لا يمكن فصل الموقف السوري من الازمة القبرصية عن محوري العلاقة التركية - الاسرائىلية والعلاقة السورية - اليونانية، وتنظر دمشق الى الأزمة من زاوية طبيعة المزاج السياسي مع انقرة الذي يزداد سوءاً منذ سنوات نتيجة الملفات العالقة العديدة القائمة بين البلدين في مجالات المياه والأمن والحدود والأراضي والوضع الإقليمي والصراع العربي- الاسرائىلي. وبعد ثلاث سنوات من توقف اللقاءات المباشرة اقترحت تركيا على سورية مبادرة لاستئناف الحوار السياسي، فأرسلت في شباط فبراير الماضي رئيس إدارة الشرق الاوسط في الخارجية التركية كوركت تسيترغه في أول لقاء مباشر بين مسؤولي البلدين من العام 1995، الذي مهد بدوره الى لقاء وزيري الخارجية السوري فاروق الشرع والتركي اسماعيل جيم على هامش اجتماع وزراء خارجية منظمة المؤتمر الاسلامي في الدوحة منتصف آذار مارس الماضي. وتنتظر دمشق حالياً ان تحدد الخارجية التركية موعداً لزيارة مسؤول سوري أنقرة ردّاً على زيارة تسيترغه على ان تمهد لمحادثات بين جيم والشرع في دمشق، ولقاءات بين وزيري الداخلية وضباط الأمن وخبراء المياه. وجاءت المبادرة التركية بعدما استطاعت سورية الحصول على دعم عربي - اسلامي في قمة طهران الاسلامية بعزل تركيا ما أدى الى مغادرة الرئيس سليمان ديميريل العاصمة الايرانية قبل انتهاء الاجتماعات، بسبب معارضة الدول الاسلامية التعاون العسكري التركي - الاسرائىلي واعتقادها بأنها تهدد أمن الدول العربية وخصوصاً سورية. كما جاء التوجه التركي للحوار مع سورية بعد رفض الاتحاد الاوروبي عضوية تركيا فيه. على هذه الخلفية يمكن فهم الموقف السوري من الأزمة القبرصية، اذ ان نيقوسيا هي نقطة اللقاء اليوناني - السوري، اذ ان أثينا كانت البوابة السورية الى تخفيف التوتر مع الدول الأوروبية عندما كانت تلك الدول تفرض حصاراً على سورية وترفض تحسين علاقاتها في الثمانينات الى مطلع التسعينات. ولعب "التحالف" بين القيادة الحزبية السورية وحزب "باسوك" اليوناني دوراً ايجابياً امتد الى مطلع العام 1994 عندما كان الحزب الحاكم في فترة رئاسة اليونان للاتحاد الاوروبي. ودفعت هذه العلاقة الجيدة السورييين الى متابعتها حتى بعد خروج "باسوك" من الحكم اذ حظي وزير الخارجية اليوناني السابق خلال زيارته الاسبوع الماضي الى دمشق بدعم سورية، وبلقاءات مهمة مع كبار المسؤولين. ويدل ذلك على الرغبة السورية في تحقيق توازن في ضوء "التحالف العسكري" بين أنقرة وتل أبيب الذي بدأ في شباط العام 1996 وتطور الى حد إجراء مناورات بحرية مشتركة برعاية أميركية. ولم تكتف دمشق بالقفز عبر الحدود الى شدّ خيوط "التحالف الاستراتيجي" مع طهران بل انها فتحت الأبواب أمام رياح التطبيع مع العراق في آيار مايو الماضي. والأهم من ذلك أنها حافظت على حسن علاقاتها مع أثينا على رغم التغير في الحكومة نتيجة انتخابات العام الماضي، على أساس أن ما يجمع بين اثيناودمشق من مصالح أكبر من الصراع الحزبي. يذكر ان الاتراك أشاروا في صدد دفاعهم عن "التحالف العسكري"، الى وجود "تحالف" مماثل بين سورية واليونان واتفاقات عسكرية عدة، الأمر الذي نفاه الجانبان. وكان آخر ذلك نفي وزير الخارجية اليوناني تيودور يانغالوس. وبقدر ما تحتاج دمشق لدعم يوناني، فإن أثينا تحتاج الى دعم سوري ضد تركيا في سياستها القبرصية منذ دخول الجيش التركي شمال قبرص في العام 1974. وكأن ما يجمع دمشقوأثينا هو العداء لتركيا والتخوف من "التحالف العسكري" بين أنقرة وتل أبيب واعتقادهما انه موجه ضدهما أساساً. لكن في الوقت نفسه فإن السوريين غير معنيين في تصعيد التوتر مع تركيا في هذه المرحلة كي لايحققوا فعلاً ما يسعى اليه الاسرائيليون بأن يكونوا بين "فكي كماشة" اسرائىلي في الجنوب وتركي في الشمال. لذلك تجاهل المسؤولون ووسائل الاعلام الرسمية الأزمة القبرصية في الفترة الاخيرة حين شهدت ارتفاعاً في التوتر بين أنقرة و أثينا بعد زيارة أربع طائرات عسكرية يونانية قاعدة بافوس القبرصية، وموافقة زعيم القبارصة الأتراك رؤوف دنكطاش على تحرك مماثل سريع وقيام ست طائرات عسكرية تركية ف - 16 بالهبوط في مطار جيتشيتكالي بالتركية وليفكونيكو باليونانية. كما اعتبر رئيس الوزراء التركي مسعود يلماظ أن وصول طائرات يونانية ونشر صواريخ "س - 300" في قبرص عدواناً على تركيا. في حين قال مسؤول قبرصي - يوناني ان التحركات التركية "غير مشروعة" وان نيقوسيا ستحتج لدى الهيئات الدولية على انتهاكات مجالها الجوي. وتقول أوساط سورية ان العلاقات اليونانية - التركية "تتسم بكثير من الحساسية والدقة نتيجة خلافات إقليمية وتاريخية عديدة" على اساس ان "جوهر المشكلة" يبدأ منذ إقامة حكومة للقبارصة الأتراك في الجزء الشمالي للجزيرة، الأمر الذي "لا يزال يثير صراعاً متنامياً بين أنقرةوأثينا التي تدعم وحدة قبرص". واشارت الى ان "تركيا التي منيت بخيبة أمل بسبب عدم موافقة الاتحاد الأوروبي على انضمامها إلى عضويته تدرك بأن اعتراضات اليونان ضدها لدى الأوروبيين لعبت دوراً مهماً في التأثير على موقف الإتحاد الأوروبي السلبي منها"