بعد مضي ما يقارب 15 عاماً على تأسيس قناة «الجزيرة» نجحت في أن تساهم، مع عوامل أخرى، في تغيير نظام عربي. إن التغطية الإخبارية التي قدمتها الى الجمهور العربي والتونسي في شكل خاص ساهمت الى حد كبير في تسريع وتيرة الأحداث التي توجت بمغادرة أول رئيس عربي لبلاده تحت وطأة الضغط الشعبي. وقد شوهدت بحسب تقارير صحافية غربية يافطات رفعها متظاهرون تونسيون تقول: «شكراً للجزيرة» وبعد وقت قليل من الإعلان عن مغادرة الرئيس بن علي تونس. جرت العادة أن يأتي التغيير في العالم العربي من خلال انقلابات عسكرية بعضها دموي وبعضها الآخر أبيض، أو بعد اغتيالات أو اجتياحات عسكرية، ومن ثم تبدأ الجماهير بالمبايعة والتظاهر تأييداً، وهذا على عكس ما يحصل في دول المنطقة غير العربية (شاه إيران اضطر للمغادرة تحت وطأة التظاهرات المليونية). ما حدث في تونس هو بداية تغيير ستكون له انعكاسات كبيرة على صناعة الإعلام وكيفية تعاطي الأنظمة العربية مستقبلاً مع الوسائل الإعلامية. لم يكن مصادفة أن تغلق الحكومة التونسية مكتب الجزيرة وأن تقطع علاقاتها مع قطر، الدولة الراعية للقناة، منذ قبل انطلاق التحركات الشعبية الأخيرة. لكن قرار الإغلاق لم يمنع «الجزيرة» من أن تقدم تغطية شاملة للتطورات المتسارعة التي حصلت في تونس من دون الحاجة الى مكاتب ومراسلين وأجهزة نقل مباشر، لأن الإنترنت ومن خلال خدمات «فيسبوك» و «تويتر» جعلت من كل ناشط تونسي مراسلاً إذا تأمن لديه جهاز خليوي أو وصول الى شبكة الإنترنت، وتكفلت «الجزيرة» بالباقي. إن إغلاق مكتب للجزيرة بأمر جهاز أمني أو إعلامي عربي احتجاجاً على تغطية ما أو استضافة شخصية معارضة، أصبح من الآن من أهم أعراض اهتزاز الأنظمة وينذر بالعد العكسي لانهيارها، فحذار أيها الحكام العرب، لأن زمن السيطرة على انتقال المعلومات والصور قد ولى. لقد انتهى عصر مؤسسات التعمية الإعلامية لحساب التوعية، كما انتهى عهد الإعلام الأمني لمصلحة إعلام ملاحقة الفساد والتربص بالحكومات. انه عصر تغطية الأحداث وليس التغطية عليها. «الجزيرة» أصبحت تصل اليوم الى عقول العرب وقلوبهم أكثر من أي وسيلة أخرى في التاريخ العربي المعاصر، متفوقة بذلك على عبد الناصر وأم كلثوم. وهذا التأثير الكبير سلاح ذو حدين: إن أي وسيلة تتمتع بالنفوذ عينه، يمكن أن تستعمل لخدمة الإنسانية أو لدمارها والتأثير سلباً عليها. وهنا فإن «الجزيرة» وجدت الدور الذي يجب أن تستثمر فيه نفوذها الواسع، وهو نشر الحريات والدفاع عن حقوق الإنسان والديموقراطيات النابعة من المجتمعات في العالم العربي، في سبيل بناء وتحسين الإنسان العربي. يصح القول اليوم «إذا الشعب يوماً أراد الحياة»... فهو بحاجة الى وسيلة إعلامية تتمتع بالصدقية. * إعلامي لبناني، مؤسس قناة «الحرة»