كانت تركيا في أواخر الخمسينات وأوائل الستينات قاعدة تخويف لسورية وضغط عليها عندما كان الاتحاد السوفياتي والدول التابعة له في أوروبا الشرقية من جهة، والدول الغربية وتلك الدائرة في فلكها في "الشرق الأوسط" من جهة أخرى تخوض واحدة من أحلك فترات الحرب الباردة. وفي الأمس، كاليوم، كانت اسرائيل عنصر توتر في المنطقة، لكنها لم تكن قوية عسكرياً ومنتشرة ديبلوماسياً كما هي اليوم ولم تكن علاقتها بتركيا، وهي قديمة، قد كرست في شكل علاقة تحالف عسكري كما هي الحال اليوم. وفي تلك الأيام كانت المشكلة الكردية قائمة بعناصرها الحالية لكنها لم تكن قد تفجرت بعد، خصوصاً بالنسبة الى تركيا التي لم تكن تسمح للأكراد بالتعبير عن هويتهم الثقافية أو حتى باستخدام لغتهم عبر الأثير. ان التوتر المتجدد بين تركيا وسورية هذه الأيام يدفع الى التساؤل عما استجد فأدى الى التصريحات المنذرة بالخطر الصادرة عن قادة عسكريين أتراك كبار وعن ساسة أتراك من مستوى الرئيس سليمان ديميريل فما دونه، والموجهة تحديداً الى سورية. ان أحداً في العالم العربي، خصوصاً في سورية، لا يمكن أن يصدق الكلام الذي يحاول به الرسميون الأتراك تبرير العلاقة العسكرية الاستراتيجية بين تركيا واسرائيل أو تصويرها كما لو كانت مماثلة لعلاقات ثنائية مماثلة مع دول أخرى كثيرة. اذ متى ولمن سمحت تركيا من قبل باستخدام اجوائها لتدريبات يقوم بها طيارون حربيون أجانب، باستثناء طياري سلاح الجو الاسرائيلي؟ من حق تركيا بالطبع ان تتعاون عسكرياً مع من تشاء ولن تستطيع أي جهة منعها من التعاون مع اسرائيل ولكنها لا يمكن أن تقنع أحداً بأن هذه العلاقة بريئة أو غير موجهة ضد طرف ثالث. انها علاقة سيئة وخطرة من المنظور العربي وتتخطى المبادلات الدفاعية المعهودة بين الدول وتتجاوزها الى المشاريع الصناعية العسكرية المشتركة والتدريبات وتقاسم معلومات الاستخبارات في أجواء الشرق الأوسط المشحونة بالتوتر بسبب غطرسة القوة الاسرائيلية وتصميم حكومة بنيامين نتانياهو على عدم إعادة الأراضي العربية المحتلة بالقوة منذ حزيران يونيو 1967 الى اليوم باستثناء سيناء. ومع أن تركيا عضو في حلف شمال الأطلسي، واسرائيل لم تكن أبداً بعيدة عن هذا الحلف برغم انها ليست عضواً فيه، فإن العلاقة العسكرية التركية - الاسرائيلية تكاد تطغى هذه الأيام على "انتماء" تركيا الأطلسي. ومع ان أقل ما يمكن أن يقال عن اختيار "ناتو" لواء الاسكندرون هاتاي مكاناً لمناوراته الحالية هو انه اختيار سيء، فإن هذه ليست في ما يبدو نهاية القصة. ذلك ان تركيا تعلن الآن أنها ستتبع هذه المناورات بمناورات لقواتها المسلحة في المكان نفسه وقربه على الحدود التركية - السورية. هل هناك من وصف آخر غير الاستفزاز يمكن أن ينطبق على هذا التصرف التركي؟ انه نابع هذه المرة من عنصرين اولهما المعروف القديم وهو محاولة تركيا تصدير مشكلتها الكردية، لكن الثاني جديد وأخطر، ألا وهو التحريض الاسرائيلي