اصطف محتجون أمام أحد فروع بنك الإسكان والتعمير في القاهرة للمطالبة باسترداد أموال كانوا دفعوها قبل اندلاع «ثورة النيل» كمقدم حجز لقطع أرض في المدن الجديدة توطئة لخوضهم قرعة علنية يُعلَن خلالَها أصحاب الحظ الفائزون بقطعة أرض لا تتخطى مساحتها 500 متر بأسعار تتراوح ما بين 600 جنيه إلى أكثر قليلاً من 1000 جنيه. لكن بعد اندلاع الثورة توقف المشروع، مع وعد بردّ الأموال أو السير في إجراءات القرعة عند تلقي تعليمات جديدة. هذا المشهد يعكس جزءاً من الفساد الذي انتشر في عهد الرئيس السابق حسني مبارك، ففي حين استولى قلة من رجال الأعمال والوزراء على ملايين الأمتار من أرض الدولة بأسعار متدنية جداً، يتقاتل عشرات الآلاف من المواطنين البسطاء ل «تحقيق حلم العمر» والفوز بمئات الأمتار من الأرض وبأسعار السوق. وطالما تفجّرت في السنوات الخمس الماضية قضايا فساد تخص الاستيلاء على أراض، أطرافها وزراء ورجال أعمال. وقد تدخّل مبارك في إحداها حين ثبت التلاعب على وزير إسكانه السابق أحمد المغربي، فقرر الرئيس المتنحي سحب أرض جزيرة «آمون» في محافظة أسوان (أقصى جنوب مصر) من شركة «بالم هيلز» التي يملكها المغربي ووزير النقل السابق محمد منصور. وكانت شركة مصر أسوان (قطاع أعمال) طرحت في العام 2007 أرض الجزيرة، ومساحتها 238 فداناً، للبيع في مزايدة بالمظاريف المغلقة، واشترتها شركة خاصة. ثم حدث خلاف بين الشركتين ألغي على أثره البيع وطُرحت الأرض مرة أخرى للبيع ورست المزايدة على شركة «بالم هيلز»، وحدد سعر البيع ب 80 جنيهاً فقط للمتر. وتلا ذلك جدل في شأن صفقة بيع 5867 متراً في ميدان التحرير في وسط القاهرة - وهي أغلى مناطق مصر على الإطلاق - إلى تحالف «أكور - سوسييتيه جنرال» (المغربي مساهمٌ رئيسي فيه) بسعر عشرة آلاف جنيه، كما جاء في العقد. وأبطل القضاء الإداري عقد بيع أرض مشروع «مدينتي» الإسكاني العملاق في القاهرةالجديدة لشركة تابعة لرجل الأعمال القيادي في الحزب الوطني هشام طلعت مصطفى. وذكرت المحكمة أن العقد خالف قانون المناقصات والمزايدات، إذ إن التخصيص والبيع تمّا بالأمر المباشر ومن دون مراجعة لوائح القانون. هذه الوقائع كُشفت في أثناء وجود النظام السابق في السلطة، ولم يحاكم أي من أطرافها، لكن ما كُشف بعد رحيله كان أخطر، إذ اتضح أن وزراء ومسؤولين سابقين يستخدمون سلطاتهم في تخصيص آلاف الأفدنة لمستثمرين في إطار معاملات مالية بين الطرفين، فالتحقيقات مع وزير السياحة السابق زهير جرانة، دارت حول تسهيله الاعتداء على أراضي الدولة والإضرار العمد بالمال العام، إذ قام بتخصيص 25 مليون متر مربع، مخالفاً القواعد والإجراءات، لشركة «أوراسكوم للسياحة والفنادق» في البحر الأحمر بسعر دولار واحد للمتر، مقابل قيام الأخيرة بشراء 51 في المئة من شركة جرانة للسياحة الخاسرة المملوكة للوزير السابق وآخرين بمبلغ 350 مليون جنيه. أما المغربي، ففضلاً عن تورطه في صفقة جزيرة آمون وأرض ميدان التحرير، كشفت التحقيقات التي يشرف عليها النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود، عن قيامه بالاستيلاء على خمسة ملايين متر مربع في الغردقة، وقيامه بصفته وزيراً للإسكان ببيع مساحات مختلفة من الأراضي المملوكة للدولة والكائنة في أماكن متفرقة من البلاد بلغت عدة ملايين من الأمتار إلى شركة «بالم هيلز» للتعمير المشارك فيها، فضلاً عن بيعه فندق «نوفوتيل» في مدينة أسوان، الذي كان يحقق خسائر جسيمة وتديره شركة «اكور» التي يساهم فيها لمستثمر سياحي بملايين الدولارات، وبأزيد من قيمته الحقيقية، في مقابل تخصيص ثلاثة ملايين متر مربع بمنطقة سكنية في محافظة مطروح لهذا المستثمر بثمن بخس. وفي الإطار ذاته، كشف وزير الإسكان السابق حسب الله الكفراوي، أن أحد نجلي الرئيس السابق طلب منه في العام 1993 تخصيص ألف فدان في مدينة السادس من أكتوبر، لكنه طلب منه التأكد من موافقه الرئيس مبارك على هذا الأمر. وقال إنه بعد تركه الوزارة عرف أنه تم تخصيص هذه الأرض، وألمح إلى أنها الأرض المبني عليها منتجع «بيفرلي هيلز» الذي يملكه مجدي راسخ صهر علاء مبارك.