وجدت الأسبوع الماضي وأنا في مصر شيئاً يتفق عليه «عواجيز» السياسة وشبابها هو ان الفساد في النظام السابق كان أوسع وأعمق وأكثر من المعروف عنه والمتداول، ويبدو انه لن ينجو أحد من المسؤولين السابقين من المساءلة أو المحاكمة. وبما ان سقف الحرية للميديا ارتفع أو طار، فإن أخبار الصحف المصرية من نوع لم أتصور في حياتي أن أقرأه، وقد اخترت ان أراجع المنشور على مدى الأسبوع لأرى كيف استفادت وسائل الإعلام من مساحة الحرية الجديدة المتاحة، وهل أساءت الاستخدام. كنت توقفت عند خبر في رأس جريدة «الأخبار» ضمن إطار يقول: «هذا المجرم قتل 30 مواطناً اعدموه» والكلمة الأخيرة بحرف كبير بارز. ووجدت ان المقصود ضابط أطلق النار على المتظاهرين، والجريدة سبقت قرار الاتهام والحكم مطالبة بإعدامه، وهذا كان يكفي في الغرب لإلغاء المحاكمة، ثم نقلها الى مدينة أخرى، لأن التحريض على متهم يعني انه لن يحصل على محاكمة عادلة. في الجريدة نفسها، وفي اليوم نفسه، قرأت خبراً عن تظاهر طلاب من الأزهر طلبوا إقالة الدكتور محمد رضا، عضو هيئة التدريس في الجامعة، لأنه وصف رسول الله بأنه «اكبر علماني». ومع ان الدكتور رضا قال في اليوم التالي أنه لا يذكر متى قال الكلام المنسوب اليه أو أين، فإنني تعاملت مع الموضوع من زاوية حرية الكلام لأن الطلاب الذين تظاهروا ضد الأستاذ كانوا تظاهروا في الأسابيع السابقة ضد النظام وطلباً للديموقراطية، وعندما حصلوا على الحرية كاملة لم تتسع لرأي آخر، مع ترجيحي ان الأستاذ قصد أن نبي الله كان أيضاً قائداً عسكرياً وسياسياً. في المقابل كانت تغطية «الوفد» من نوع تصفية حسابات أكثر منها أخباراً، وقرأت «الإعدام عقوبة مبارك وجمال والشريف وسرور وعزمي»، وهذا طبعاً قبل قرار اتهام، ناهيك عن إدانة، وان رجال مبارك مجموعة من «لصوص المماليك»، و «علاء لص محتال» و «مصر حكمها طبّال ووزراء لم يحصلوا على الإعدادية»، وأيضاً ان سبعة وزراء «دفعوا رشوة دخول الوزارة لجمال مبارك». وما سبق هو أقل من نصف العناوين في الصفحة الأولى يوم الخميس. «المصري اليوم» قالت الجمعة ان «مبارك ورجاله يتساقطون». أما «الشروق» فقالت في اليوم نفسه «محكمة الشعب تصدر حكمها على مبارك وأعوانه» وان نظيف يقترب من سجن «المزرعة»، وزكريا عزمي في «الكسب غير المشروع». وهي تجنبت بمهنية ان تدين أو تصدر أحكاماً وإنما قدمت الأخبار للقراء. وعندما تحدث عنوان لها عن علاء مبارك، وضعت كلمة «لصوصية» بين هلالين صغيرين للتدليل على ان الكلمة ليست رأيها. وقرأت في «روز اليوسف» و «نهضة مصر» التهم نفسها لأركان النظام السابق، ولكن من دون إدانة تسبق المحاكمة. كنت أبدأ كل صباح بقراءة «الأهرام» كما أفعل في لندن حيث أحتفظ بأعدادها الى جانب أعداد «الحياة»، ووجدت أن عميدة الصحافة العربية تتعامل مع الأخبار بمسؤولية ومع المتهمين بإنصاف وبما يعكس «العهد الجديد» في جريدتي المفضلة. وزرت مكاتب «الأهرام» يوماً بعد الظهر وكانت لي جلسة ممتعة مع رئيس التحرير الأستاذ عبدالعظيم حماد، ومعه مديرا التحرير عبدالعظيم درويش وحازم عبدالرحمن، ومراسل الجريدة البارز من البوسنة الى جنوب أفريقيا يحيى غانم. وانتقلت بعد ذلك مع رئيس التحرير لزيارة الأخ لبيب السباعي، رئيس مجلس الإدارة الذي مارس العمل في «الأهرام» إدارةً وتحريراً، واشتهر باستقلال الرأي والجرأة المهنية دائماً. وتحدثنا وسط عبق الزهور من باقات ورد المهنئين، فرئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير في منصبيهما منذ أيام فقط. أعتقد بأن الصحافة المصرية مقبلة على عصر ذهبي من الحرية، وأتوقع أن تقود «الأهرام» المسيرة، مع منافسة كبيرة من الصحف الأخرى مثل «الأخبار» و «الشروق» و «المصري اليوم» وغيرها. ومصر لم تكن يوماً فقيرة في الكفاءات، وانما في ضيق المجالات المتاحة للاستفادة منها. مساء اليوم السابق كنت والزميل محمد صلاح، مدير مكتب «الحياة»، في ضيافة الزميلة سحر عبدالرحمن وزوجها الأخ نبيل عطية، على عشاء ضم العزيزة يُسرى التي اعتبرها زميلة مهنة لأنها لو لم تكن على ذلك القدر من الحسن والإبداع الفني لكانت صحافية، وسرني أن يكون معنا الفنان الكبير يحيى الفخراني الذي كنت قرأت له مقابلة صحافية طويلة قال فيها انه لم يتصور ان يعيش ليرى التغيير ولكن توقعه في عصر أحفاده، وأيضاً زوجته الدكتورة لميس جابر التي ربما يذكر بعض القراء لها مسلسل «الملك فاروق». وجلست الى جانب الأخ منير فخري عبدالنور، وزير السياحة، أتبادل الرأي وبعض المعلومات، و «استجوبت» الأخ نادر جوهر، الذي لعب دوراً قيادياً في ثورة الشباب حتى انه دُعي الى البيت الأبيض. وكان معنا أيضاً الأستاذ عبدالعظيم حماد والصديق القديم الدكتور مصطفى الفقي الذي أريد أن أعود اليه والجامعة العربية وأمينها العام في هذه الزاوية غداً. كان حديثي في مصر على مدى أسبوع عن ثورة الشباب، وهي معجزة، وعن الآمال والطموحات والتوقعات، وهذه لو تحقق نصفها لكان معجزة أخرى. [email protected]