مناخ الحرية بعد ثورة شباب مصر بدأ يعطي ثماره، وأكتفي منها بما أعرف، أي الميديا، وتحديداً الصحافة الورقية، فقد لاحظت بعد زيارة سريعة إلى القاهرة أن الصحف القومية تقدمت، في حين تراجع بعض الصحف الحزبية والخاصة. أربط حسن أداء الصحف مثل «الأهرام» و «الأخبار» و «الجمهورية» برفع سيف الأمن، من نوع مباحث أمن الدولة، عن رقبتها، والتدخل اليومي في عملها، وسقوط المجلس الأعلى للصحافة الذي كان يرأسه السيد صفوت الشريف ويختار رؤساء التحرير. وأنسب تراجع صحف أخرى إلى مناخ الحرية نفسه، فقد وجدت هذه الصحف أنها تستطيع أن تقول «أي كلام» ولا من يحاسبها، ثم إن القائمين عليها ربما يعتقدون أن الإثارة طريق مختصر إلى زيادة المبيعات، وبالتالي الإعلانات، مع أنها تذكرني بالصحف «التابلويد» في لندن، فلم يعد ينقص بعض صحف القاهرة غير صورة غانية عارية في الصفحة الثالثة كما تفعل صحف لندن حيث أقيم. المنافسة المهنية بين صحف مثل «الأهرام» و «الأخبار» من جهة، و «المصري اليوم» و «الشروق» من جهة أخرى، جيدة وستفيد هذه الصحف جميعاً قراءها. غير أنني أكتفي اليوم بما أعرف عن «الأهرام» فأنا أقرأها منذ وعيت القراءة وهي تصل إليّ في لندن، وأحتفظ بأعدادها مع أعداد «الحياة» أما الصحف الأخرى فلا اقرأها إلا إذا زرت القاهرة، أو كانت هناك تظاهرة مليونية، أو ثورة مضادة، فأطلبها على الإنترنت. سررت كثيراً بالحلقات الأخيرة مع الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، فقد عاد إلى عرينه بعد عقود، وذكرني كلامه ببعض ما نسيت. كنت أقرأ «الأهرام» في الستينات لأنها جريدة جمال عبدالناصر ولأن رئيس تحريرها قريب منه وناطق باسمه. وأصبحت بعد رحيل الرئيس وترك الأستاذ رئاسة التحرير أقرأها لأعرف أخبار الحكومة ورأيها في هذه القضية أو تلك. اليوم «الأهرام» أمانة في يد رئيس مجلس الإدارة الأخ لبيب السباعي ورئيس التحرير الأخ عبدالعظيم حماد وكل الزملاء العاملين، وأرجو أن أرى يوماً في المراكز الرئيسية من جيل الشباب. «الأهرام» اليوم ذات صدقية عالية، مع جرأة لا تخفى في معالجة التوترات الدينية والأزمة الاقتصادية الموجودة حتى لو أنكرها بعضهم. ثم أقرأ في صحف أخرى أدق التفاصيل عن ثروة حسني مبارك والسيدة سوزان وابنيهما، مع تحديد اسم كل دولة أخفيت فيها الأموال، وأين ذهبت كنوز القصور الرئاسية، ومتى ستعود باليوم والساعة. بل إنني أقرأ نصوصاً عن أسباب بكاء السيدة سوزان، وحديث هايدي وخديجة وما قالت الواحدة للأخرى، وكأن الكاتب موقوف معهن. ويبدو إضافة إلى كل الأخطاء الحقيقية والمتوهمة للسيد أحمد نظيف انه ارتكب معها خطيئة تقليد الرئيس، فله أيضاً زوجة وولدان، وقد حجزت أموالهم جميعاً على ذمة التحقيق أسوة بأسرة الرئيس السابق. أما ثروة الأخ رشيد محمد رشيد داخل مصر وحدها فتتجاوز بليون دولار وبعض «الفكّة». لا أعتقد أن الكبار المتهمين يتعرضون للتعذيب، غير أنني لا أقرأ خبراً عن مجرم عادي أو لص، إلا وأقرأ في الخبر نفسه انه اعترف وقام بتمثيل الجريمة. هذا يعني انه عُذِب وقد قرأت تحقيقات في الصحف عن استمرار تعذيب المتهمين ما يجب وقفه فوراً. ربما ضمت صحف القاهرة كل يوم بضع مئة مقال، وربما ضاع القارئ بينها، إلا انه إذا صبر سيقع حتماً على ما يفيد، وقد قرأت للصديق والزميل وحيد عبدالمجيد عن الإخوان والسلفيين وهل يلتزمون برامجهما، وللشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي ورأيه أن الإخوان المسلمين يتعاملون مع السياسة كأنها حفلة تنكرية. إلا أن قدرة وحيد وأحمد لا تحتاج إلى شهادتي، فأختار للقراء مقالين أعجبت بهما كثيراً وأبدأ بما كتبت فيروز كراوية تحت العنوان «وما تعريف النخبة إذا لم نكن في قلبها يا أستاذ هويدي»، فقد كان كلامها مركزاً مع منطق واضح ولفتني في البداية أن الكاتبة وصفت نفسها بباحثة ومطربة. وأستطيع أن أثبت لها أنني قرأت مقالها كله، فالفقرة الأخيرة تقول: «فلعل التدليس الإعلامي قد طاول بعضاً منه الجزيرة مباشرة والعربية والحياة اللندنية...» وأسألها أن تعطيني مثلاً عن «تدليس» جريدتي هذه، ثم أحذرها ألا تكون ثورتها طلباً لحرية رأيها وحدها، لا حرية الرأي لنا جميعاً، فيصبح كل ما لا يوافق رأيها تدليساً. أما إسعاد يونس فكتبت تحت العنوان «ال ..هلالا» عن مرشح للرئاسة استضافه أخونا عمرو أديب ومسحت به أرض مراكز الانتخابات في طول البلاد وعرضها، وكانت ظريفة للغاية، فلو كان جمالها بقدر نصف خفة دمها لكانت ملكة جمال مصر. ماذا أزيد؟ أريد تظاهرة مليونية ضد زحمة السير، وفي غضون ذلك رأيت على القناة الأولى من التلفزيون المصري الفيلم القديم «عنبر» بطولة أنور وجدي وليلى مراد مع إسماعيل يس، وشكوكو وبشارة واكيم في اسكتش لبناني. كان الفيلم جميلاً كله ذكرني بما كادت ثورات الغضب أن تنسيني. لم أعد أسأل: أين كنا وأين صرنا؟ صرت أسأل: فين رايحين؟ [email protected]