يصعب العثور بين الأدباء والشعراء المصريين المعروفين على من لا يتعاطف علناً مع الثورة التي انطلقت يوم 25 كانون الثاني (يناير) الماضي ويؤيد مطالبها كافة، أو على الأقل بعضها، لكنهم مع ذلك منقسمون ما بين «تأييد مطلق»، و «تأييد مشروط»، ومن ثم اختار بعضهم «الإقامة» في ميدان التحرير مع الثائرين، فيما منعت «ظروف شخصية أو موضوعية» البعض الآخر مِن فِعْل ذلك. الشاعر عبد الرحمن الأبنودي غادر القاهرة عقب اندلاع الأحداث مباشرة، متوجهاً إلى بيته الريفي قرب مدينة الإسماعيلية، وكتب قصيدة تحت عنوان «الميدان»، حيّا فيها «الثوار»، ثم نُقلت عنه تصريحات صحافية أكد خلالها أنه كان يتمنى لو أن ظروفه الصحية تسمح له بالانضمام إلى «شباب ميدان التحرير». والأبنودي هو الوحيد بين الشعراء المصريين الحاصل على جائزة مبارك، التي تُعَدّ الأرفعَ بين جوائز الدولة في مصر، ووَضعت قصيدتُه الأخيرة الشعرَ في صدارة المشهد الأدبي المتفاعل مع يوميات الثورة، إذ استلهم منها الكثيرُ من الشعراء قصائدَ جديدةً، واستحضر آخرون قصائد تناسب اللحظة الفارقة، ومنها قصيدة «الكعكة الحجرية» لأمل دنقل، والتي تمجد انتفاضة أخرى شهدها ميدان التحرير في سبعينات القرن الماضي. وفي المقابل، ليس أمام الروائيين وكتّاب القصة القصيرة على ما يبدو، سوى الانتظار حتى يَخرجوا بأعمال أدبية تعكس تفاعلهم مع الثورة التي انطلقت شرارتها يوم 25 كانون الثاني الماضي، ويزداد يوماً بعد يوم وهجها. وفي ذلك يرى القاص والروائي إبراهيم أصلان، أن الأحداث التي تشهدها مصر الآن «لا تقْدِر أي وسيلة تعبير على استيعابها»، مؤكداً أن أي عمل سُيكتب الآن لن يكون على مستوى الحدث، خصوصاً وأن البلد يمر الآن بمرحلة فاصلة في تاريخه». ويتفق الروائي خيري شلبي مع أصلان، مؤكداً أن «كل ما يقال الآن هو دون مستوى الحدث». وأضاف شلبي، الذي يشغل منصب مقرر لجنة القصة في المجلس الأعلى المصري للثقافة: «أنا كأديب أشعر بالخوف والهلع، لأن المستقبل في تقديري غامض ومظلم، ولم تعد الحياة آمنة بعد تلك العاصفة التي هبت بشكل سريع كإعصار كاسح». أما الروائي إبراهيم عبدالمجيد، فأكد أنه سيكتفي عاجلاً بكتابة سلسلة مقالات تتناول تفاصيل يومياته في «ميدان التحرير»، على أن يكتب رواية أو أكثر لاحقاً. ومن جهة أخرى، لاحظ الروائي بهاء طاهر، الذي قرر التنازل عن جائزة مبارك التي كان فاز بها قبل نحو عامين، أن «مصر صارت مصرين، مصر الحرية التي يمثلها الثوار في ميدان التحرير، ومصر السلبية التي يمثلها الذين يطالبون الثوار بالاكتفاء بما حصلوا عليه من مكاسب، ويوهنون من عزمهم». وكما هو متوقع، فإن الروائي علاء الأسواني تصدَّرَ الأدباء المؤيدين لثورة 25 يناير من دون أي تحفظ إزاء مطالبها، بل واعتبر نفسه من المشاركين في تلك الثورة، التي توقع أن تغير مصر والوطن العربي إلى الأحسن. ويفخر صاحب رواية «عمارة يعقوبيان»، بأن الثائرين في ميدان التحرير «يتظاهرون منذ ما يزيد على أسبوعين من دون أن تحدث أي فوضى في صفوفهم أو بسببهم». لكن العالم شاهد على مختلف محطات التلفزة فوضى عارمة في ميدان التحرير يوم 2 شباط (فبراير) الجاري بعدما اقتحمه مؤيدون للرئيس مبارك فوق ظهور خيول وجمال. في ذلك اليوم، كانت الكاتبة نوال السعداوي وسط المتظاهرين المطالبين بإسقاط النظام، وتقول: «كاد أحد الأحصنة يدوسني، قبل أن يحملني الشباب بعيداً من قافلة الهجانة الهمجية». ومن بين مشاهداتها تتوقف السعداوي عند «أمهات بأطفالهن الرضع افترشن الأرض في البرد تحت المطر. مئات البنات الشابات لم يتحرش بهن أحد، يسرن رافعات الرؤوس ويشعرن بالحرية والكرامة والمساواة بينهن وزملائهن. ووسط الزحام قال لي بعض الإخوان المسلمين إنهم يختلفون معي لكنهم مع ذلك يحترمونني، لأنني لم أنافق نظام الحكم يوماً. تحول الميدان إلى مدينة كاملة بمرافقها. تلاشت جدران البيوت والمؤسسات والتابوهات التي فرقت بين المواطنين، نساء ورجالاً، المسلمين منهم والمسيحيين، أو غيرهم. أصبحنا شعباً واحداً، لا انقسامات على أساس الجنس والدين أو غيرهما». وتتوجه الكاتبة هويدا صالح إلى «ميدان التحرير» يومياً مع زوجها الروائي سعيد نوح وابنتهما الطالبة سعاد (17 سنة)، علماً أنهم يسكنون أصلاً في ضاحية حلوان في جنوبالقاهرة. وتقول صالح ل «الحياة»: «نحضر يومياً ونشارك بالهتاف. وعندما نتعب نستمع إلى أغنياتنا المفضلة لبعض الوقت. وفي أحيان أخرى تتشارك مجموعات عدة في الرقص والغناء». الشاعر إبراهيم داود كتب هو الآخر من واقع وجوده اليومي في «ميدان التحرير» قصيدة نشرتها مواقع إلكترونية عدة، ويقول داود ل «الحياة»: «اليوم الذي أقضيه وسط المتظاهرين هنا أعده من أسعد أيام حياتي. لا أشعر هنا بضجيج، وأحس أن الهواء نقي ولا أحس بخوف. الخوف ينتابني فقط عقب خروجي من الميدان». ويتفق داود مع من يرون أن هذه الثورة فاقت كل توقع. وعلى أية حال، لم يقل أحد أبداً إنه كان يتوقع حدثاً شعبياً مصرياً بهذه الضخامة. ويضيف داود: «أنا هنا في خدمة الثائرين ومعي محمد هاشم وعادل السيوي ومجدي أحمد علي وعصام زكريا ومحمد شعير، نعيش لحظة أعلى من الشعر». «من فجروا تلك الثورة هم أعظم جيل عرفته مصر في تاريخها»، يؤكد داود، ويتفق معه الروائي مكاوي سعيد، قائلاً: «الجيل الذي أنتمي إليه وُلد من جديد بفضل هذه الثورة التي تفوق في أهميتها ثورة 1919. لن يجرؤ أحد على قمع الشعب بعد ذلك». ويرى صاحب رواية «تغريدة البجعة» أن «واقع الثورة الحالية يفوق الخيال وسينتج حتماً أدباً مختلفاً». ويقول القاص جمال مقار: «الحلم الذي انتظرت عمراً ولم يأت جاء، ذلك الحلم المراوغ الذي انتظرته أربعة عقود، كنت خلالها كلما لمسته فر بعيداً، في مطلع 1972، ثم في كانون الثاني 1975، ثم في 18، 19 كانون الثاني 1977، حين كان من الممكن أن نمسك بالثورة، ثم جاءت دبابات السادات ودهست بجنازيرها حلم مصر بالحرية، بعدها ركنّا إلى الدعة واليأس، فجاء من ركبونا كما تركب المطي، عصابة من أحقر ما عرف البشر حقارة، لصوص وسماسرة وقوادون، ويملكون كل ما يمكِّنهم من أن يستعبدوا من خلاله الناس، يعتقدون أنهم يمنُّون علينا بالحياة، يدَّعون الشرف وهم الزَّيْف نفسه، ذلك الشرف المزعوم سقط تحت الضربات الثقال التي انهالت عليهم، وذلك الزيف الذي فضحته دماء الشهداء». ويضيف مقار: «الآن أرى الناس يمدون سواعدهم لينتشلوا مصر الغارقة في بحور من الضياع والمهانة والفساد، إنها ثورة هؤلاء الشباب وحدهم. هم الذين نسجوا خيوطها خيطاً خيطاً بأكفهم، ورفعوا رايتها عالية بسواعدهم، بعد أن تملكنا اليأس من مجيئها، وليس لنا أن ندعي أي شرف أو بطولة، وحدهم هم الذين من حقهم أن يزهوا علينا، وأن يزيحونا جانباً ليتباهوا بها». الروائي يوسف القعيد لم يتجه صوب «ميدان التحرير» إلا مرة واحدة، خلال تشييع جنازة رمزية انطلقت من مقر نقابة الصحافيين احتجاجاً على قتل الصحافي والناشر أحمد محمود على يد قناص تابع لأجهزة الأمن. وبعد دخول التظاهرات المطالبة بإسقاط النظام أسبوعها الثالث، يرى القعيد أن هناك حاجة ملحة لعقد اجتماعي، أو منظومة «تمسك الخيط الأبيض قبل أن يتوه في الخيط الأسود». ويعتقد صاحب رواية «الحرب في بر مصر»، أن «هناك غرباناً اندست وسط المعتصمين في ميدان التحرير تريد سرقة نصرهم». لكن ما حدث، يقول القعيد، «أسقط حال هيبة فرعون، وطوى صفحة المجتمع الأبوي على يد شباب طلعوا من وراء ظهورنا وأحالونا جميعاً إلى التقاعد».