بدا من الجولة الثانية للمفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين في شرم الشيخ امس، أن التوصل إلى نتائج مثمرة لن يكون سهلاً في ظل اعلان اسرائيل امس رفضها تمديد قرار تجميد الاستيطان نهاية الشهر الجاري، وتهديد الجانب الفلسطيني بعدم الاستمرار في هذه المفاوضات إذا استؤنف الاستيطان، وهو الموقف الذي كشف مسؤولون فلسطينيون انه تم تأكيده في اللقاءات التي جرت امس في شرم الشيخ. وقوبلت المفاوضات بمعارضة من فصائل فلسطينية في غزة ودمشق تعهدت مواصلة المقاومة ضد الاحتلال، فيما اعرب الشارع الاسرائيلي عن تشاؤمه ازاء فرص تحقيق تقدم، وهو ما عكسته عناوين الصحف ونتائج استطلاع للرأي. في هذه الاثناء، كشف ان «لجنة التنظيم والبناء» في القدس ستجتمع مع انتهاء الاعياد اليهودية بعد اسبوعين للبحث في مخططيْن جاهزين لبناء 1362 مسكناً جديدا في مستوطنة «غفعات همطوس» جنوبالقدسالمحتلة. وكان منتجع شرم الشيخ استضاف أمس جولة المفاوضات بمشاركة الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو وحضور وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون. وسبقتها لقاءات ثنائية عدة، إذ استقبل الرئيس حسني مبارك نظيره الفلسطيني وعرض معه لسبل إنجاح هذ الجولة، وبعده استقبل نتانياهو وأكد له ضرورة وقف الاستيطان بشكل كامل من أجل بناء الثقة وتوفير فرصة لاستمرار التفاوض. كما التقى مبارك كلينتون التي اجتمعت بدورها مع كل من عباس ونتانياهو قبل بدء لقائهم الثلاثي. وعقب انتهاء جولة المفاوضات، عقد مبارك لقاء حضره عباس ونتانياهو وكلينتون تم فيه استعراض المواضيع التي طرحت على مائدة التفاوض. وفي وقت لاحق، عُقدت جلسة ثانية مسائية بين عباس ونتانياهو وكلينتون «للبناء على ما تحقق خلال جولة المفاوضات الاولى والمناقشات التي جرت على هامش هذه المفاوضات». ونقلت «وكالة أنباء الشرق الأوسط» المصرية عن المستشار السياسي لرئيس الوزراء الإسرائيلي رون دريمر قوله إن عباس ونتانياهو «تصافحا بحرارة لدى بدء اللقاء الثلاثي». وذكرت الوكالة أن الجانب الفلسطيني أصر خلال المفاوضات على بدئها من النقطة التي توقفت عندها في كانون الأول (ديسمبر) عام 2008 بين عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت، فيما رأى الجانب الإسرائيلي أن ذلك غير ملزم للحكومة الحالية. ولوحظ وجود الصحافة الإسرائيلية بكثافة في مقر المفاوضات، فيما انتشر الأمن الأميركي بكثافة حول فندق «غراند حياة» حيث أقام نتانياهو وكلينتون، وعند مداخل صالات الاجتماعات الصغيرة التي يتبادل فيها الوفود الأوراق والأفكار. وبدا لافتاً حجم الخلافات في شأن قضية الاستيطان، إذ صرح الناطق باسم الحكومة الاسرائيلية عفير جندلمان بأن إسرائيل لا تنوي تمديد تجميد الاستيطان بعد إنتهاء المهلة المحددة لذلك نهاية الشهر الجاري، مضيفاً: «نحن على استعداد لبحث كل القضايا الجوهرية، بما فيها المستوطنات، لأن وضع أي شروط مسبقة يعرقل المفاوضات». من جانبه، هدّد مفوض العلاقات الدولية في اللجنة المركزية لحركة «فتح»، الدكتور نبيل شعث بالانسحاب من المفاوضات إذا استؤنف الاستيطان، مشدداً على أن «أحداً لم يطلب من الجانب الفلسطيني تغيير رأيه في موضوع الاستيطان»، وان الاميركيين يقولون انهم سيضغطون لاستمرار قرار وقف الاستيطان. واكد مسؤولون فلسطينيون ل «الحياة» ان «استئناف إسرائيل للاستيطان بعد 30 أيلول (سبتمبر) سيُفشل المفاوضات، وهو ما تم تأكيده في اللقاءات التي جرت (أمس) مع كلينتون ونتانياهو ومبارك». اما الراعي الأميركي، فجدد دعوته الى عدم استئناف النشاط الاستيطاني، وقال المبعوث الأميركي جورج ميتشل عقب الجلسة: «موقفنا واضح بالنسبة الى قضية الاستيطان، ولم يتغير، كما قال الرئيس (باراك) أوباما، نعتقد أن من المنطقي ان يستمر تجميد الاستيطان لكي تستمر المفاوضات بشكل بناء». وأضاف: «الادارة الأميركية تعلم أن قضية الاستيطان ذات طبيعة حساسة سياسياً بالنسبة الى إسرائيل، وطلبنا من عباس أن يمضي قدما في الخطوات التي من شأنها أن تسهل التوصل إلى السلام». وبعدما اكد ان «رؤيتنا تقوم على اساس حل الدولتين، وذلك يعني دولة اسرائيلية يهودية ديموقراطية تعيش جنبا الى جنب مع دولة فلسطينية ذات سيادة مترابطة الاراضي»، حمّل الطرفين مسؤولية ضمان استمرار هذه المفاوضات بشكل بناء، وتعهد ان «نكون شركاء فاعلين نلقي بثقلنا الكامل لانجاح المفاوضات». واتفق الطرفان على أن نجاح هذه المفاوضات يعتمد على المحافظة على سريتها بشكل كامل والتعامل معها بحذر، كما تم الاتفاق على أنه بعد لقاء القادة في القدسالغربية غداً، فإن مفاوضيهم سيلتقون خلال الأيام المقبلة للاستمرار في المفاوضات والتمهيد للجولة المقبلة من المفاوضات على مستوى القادة. من جانبه، قال مصدر مصري رفيع ل «الحياة» إن «تضييق الهوة بين الجانبين يحتاج الى مزيد من الوقت ومن جلسات المحادثات حتى يمكن إحراز تقدم، وليس من الواقع الحديث عن إحراز تقدم في الوقت الراهن». وأضاف: «اللقاءات التي تحدث الآن لتلطيف الأجواء واستمرار العملية السلمية، وستستمر حتى يمكن استمرار العملية السلمية حية». وأوضح أن القاهرة تبذل جهوداً وتجري اتصالات مع جميع الأطراف من أجل دفع عملية السلام إلى أمام «لكن ذلك لا يعني أن هناك ضمانا لنجاح هذه الجهود»، داعياً إلى عدم استباق الأمور»، وموضحاً أنه «تم الاتفاق مع الإسرائيليين على استمرار المحادثات حتى في حال وقوع أي عملية تنفذها الفصائل الفلسطينية». وأعرب وزير الخارجية المصري احمد أبو الغيط في مؤتمر صحافي بعد ختام المفاوضات عن أمله في أن تحقق سلسلة اللقاءات المباشرة الهدف المرجو منها وهو التوصل إلى اتفاق لتحقيق السلام الشامل بين الجانبين. وقال إن «مبارك أكد في اجتماعات امس وجهه النظر المصرية بأكبر قدر من الوضوح، وهي أن المطلوب من كل الاطراف الصدقية وتأكيد الرغبة في التوصل إلى تسوية سياسية، وبالتالي توفير المناخ المناسب الذي يحقق لعملية المفاوضات مسارها الطبيعي والاستمرار في الاتجاه المطلوب». ورداً على سؤال عن وجود تفاؤل ازاء قضية المستوطنات في ظل وجود خلافات داخل الحكومة الإسرائيلية حولها، قال أبوالغيط: «أنا لا أقول إنه يوجد تفاؤل في قضية المستوطنات، بل أقول إنه توجد مفاوضات جادة تتناول كل المسائل المطروحة على مائدة المفاوضات من خلال جدول أعمال متفق عليه وواضح». وأوضح أن هناك نقاطا تم التطرق إليها وتناولت عناصر التسوية كافة «لكن لا يمكن القول بعد اجتماع واحد إن هناك انفراجة في الموقف». وأوضح أن مبارك تطرق إلى موضوع تمديد قرار وقف الاستيطان بعد 26 أيلول (سبتمبر) الجاري «لأنه أمر طبيعي ومعلن ... كل القوى الدولية يطالب بإتاحة الفرصة لهذه المفاوضات أن تسير في طريقها، ولكي يتحقق ذلك يجب ألا نضع في طريقها أي عقبات، وبالتأكيد فإن العودة مرة أخرى إلى مسألة استئناف الاستيطان يمثل عقبة».