ليلة رأس السنة على المحطات التلفزيونية اللبنانية سقطت من عيون المشاهدين بعدما صارت تشبه بقية السهرات في كل الليالي. لقد استهلكت كل الأفكار، من تغيير حياة الأشخاص إلى الربح الوفير، فإلى زجّ السياسيين في أمور الفنّ ثمّ إلى استضافة منجمّين ومنجّمات، وتقديم أكثر من فقرة كوميدية، واستقبال فنانين وفنانات يغنّون إلى جانب لوحات راقصة مبهرة... في الماضي كانت محطة «أل بي سي» تسرق الأنظار في تلك الليلة، خصوصاً في الجزء الأول منها، من خلال قصّة ترويها للمشاهدين، تجعلهم يتأثّرون ويبكون ثمّ يفرحون ويُبهرون بما فعلته لتغيير حياة شخصٍ أو عائلة، فيمضون السهرة يتكلّمون حول ما شاهدوه، ويمتدّ الحديث إلى صبيحة اليوم الأول من السنة الجديدة، فيتصاحب الكلام عن تلك القصة المؤثرة مع المعايدة. كانت تلك السهرة في المنزل أمام الشاشة الصغيرة تعطي الناس فرحاً وفخراً بأنّهم شاهدوا ما لم يستطع الساهرون في المطاعم مشاهدته. أمّا أخبار الربح والجوائز الضخمة فلم تكن أقل إبهاراً، وهنا كانت تدخل معظم المحطات اللبنانية المنافسة، فكان الناس يتبادلون دهشتهم في اليوم التالي، فيخبر الأول كيف ربح فلان سيارة، فيزيد الثاني أنّ فلانة فازت بشقةٍ مفروشة! كل تلك الأخبار كانت فعلاً عجيبة منذ عشرة أعوام، أمّا اليوم فيبدو أنّه بطُل العجب! اليوم بات من الصعب جداً أن يجد المعدّون «جديداً تحت الشمس» يبهر عيون المشاهدين. أخبار الجوائز الكبيرة وقصص العائلات التي تغيّر مجرى حياتها والأشخاص الذين تحقّقت أحلامهم باتت تمتدّ طوال أيام السنة، وعلى أكثر من شاشة، فلم تعد تلك الأخبار والقصص نادرةً؛ وكما هو معلوم، كل ما كثُر وجوده خفّت قيمته! لم يعد المشاهدون يتسمّرون أمام شاشاتهم، والدموع الحقيقية المتدحرجة على خدّي عجوز مسكين أو رجلٍ قوي أو امرأة معذّبة أو طفل بريء، لم تعد تؤثّر في القلوب! اليوم ما عادت خطوط الهاتف تعاني ضغطاً هائلاً ليلة رأس السنة، فالناس ما عادوا يرغبون حتّى بالاشتراك في المسابقات السهلة والسخيفة لأنها هي أيضاً صارت من التفاصيل الروتينية على الشاشات. أما أكثر ما يلفت فهو أن الاهتمام بتوقعات المنجّمين خفّ ليلة رأس السنة. فالتوقّعات كانت في الماضي تقتصر على ليلة واحدة في السنة، لذلك كان المشاهدون يقطعون أنفاسهم. بعضهم يحمل قلماً وورقة لتسجيل «جواهر» المنجّم، في حين أنّ المقدّم يحاول أن يدفع صاحب الرؤى إلى الإفصاح عن المزيد، أمّا اليوم، بعدما تكاثر عدد المنجّمين و «تفاقمت» إطلالاتهم على معظم الشاشات، فلم يعد وقع كلامهم مؤثراً وما عاد الناس يهتمّون بالاطّلاع على كل حرف نُطق به، فهم في أحسن الأحوال يكتفون بملخّص عام لا يتعدّى الجملة الواحدة أو الجملتين على الأكثر، وينتهون بالقول: «كلام فارغ!»