادر "طالبان" تؤكد ان قضايا سياسية بحثت مع الوفد الإيراني اثناء الاجتماعات السرية التي جرت في هراة على الحدود مع إيران.