باريس – رويترز - أوائل حزيران (يونيو) كان المتشائمون يتوقعون انهيار اليورو، بعدما فشلت خطة لانقاذ اليونان تكلف 110 بلايين يورو (145.2 بليون دولار)، وشبكة أمان مالي بقيمة تريليون دولار لباقي دول منطقة العملة الموحدة، عددها 16 دولة، في تهدئة أسواق المال. وتوقف الاقراض بين المصارف الأوروبية تقريباً، بينما هوى اليورو إلى أدنى مستوى في أربع سنوات أمام الدولار، وتوقع كثيرون أن تتخلّف اليونان حتماً عن تسديد ديونها. وقالت المديرة الاستراتيجية لتخصيص الأسهم والأصول في «روبيني غلوبال ايكونوميكس» جينا سانشيز، خلال قمة لوكالة «رويترز» في حزيران الماضي: «نقيم احتمالاً كبيراً جداً بانهيار منطقة اليورو». ومن الأسباب التي ساقتها سانشيز للانهيار المحتمل لمنطقة اليورو، عدم وجود الرغبة السياسية لدى الدول، لخفض عجز الموازنات وإحجام ألمانيا عن تسديد فاتورة رُزم الانقاذ. ولم يكد يمر شهران حتى انفرجت أزمة منطقة اليورو وظهرت بوادر على عودة ثقة المستثمرين. فارتفع اليورو عشرة في المئة أمام الدولار، وسجل اقتصاد منطقة اليورو انتعاشاً أقوى من المتوقع على رغم تذبذبه، وفاق أداءُ الأسهم الأوروبية أداءَ مؤشر «ستاندرد آند بورز 500 « لأسهم الشركات الأميركية الكبرى في تموز (يوليو) وعادت المصارف الأوروبية على الاقراض، في ما بينها عقب نشر نتائجها عن اختبارات التحمل. وازدادت حالة التفاؤل بفضل تسجيل الشركات نتائج قوية في النصف الأول من السنة، بما فيها المصارف الكبرى في منطقة اليورو، وبعد تقرير ايجابي لصندوق النقد الدولي والمفوضية الأوروبية في شأن اليونان. وتقلصت علاوة الأخطار التي يتقاضاها مستثمرون للاحتفاظ بسندات دول من منطقة اليورو مثل اسبانيا والبرتغال وايطاليا وإرلندا، إلى أدنى مستوياتها منذ نيسان (أبريل). وتراجعت تكلفة اقتراض اسبانيا في مناقصةٍ على سندات لأجل ثلاث سنوات الأسبوع الماضي، كما انخفضت تكلفة التأمين على ديون اسبانيا والبرتغال من التخلف عن التسديد. وجاءت اختبارات التحمل للمصارف الأوروبية - التي انتقدها محللون باعتبارها متساهلة، عندما فشلت 7 مصارف فقط في تجاوزها من أصل 91 مصرفاً - لتحل المشكلة إلى حد كبير بتأمين بيانات تفصيلية تظهر أن معظم المصارف قوية بما يكفي للصمود أمام الأخطار السيادية الرئيسة. وتوقف البنك المركزي الأوروبي تقريباً عن شراء السندات الحكومية للدول الضعيفة في منطقة اليورو، وهو اجراء طارئ اتخذه «المركزي» لتحقيق الاستقرار في سوق السندات، في خضم أزمة أيار (مايو). وتثير سرعة تحول المعنويات، السؤال عما إذا كان خطر انهيار منطقة اليورو وامتداد أزمة الديون الحكومية شهد مبالغة منذ البداية. وتفاقم الانزعاج في شأن اليورو، نتيجة استمرار عداء لندن - أكبر مركز مالي في أوروبا - لمشروع العملة الأوروبية الموحدة وشكوك الولاياتالمتحدة. واستخفت الأسواق - المتوترة بسبب تعقيد عملية صناعة السياسة في الاتحاد الأوروبي والمقاومة الداخلية في ألمانيا- بالارادة السياسية للحكومات الرئيسة في بذل ما في وسعها لتحقيق الاستقرار في منطقة اليورو. وبدا أيضاً أن الأسواق تبالغ بشدة، في هشاشة الوضع المالي والسياسي لأسبانيا والتي اعتبرت لفترة وجيزة التالية بعد اليونان والقشة التي قد تقصم ظهر منطقة اليورو. وكان رئيس البنك المركزي الأوروبي جان كلود تريشيه حذّر عن حق، عندما صرح الأسبوع الماضي قائلاً: «لا أعلن النصر»، إن أسواق النقد تتحسن لكنها لم تعد إلى حالتها الطبيعية بعد. ولا تزال المصارف الصغيرة لا سيما في شمال أوروبا، عاجزة عن الحصول على قروض مصرفية لأن المصارف الكبرى تشكك في ملاءتها المالية. ولا تزال تلوح أخطار كثيرة، منها احتمال أن تتراجع الحكومات مع هدوء الأسواق عن أمور صعبة لكنها ضرورية مثل اعادة هيكلة المصارف وخفض الموازنات وتنفيذ اصلاحات اقتصادية بعيدة المدى، كنتيجة المعارضة السياسية والاجتماعية. ويستغرق الأمر سنوات من اصلاحات لا تحظى بشعبية، لخفض تكاليف برامج التقاعد وأسواق العمل ومدفوعات الرعاية الاجتماعية والقطاع العام، من أجل خفض ديون الدول والعجز الكبير في موازناتها. وربما تضطر اليونان، على رغم تقرير تقدمها المثير للاعجاب، إلى اعادة هيكلة ديونها الضخمة، ما يضطر حاملي السندات إلى قبول خفض في قيمة الديون، بحسب اعتقاد محللين، إلا أن ذلك قد يتأجل ثلاث إلى خمس سنوات بفضل مساعدات الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي. ويُرجح أن يتباطأ التعافي الاقتصادي، إذ تؤدي اجراءات التقشف إلى تراجع في الطلب العام والخاص ما يصعِّب خفض معدلات البطالة. وربما ترتفع أسعار الفائدة في أسواق النقد عندما يسحب البنك المركزي الأوروبي مزيداً من السيولة الوفيرة التي ضخها في النظام المصرفي. إلى ذلك لا تزال توجد اختلالات اقتصادية وفوارق حادة في القدرة التنافسية بين دول شمال أوروبا تقودها ألمانيا ودول منطقة اليورو المطلة على البحر المتوسط. فبينما يمضي الاقتصاد الألماني الذي يعتمد على التصدير إلى الأمام، يتعثر الاقتصاد اليوناني في ركود ناجم عن اجراءات التقشف وتسجل أسبانيا والبرتغال نمواً ضعيفاً وهما تحاولان خفض عجز الموازنة. ربما لم تعد الأسواق تترقب خطراً يهدد وجود منطقة اليورو، لكنها ترى مشاكل تجعل المستثمرين أشد حذراً وانتقائية مما كانوا خلال الأعوام العشرة الأولى من عمر العملة الأوروبية الموحدة.