انتقدت وزارة الثقافة والإرشاد الاسلامي في ايران أمس النيابة العامة والشرطة لپ"تدخلهما في شؤون الصحافة"، وحذرتهما من الممارسات "غير القانونية" ومن اتخاذ اجراءات تفتقد "الصواب". وطالبت المسؤولين في السلطة القضائية وقوى الأمن الداخلي بتقديم توضيحات في شأن المراقبة المسبقة لثلاث صحف تحت الطبع قبل أيام، وشددت على ضرورة ان تكون التوضيحات للرأي العام "ذات طابع علني". وتعود القضية الى ليل الثلثاء الماضي، عندما اقتحمت قوات من الأمن الداخلي مقر احدى المطابع في العاصمة بعدما حصلت على تصريح قانوني بالتفتيش من النيابة العامة لمحكمة طهران، وتطبع هذه المطبعة صحف "ايران" حكومية تصدرها وكالة الأنباء الايرانية و"همشهري" المواطن القريبة من جماعة المثقفين الدينيين. وتميزت هذه الصحف، خصوصاً "همشهري" و"جامعة" خلال الأزمة السياسية الأخيرة التي تفجرت بعد اعتقال رئيس بلدية طهران غلامحسين كرباستشي، بتوليها حملات اعلامية - سياسية تدافع بقوة عن عمدة العاصمة وتنتقد السلطة القضائية واليمين المحافظ الذي يتردد في طهران انه يهيمن على اجهزة القضاء واتهم في الأزمة الأخيرة بأنه كان وراء ما حدث وبأنه "سخر" السلطة القضائية "لتصفية حسابات سياسية" مع الاصلاحيين الملتفين حول الرئيس سيد محمد خاتمي. ويُذكر ان الحكومة انتقدت بشدة قرار اعتقال كرباستشي، عضو مجلس الوزراء، كما ان وزارة الداخلية قادت حملة تعبئة "مدنية قانونية" ضد استمرار الاعتقال لكن قوى الأمن الداخلي لا تخضع لسلطة وزارة الداخلية، ولم يمنح مرشد الجمهورية الاسلامية القائد الأعلى للقوات المسلحة صلاحياته لوزير الداخلية حتى الآن للاشراف على قوى الأمن الداخلي والشرطة. وفي حملة معاكسة على "الضغوط" التي مارستها النيابة العامة والشرطة على بعض الصحف اخيراً، وبعد أيام قليلة من الافراج عن كرباستشي، انتقدت وزارة الثقافة والارشاد الاسلامي بشدة "أية محاولات للضغط على الصحف أو مراقبتها". وأشارت في بيان رسمي الى ان قوات امنية كانت تحمل تصريحاً من النيابة العامة، مارست رقابة مسبقة على الصحف الثلاث وهي تحت الطبع عشية الافراج عن كرباستشي، ودققت العناصر الأمنية في ما اذا كانت هذه الصحف ستنشر نبذة شخصية عن رئيس البلدية أو ملحقاً خاصاً بالقضية. وهو ما حدا بمساعد وزير الارشاد لشؤون الصحافة والاعلام الى تأكيد انه "لا يحق لأية جهة رسمية حكومية أو غير رسمية ان تمارس ضغوطاً على الصحف أو تفرض رقابة عليها وتحذف ما لا يروق لها قبل نشره في الصحف". وأشار الى قانون المطبوعات الذي يوفر "حماية" للصحف ويحدد كيفية متابعة الصحف وملاحقتها في حال ارتكبت مخالفات قانونية، وشدد على "وجوب ان تحترم كل الأجهزة والمؤسسات القوانين وما كفله الدستور من حرية الصحافة والنشر والتعبير عن الرأي طالما لم تعتد على احكام الاسلام أو الحقوق العامة". وحذرت الوزارة "المسؤولين في السلطة القضائية وقوى الأمن الداخلي من أي تجاوز للقانون". وطالبتهم بتقديم "توضيحات لأسباب ما حصل بصورة علنية للرأي العام". وبدا موقف وزارة الارشاد مما جرى منسجماً مع سياستها المعلنة الهادفة الى دعم الصحافة وتعزيز موقعها في البلاد وما تتمتع به من حرية، لكن الدلالة السياسية الرمزية لتعليقها المنتقد تبدو مرتبطة بما آلت اليه قضية اعتقال كرباستشي، اذ يرى أنصار خاتمي ومؤيدو الحكومة انهم كسبوا المعركة الأخيرة وان الافراج عن عمدة طهران، رغم وعيد المحافظين وتصلب الأجهزة القضائية المشرفة على الملف يعتبر "صفعة قوية" للمحافظين الذين "لا يدركون حقيقة التطورات في المجتمع والبلاد وقللوا من قوة الاصلاحيين المؤيدين لخاتمي ولم يتصوروا ان القائد المرشد يمكن ان يتدخل بنفسه في الموضوع ويحسمه بصورة أو أخرى". كذلك ان موقف وزارة الارشاد الذي يدين بوضوح قرار النيابة العامة القضائية وتصرف قوات الشرطة يلي اعلان مسؤوليها انهم راجعوا حسابات الصرف في الوزارة في المرحلة السابقة عندما كانت تحت اشراف المحافظ مصطفى مير سليم ووجدوا "تحويلاً" لما يزيد على خمسة ملايين دولار لحساب الحملة الانتخابية الرئاسية لمرشح المحافظين علي أكبر ناطق نوري، علماً بأن كرباستشي اتهم بتحويل نحو مليون دولار لحساب الحملة الانتخابية البرلمانية لأنصار الرئيس السابق أكبر هاشمي رفسنجاني قبل عامين. خاتمي والجيش من جهة اخرى، أكد الرئيس الايراني سيد محمد خاتمي في كلمة لمناسبة يوم الجيش أمس ان بلاده "لا تسعى الى هيمنة في الخليج والمنطقة" و"باتت تملك قدرات عسكرية تمكنها من الدفاع عن الثورة الاسلامية والاستقلال"، مشدداً على ان القوات المسلحة الايرانية المؤلفة من الجيش و"الحرس الثوري" موالية للنظام في شكل "مطلق". وتحدث خاتمي في ساحة الحرية جنوبطهران حيث أقيم عرض للقوات الجوية والبحرية والبرية التابعة للجيش، شاركت فيه للمرة الأولى وحدة من الخيالة، وقال ان "الجيش والحرس هما قبضتا القائد اية الله علي خامنئي والشعب القويتان في الدفاع عن قيم الثورة الاسلامية". وحذر "أعداء الثورة" مؤكداً ان "القوات المسلحة الايرانية ستدافع بكل قوتها وامكاناتها عن الثورة والجمهورية الاسلامية في وجه المؤامرات المشؤومة". لكنه شدد على ان بلاده تريد ان تكون "قدوة ونموذجاً لبقية الدول وليست لدينا أي تطلعات للهيمنة على الآخرين، ونريد فقط ان نكون دولة قوية". وزاد ان ايران "لا تسعى الى هيمنة في الخليج والمنطقة". وأشار خاتمي الى مرحلة الحرب مع العراق 1980 - 1988 وقال ان ايران "لا تُهزم". ودعا الرئيس الذي كان محاطاً بوزير الدفاع وكبار قادة الجيش والقائد العام لپ"الحرس الثوري" الى بناء الجيش "على قواعد علمية وحديثة وان نبلغ مرحلة الاكتفاء الذاتي في تلبية الحاجات العسكرية". واللافت ان خاتمي كرر مرات عبارة "التلاحم الكامل بين القيادة والقوات المسلحة والشعب"، وخلا كلامه من عبارات التحذير والوعيد الموجهة الى "الأعداء"، ولم يجدد انتقاداته للقوات الأميركية والحليفة في الخليج.