أكثر من معتوه، ذاك النائب الإسرائيلي الذي تمنى تصفية الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد جسدياً، خلال وجوده في لبنان... النائب أستاذ طب، خبير في الاستئصال لا يعطي سوى مثال عن تفشي وباء الفاشية في إسرائيل التي لم تعد ترى أي وسيلة سوى التصفية للخلاص من أعدائها. ولم يكن من شأن دعوة النائب أن تذلل الانقسام بين اللبنانيين على زيارة نجاد، الذي يمتدح بعضهم "بطولته"، بينما يتشاءم آخرون لأن مجيئه قد يعزز تصلّب فريق المعارضة سابقاً في مواقفه، في الوقت الذي يخوض معركة إسقاط المحكمة الدولية وشطب القرار الظني قبل صدوره. وفي كل الأحوال، يحتاج الأميركيون الى جهد كبير قد يبقى عبثاً، في تسويق قلقهم من "زعزعة استقرار لبنان"، على خلفية الزيارة، فيما يأتي الموقف الرسمي الإسرائيلي – مصادفة – تحذيراً للبنانيين. الأكيد أن ما جاء نجاد من أجله، لا يؤسس لمرحلة جديدة في العلاقات بين بيروتوطهران، بمقدار ما يتوّج ترسيخاً لسياسة المسارين: مع الدولة التي تريد تعاوناً لمصلحتها، ومع الحليف القديم، "حزب الله" الذي يذكّر اللبنانيين دائماً بأن مساعدات الجمهورية الإسلامية في إيران وأموالها، هي وحدها التي مكّنت أهل الجنوب من الصمود سنوات في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية، ثم أتاحت للمقاومة منع إسرائيل من تسجيل انتصار في حرب تموز (يوليو) 2006. رغم ذلك، يجتهد نجاد في زيارته للتوفيق بين سياسة المسارين وإعطاء جرعة إضافية لعلاقة مع الدولة، لا بد أن تمر عبر مؤسسات ووزارات، توقع مذكرات التفاهم للتعاون. وهناك من قارن بين لغة الرئيس الإيراني في حديثه عن دعم الحكومة اللبنانية، ولغة مأسسة العلاقات السورية – اللبنانية، وذكّر بقول نجاد أخيراً أن المحكمة الدولية شأن لبناني. ولكن، هل يلغي ذلك حقيقة أن أبرز حلفاء طهران، هو الذي يقود المعركة لإسقاط المحكمة التي يعتبرها مسيّسة؟ وهل يكفي هدوء الضيف الإيراني المناقض للحملة الإسرائيلية على "تداعيات" الزيارة، لإقناع فريق 14 آذار بأن ما يريده نجاد هو أولاً دعم الدولة اللبنانية، لا مؤازرة الحلفاء وحدهم في معركتهم في الداخل؟... هم المتهمون بالسعي الى السيطرة على كل الدولة. ما يسقِط ذرائع "القلق" الأميركي من زيارة نجاد، هو أن الاتفاقات اللبنانية –الإيرانيةالجديدة لن تشمل الجانب العسكري، وحرص الرئيس الإيراني على إطلاق نداء من بيروت من أجل وحدة اللبنانيين، ينسجم مع الطبيعة الرسمية لزيارته، خصوصاً أنه يحمّل إسرائيل مسؤولية محاولات إثارة الفتن في البلد. وأما حرصه على الاتصال بخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وبالعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، قبل ساعات من وصوله الى بيروت، فيُعتقد بأنه محاولة تطمين الى رغبة طهران أيضاً في تهدئة الوضع في لبنان، بعدما أكدت دمشق تمسكها بشبكة الحماية السعودية – السورية. يقول أصحاب نظرية ثبات التحالف الثلاثي بين سورية وإيران و "حزب الله"، إن الموقف الرسمي السوري المتمسك بمفاعيل القمة اللبنانية – السعودية – السورية في بعبدا، لم يحل دون إطلاق الحزب حملته على المحكمة الدولية ثم إثارة ملف شهود الزور، فيما كان حلفاؤه يلوّحون بورقة إسقاط الحكومة. وإن كان بعض المشككين يرى في زيارة نجاد محاولة لصدّ ما يسمى إعادة تكليف دمشق منفردة إدارة الملف اللبناني، فهو يدلّل على صحة هذا الاستنتاج بحرص "حزب الله" على الاستقبال الشعبي للرئيس الإيراني، ووضع دور طهران في المرتبة الأولى، قبل حرب تموز 2006 وبعدها. أياً يكن الأمر، يفتح تمني وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل "زخماً كبيراً" لنتائج زيارة نجاد في "ما يتعلق بالسلم اللبناني"، الباب أمام التكهن باحتمالات تمديد ما سمّي "هدنة" الزيارة في معركة "شهود الزور" والمحكمة الدولية. وإلى تكثيف الاتصالات العراقية العربية لإنهاء أزمة تشكيل الحكومة في العراق، تبدو التهدئة في لبنان حاجة إيرانية، كلما استعدت طهران لجولة جديدة من التفاوض مع الغرب. ... ولكن، هل هي حاجة لحلفاء طهران، الذين يخوضون معركة مصير؟ مِن واجب جميع اللبنانيين الترحيب بالضيف الإيراني، فكيف إذا كانت زيارته هدنة، بعدها عودة الى اشتباك كبير، لا يُعرف أي مظلة حماية تصمد بعده، خصوصاً إذا اتسعت الصراعات الصامتة... غير اللبنانية.