أكدت وزارة الخزانة الأميركية عزوف معظم المصارف المركزية ومؤسسات المال الحكومية، بما فيها مؤسسات الدول العربية المصدّرة للنفط، عن تمويل العجز المالي الأميركي، وانتقالها في النصف الأول من السنة الحالية، للمرة الأولى منذ بداية الألفية الثالثة في أقل تقدير، إلى تصفية جزء وإن يسير مما استحوذت عليه من الديون الفيديرالية للولايات المتحدة. وجاء هذا التأكيد بعدما حذّر الكونغرس أخيراً، عبر مكتب بحوث الموازنة التابع له، من تعاظم أخطار تعرض أميركا لأزمة ديون سيادية على شاكلة الأزمة اليونانية. لكن محللين لاحظوا أن أسبابه المباشرة تكمن في تراجع الفوائض التجارية لدى دول كثيرة وانهيار العائد على سندات الخزانة الأميركية إلى مستويات تاريخية إضافة إلى خسائر ضخمة لحقت العام الماضي، بالاستثمارات الأجنبية، لا سيما الاستثمارات في الأسهم. وأفادت أحدث تقارير وزارة الخزانة عن تمويل العجوزات المالية الأميركية، بأن المصارف المركزية ومؤسسات المال الحكومية التي تستثمر فوائضها المالية في سندات الخزانة الأميركية، استحوذت في المحصلة على ما قيمته نحو 70 بليون دولار من هذه السندات في 12 شهراً (الفترة من حزيران/يونيو 2009 إلى حزيران 2010) لكنها لجأت إلى تصفية ما قيمته 9 بلايين دولار من السندات ذاتها في النصف الأول من السنة الحالية. وتباينت مواقف المصارف المركزية بحدة، ففي حين خفضت الصين رصيدها من سندات الخزانة الأميركية في الفترة المذكورة بنحو 100 بليون دولار ليصل إلى 844 بليوناً، تعزز الرصيد الياباني بمقدار مماثل مرتفعاً إلى زهاء 800 بليون. وتقلص رصيد الدول العربية المصدرة للنفط بنحو 16 بليون دولار منخفضاً إلى 220 بليوناً، كما انخفض رصيد روسيا 28 بليون دولار نزولاً إلى 123 بليوناً وتضاعف رصيد مصر إلى نحو 30 بليوناً. وأظهرت التقارير أن عزوف الحكومات عن تمويل العجز الأميركي استند جزئياً إلى تطورات متوقعة، مثل لجوء المصارف المركزية إلى تصفية نحو ربع رصيدها، بما يوازي 146 بليون دولار، من سندات الخزانة قصيرة الأجل (أقل من عام) بعدما كانت اتجهت إلى هذه السندات كخيار عاجل من خيارات التحوط، ضد الآثار الكارثية للأزمة المالية، رافعة رصيدها منها من 370 بليون دولار في حزيران 2008 إلى 615 بليوناً في حزيران 2009. إلا أن سندات الخزانة طويلة الأجل التي تعتبرها الحكومة الأميركية الركيزة الأساس والأكثر ثباتاً من ركائز تمويل عجوزاتها المالية، لم تسلم من الخفض الحاد وغير المسبوق إذ خفضت المصارف المركزية 180 بليون دولار فيها خلال الفترة من حزيران 2009 إلى حزيران 2010 مقارنة مع 370 بليوناً في الفترة من منتصف 2008 إلى منتصف 2009. وبالمقارنة مع الاستثمارات الأجنبية الرسمية سجل الاستثمار الأجنبي الخاص (الشركات والأفراد) في سندات الخزانة الأميركية زيادات قياسية، فارتفع، على سبيل المثال، رصيد مركز لندن المالي الذي يجتذب تقليدياً استثمارات خاصة ضخمة من الشرق الأوسط وآسيا عموماً، من 90 بليون دولار في حزيران 2009 إلى زهاء 360 بليوناً في حزيران الماضي. لكن الاستثمارات الحكومية تلعب دوراً محورياً في تمويل العجز المالي الأميركي الذي لم يبلغ 1.4 تريليون دولار في السنة المالية 2009 ويقترب من 1.3 تريليون دولار هذه السنة فحسب، بل توقع مكتب بحوث الموازنة أن يزيد على ستة تريليونات دولار في عقد يبدأ في 2011. ورفعت المصارف المركزية رصيدها من سندات الخزانة الأميركية من 62 في المئة من الحجم الإجمالي للاستثمارات الأجنبية في 2002 إلى 79 في المئة في العام الماضي.