قد تلعب الصدفة أحياناً دوراً مهماً في ايصال فنان ما الى الشهرة، ولكنها لا تكفي لاستمرار مسيرته، اذ للقمة مقومات ومعايير. استغلت المطربة هبة طوجي الصدفة التي جمعتها بأسامة الرحباني عام 2007 ايجابياً، ولكنها لم تعتمد عليها، بل عملت جاهدة لإظهار موهبتها وقدراتها الصوتية والتمثيلية، وخضعت لتمارين شاقة لدخول العائلة الرحبانية من بابها العريض. في أول ظهور لها في «عودة الفينيق» عام 2008، استطاعت الشابة العشرينية أن تقف بثبات على خشبة المسرح، في أداء لافت، بحضورها المحبّب وصوتها الشجي وخفة تنقلاتها على المسرح. ثمة من قال آنذاك، أنها بديلة كارول سماحة (عملت لسنين في المسرح الرحباني) في بعض حركاتها وانفعالاتها الصوتية. لكن ظهورها في مسرحيتي «صيف 840» و «ملوك الطوائف» أثبت أن لكل من الفنانتين شخصيتها الفنية المستقلة. اذاً ساعدت الصدفة طوجي في الوصول الى القمة، ولكن ثقتها بنفسها ودراستها الأكاديمية ورعاية أسامة الرحباني لها، سمحت للفنانة التعمق في أسرار الفن، والتمارين القاسية التي مارساها معاً، ومكنتها من بناء شخصية فنية قوية، قادرة على الغناء بأداء متزن ورصين. كما أن تعاطيها مع منصور الرحباني أعطاها جرعة ثقة زائدة، خصوصاً أن العمل معه كان حلماً يراود كثيرين. وفي أول أغنية منفردة لها «متل الريح»، ظهر جلياً أنها وفريق عملها، يريدان تقديم أعمال حقيقية قادرة على الاستمرار في ظل انحدار فني تشهده أغنيات عربية، ومحاولة لإعادة المستمع الى المسار الصحيح، خلافاً لنظرية «الجمهور عايز كده». منذ أيام تعرض قنوات فنية، «حلم» وهي أغنية من الألبوم الأول الذي سيصدر قريباً لطوجي، يقول مطلعها: «متل كأنو الخريف، واقف على الباب، متل كأنو الرصيف ناطر الأحباب، لا تحاكو لا تودعو وتفارقو وتوجعو، متل شي مطر فضي فرق الأصحاب، قولك أنا شفتك أو بالحلم حلمتك بالعمر العتيق، قولك انت كذبة أو حياة صعبه يا حبي الغريق، كل ما قرب بوقع، والحيطان بتوسع وبتضيع الطريق، كل ما حاول إقرب، شو عم شوفك أغرب من السر الغميق»، الكلمات لغدي الرحباني والموسيقى لأسامة الرحباني. الأغنية مفعمة بالرومانطيقية وذكاء النص، كما انها تظهر قدرات صوت طوجي الأوبرالي، واللافت أيضاً أن طوجي هي من أخرجت الكليب المصور، ما يوضح أن ثمة توافقاً بينها وبين أسامة الرحباني في العمل، وأن لديها هامشاً من الحرية للتصرف والمشاركة في قرارات فنية. والجميل في اخراج الكليب، أن طوجي حاولت اضافة الى ابراز أنوثتها التي تتوافق مع مضمون الأغنية، إظهار رومانسية المكان الذي صورت فيه، بكراسيه ومقاهيه وناسه، وحركة المارة والتفاصيل الصغيرة التي استعملتها، لتكوّن مشهداً ينبض بالفرح والحب والطمأنينة. تقول المطربة اللبنانية إن الألبوم الذي تأخر صدوره بسبب أوضاع البلد والمنطقة العربية وبعض المشاكل مع شركة الانتاج، وعنوانه «لا بداية ولا نهاية»، يتضمن 12 أغنية، كتب اثنين منهما الراحل منصور الرحباني، أما الباقي لابنه غدي، والموسيقى لأسامة. وتوضح أن الأنماط الموسيقية في العمل تتوزع بين الموسيقى الشرقية والروك والبوب، وتتمحور النصوص حول مواضيع الحب والثورة والهجرة، كما أنها تحاكي واقع لبنان وبعض الدول العربية. ولا ترى طوجي حاجة في الفترة الراهنة، الى التعامل مع شعراء وملحنين آخرين خصوصاً أن غدي وأسامة يعبران عما تريد قوله وايصاله بخفة ورشاقة الى الجمهور. وفي انتظار صدور الألبوم، تستعد للعب دور البطولة في مسرحية «دون كيشوت» المأخوذة عن رواية الإسباني ميغيل دي سرفانتس سافيدرا، وكتب نصها وأشعارها غدي الرحباني، من خلال شخصية «دولسينيا» الى جانب الفنان رفيق علي أحمد الذي سيجسد شخصية «دون كيشوت». وسيلعب الممثل بيار شماسيان دور الشخصية الكوميدية الى جانب عدد كبير من الممثلين ومنهم نزيه يوسف وزياد سعيد ويوسف حداد. وسيفتتح العمل مهرجانات جبيل في حزيران (يونيو) المقبل، وهو تجسيد لكتاب «دون كيشوت» الذي يتحدث عن الثورة والخيال والغضب والكوميديا.