استيقظ السيد حسن نصر الله من النوم بعد أن آتاه وحياً؛ ليبلغه بالخروج وهو يرتدي هذه المرة عباءة التقية. تحدث كثيراً كعادته، وسقط كثيراً أيضاً كعادته، في خطابه المتلفز، ولا يمكنني أن أنسى علامات الورع والتقوى المرتسمة على «جبهته» وهو يتحدث عن الشعوب العربية، ويتباكى على الشعب البحريني. كيف لي أن أنسى (السيد) وهو يتحدث بأسى عن تناولنا لظروف اختبائه! فكم نحن قساة على هذه الرموز التي تشجع الآخرين على الموت لتعيش؟! نعم أليس هذا ما قاله (السيد)؟ ألم يبرر اختباءه بأنه مستهدف ومطلوب رأسه ومهدد؟! حسناً مادمت كذلك ما الذي يدفعك لتحريض المواطنين على الانتحار وإشاعة الفوضى والدمار؟ ولِمَ تحفزهم بالقول إن «جراحهم ودماءهم ستهزم الظالمين والطواغيت»؟ مادام الجهاد يجب أن يبقى أسير الخندق! ثمة أمر لا نفهمه، فإما أن نكون كاذبين وملفقين، وإما أن الكاذب والملفق هو حسن نصر الله ذاته! بالأمس يهدد ويتوعد وينتقد ويوزع التهم جراء ما يحدث في البحرين، في المقابل عُقد لسان السيد أمام الإبادة التي تحدث في سورية، على بعد مرمى حجر من مخبئه، تمنيت أن يخرج ولو بكلمة على الأقل توضح أن للرجل مبادئ، بيد أن تلك المبادئ تلاشت، وبدلاً من التعامل بعقلانية مع المستجدات التي يشهدها العالم العربي، فضّل الانتقائية بطائفية مقيتة أظهرت ملامحه حتى وهو يتوارى في جحره! كانت أمام نصر الله فرصة ذهبية لاستعادة شعبيته في الشارع العربي، بل وتعزيزها أضعافاً مضاعفة، وكنتُ سأكون أول المصفقين له لو خرج على الملأ وألقى كلمة يدعم من خلالها الشعب السوري، ويدين الإبادة التي يتعرض لها على يد نظام يتعامل بفاشية مع أبنائه، وحتى لو كانت تلك الكلمة فارغة على غرار الخطب التي يلقيها، كنت سأصفق له أيضاً، بيد أن الرجل اتضح ضلاله وازدواجية المعايير التي يتبعها، فهل يجرؤ أحد على الخروج اليوم ليدافع عن نصر الله، ويقول إنه وطني شريف وليس عميلاً لإيران؟ لا أعتقد، فاللعب أصبح على المكشوف ولا يمكن «ليْ عنق الحقائق» أكثر من ذلك. وبالنسبة لي، موقف نصر الله ليس مفاجئاً، وأعلم أنه ليس كذلك للعقلاء الذين كانوا يقرؤون طائفيته، وأيضاً اتضح أن عزلته في الخندق أفقدته أدوات السياسة التي يجب أن يتحلى بها، وهو يتربع اليوم على قمة الغالبية المفترضة في لبنان، فالمحنة التي يعيشها النظام السوري لا تقتصر عليه فقط بل تمتد إلى إيران مروراً بخندقه، والمتابع للأوضاع يدرك أن سقوط النظام السوري سيعيد الدور الإيراني إلى المربع الأول، إذ إنه سيفقد هيمنته على أطراف البحر الأبيض المتوسط عبر سورية، بخلاف أنه فقد دوراً كان يحلم به طيلة عقود للسيطرة على الخليج بعد إحباط مخططاته في البحرين، وبتلاشي الهيمنة الإيرانية الهلامية، سيتحول حزب الله إلى مجموعة من الجرذان تجوب الضاحية الجنوبية بلا حول ولا قوة، وهذا مفهوم ويمكن استيعابه، لكن على الجانب الآخر، سعى الحزب إلى إثبات حرصه على قضايا الشارع العربي، ولوهلة حصد نصر الله تعاطفاً شعبياً عارماً، ما لبث أن تلاشى تدريجياً مع تكشف المواقف وخذلانها، لتتضح عورته تماماً مع الأحداث الجارية في سورية، وخلال الفترة المقبلة سيدرك نصر الله حجم الغلطة التي وقع فيها، إذ إن النظام السوري يحتضر اليوم، وعلى رغم أن الكثيرين حذروا ذلك النظام من السقوط، لكن غروره وصلفه ومكابرته أوصلته إلى هذه النتيجة التي يتضح أنها باتت حتمية. واللافت أن الأسد الابن كان يتباهى بأن بلاده ليست تونس أو مصر. كنا نتمنى أن تكون مثل مصر وتونس؛ حفاظاً على أرواح الأبرياء التي سقطت؛ لكن الرئيس السوري كان كمن يعيش في كوكب آخر، لم يستفد ممن سبقوه سوى في كيل الاتهامات للدول على وزن «مؤامرات وسلفيين وقنوات فضائية»، وفق هذه الرؤية؛ فإن احتضار النظام السوري هو موت ل «حزب الله» وإيران من خلفهما، ما يعني أن الثمن سيكون مرتفعاً جداً، وسيأتي الوقت الذي يقارن فيه السوريون جرائم الأسد الابن، مستذكرين الجرائم التي ارتكبها الأب في حماة وتدمر، ليرددوا «الله يحلل الحجاج عند ولده»، في وقت سيبقى نصر الله وآلته الإعلامية يحملون الضغائن والأحقاد والدسائس والفتنة ويرددون «سلمية سلمية»...! [email protected]