إن كان الأدب إبن البيئة ويصوّر ما يدور داخل الأديب وينقل واقع ما يعيشه، فإنّ برامج التلفزيون تعكس في شكلٍ عامٍ نقيضَ الوضع النفسي عند الناس. فإذا كان الشعب مرتاحاً ومسروراً ومطمئناً نلاحظ كثرة الأعمال الميلودرامية، وهذا ما حصل مثلاً في العصر الذهبي في لبنان في فترة الستينات حيث لاقت الأفلام الهندية رواجاً كبيراً وإقبالاً شديداً لأنّ الناس لم يجدوا في مجتمعهم ما يسيل دموعهم، فأتت تلك الأفلام لتجعل من دموع النساء «شلالات» تغسل بها مجاري الدموع من أية أتربة أو ميكروبات ولتغذية القرنية وبياض العين، لا أكثر. وعند انتهاء الفيلم كانت النساء يضحكن من أنفسهن ويجدن سبباً للدلال على أزواجهن الذين استطاعوا إخفاء دموعهم. إذن، كان الناس بحاجةٍ إلى خلق توازن بين الحزن والفرح، فكان الفرح يأتيهم من الحياة اليومية أمّا الحزن فمن البرامج التلفزيونية. أمّا اليوم فيمكن أن نلاحظ كثرة البرامج الكوميدية لنعرف بسرعة وضع المجتمع العربي، كما يمكن، على العكس، إلقاء نظرة خاطفة على الشارع العربي لنتأكّد أنّ معظم البرامج يتجه نحو الكوميديا والترفيه. اليوم، «الشعب يريد أن يضحك!»، لذلك عمدت محطات التلفزيون إلى تأمين «ما يطلبه المشاهدون» وبدأت موجة البرامج الكوميدية ترتفع أكثر فأكثر. لن ندخل الآن في شبكة البرامج الكاملة للمحطات اللبنانية بل سنشير فقط إلى البرامج الكوميدية، أي تلك التي هدفها المباشر إضحاك المُشاهد، علماً أنّنا إذا استثنينا نشرات الأخبار والبرامج السياسية فإنّ 90 في المئة من البرامج لها طابع ترفيهي. محطة «أل بي سي» مثلاً التي بدأت عرض البرنامج الانتقادي الكوميدي «بس مات وطن» منذ أعوام أضافت إليه في شكلٍ يومي برنامج «دمى قراطية» بعدما استطاع أن يرسم الابتسامة على بعض الوجوه. ثمّ أتى «بلا مزح» ليُضاف إلى لائحة البرامج الكوميدية على المحطة، ولم يطل الأمر قبل أن تُعاد عملية مونتاج برنامج «كلمنجي» ليصبح «شي هو شي ما هو». أمّا برنامج «8 و14 ونحنا» فلم يخرج من شبكة البرامج بل أعيدَ تجديد شكله وصار «أخبار. كوم». إذن، خمسة برامج كوميدية على محطة واحدة لا تتوانى عن إعادة عرض برامج كوميدية أخرى قدّمتها سابقاً وإعادة مسلسلات كوميدية وتقديم برامج كثيرة ترفيهية واستعراضية مسلية. محطة «أم تي في» عند عودتها للبث بعد التوقّف القسري، استعانت بالابتسامة والأجواء الطريفة لجذب المشاهدين إليها. اليوم، وبعدما انتقل فريق برنامج «كتير سلبي» إلى المسرح بقيَ على الشاشة برنامج CIA الذي يتألّف من فريق عملٍ غير قليل مقارنة ببرامج أخرى من النوع نفسه. ولا يمكن أن ننسى برنامج النكات «أهضم شي» الذي يتّجه من دون لف ودوران إلى إضحاك الناس، من دون الادّعاء أنّ الضحكة مُرفقة بمعلومة مفيدة أو بنقدٍ ساخر. صحيح أنّ المحطة قلّلت عدد البرامج الكوميدية المباشرة لكنّها في المقابل زادت عدد البرامج الترفيهية المسلية. أضف إلى أنّها ركّزت على أن تكون أجواء المرح في معظم ما يُقدَّم على شاشتها، حتّى في البرنامج الصباحي، لا بل حتّى في فقرة الطبخ، وعملت على أن تكون الإضاءة وألوان الصورة فاتحة ومريحة للعين. واطمأنّت محطة «أو تي في» إلى نسبة المشاهدين العالية حين بدأت برنامج «لول» الذي بدا كأنّه يحمل شعار «سنضحكك بأية طريقة وبأي ثمن». وعلى رغم كل الانتقادات التي طاولت البرنامج فقد ظلّ يتمتع بنسبة مشاهدين عالية هي خير دليل على أنّ المواطن اللبناني يريد أن يضحك وأن ينسى مشاكله من دون الاكتراث كثيراً بالوسيلة التي يبررها الهدف «السامي» بالترويح عن النفس! ونجاح هذا البرنامج لم يجعل المحطة تتراخى في عرض البرامج الكوميدية، فحافظت على تقديم برنامج ovrira ثمّ أضافت إليهما منذ فترة برنامج المقالب «مقلب مرتّب». بالكلام على المقالب، لا بد من الإشارة إلى محطة «الجديد» التي بدأت خلال شهر رمضان الفائت عرض برنامج «ضرب مبكّل» ولاقى نسبة عالية من المشاهدين الذين من غير المستغرب أن يضحكوا حين يشاهدون شخصاً خائفاً ومتوتراً لأنّهم، في لاوعيهم، يشاهدون أنفسهم وحالتهم خلال يومياتهم في مجتمع ضاغط. محطة «الجديد» تقدّم أيضاً منذ أعوام برنامج «إربت تنحل» الذي يهدف إلى زرع الضحكة على وجوه مشاهديه، كما أنّها بدأت منذ أشهر أيضاً عرض برنامج «شي أن أن» الكوميدي الساخر. أمّا تلفزيون «المستقبل»، فلم يبخل في تقديم برامج هدفها الأول محاولة إضحاك الناس ودفعهم إلى نسيان مشاكلهم وأوضاعهم العامّة. «لا يمل» هو البرنامج الأطول الذي يستمر منذ فترة طويلة، ولكن ذلك لم يمنع ظهور برنامج «لا شغلة ولا عملة» مع الممثلين أنفسهم تقريباً، وكذلك ظهور برنامج «نهفات» الذي يعمل على رسم الابتسامة على طريقته الخاصة. والمفارقة الكبيرة هي أنّ ذلك العدد الكبير من البرامج الكوميدية على شاشاتنا المحلية لم يعد يساهم في إضحاك الناس، لا بل يزيد أحياناً من توتّرهم ومن غضبهم بخاصة أنّ معظم البرامج تعتمد التهكّم والانتقاد الساخر لفئة معينة دون الأخرى! وإن كان الجميع يتفق على الأمور المبكية، في معظم الأحيان، فإنّ الأمور المُضحِكة تختلف الآراء حولها بخاصة في بلد تتنوّع فيه الثقافات والانتماءات والمبادئ. فهل يمكن حقاً أن تكون البرامج الكوميدية نافذة يخرج منها الاكتئاب أم هي باب مفتوح على مصراعيه ليدخل منها التوتر؟