بدأ الكاتب الأميركي براد بري (المولود في الينوي - 1920) الكتابة باكراً في العشرين من عمره، وتفرغ للكتابة بمعدل ألف كلمة يومياً. فهو كان غزير الإبداع، معدله قصة أسبوعياً، قصته تتراوح بين الخيال العلمي وقصة الرعب وقصة مصاصي الدماء وعوالم الخرافات والأساطير القديمة. يكتب الرواية والسيناريو (سيناريو موبي ديك، وسيناريو «جاء من الفضاء الخارجي»)، أما أشهر رواياته فهي: «درجة 451 فهرنهايت» و «نبيذ الهندباء البري». حولت الأولى إلى فيلم سينمائي عام 1966 والى باليه عام 1988، أما الرواية الثانية فأطلق اسمها على إحدى فوهات البراكين القمرية. وقد دعت شهرته في الخيال العلمي اليابانيين إلى الاستعانة به في تصميم مدينة القرن الحادي والعشرين في طوكيو. تضم مجموعة «المريخ جنة» (صدرت الترجمة العربية في دمشق عن وزارة الثقافة بتوقيع شاكر الأنباري) عشرين قصة تسودها الفكرة التي يبدع لها المؤلف الشخصيات والحوارات والأجواء. أما سرده فسريع تتلامع فيه أحياناً جملة شعرية، لكن القصة غالباً ما تنتهي بنهاية تشرق بالشمس على الدمار أو ابتسامة من العابرين الذين يظهرون من خلف الركام. في قصة «التابوت» يصمم الأخ الأكبر تابوتاً فيما يستعجل الأخ الأصغر موته، لا يبين المؤلف سبباً درامياً للكراهية معتمداً على الذاكرة الجمعية، فعداوة الأخوين منذ قابيل وهابيل مستمرة، يخطر للأصغر تجريب التابوت العجيب الذي يتسع كالحافلة لموتى كثر ويصدر موسيقى وله سقف شفاف، فيلحق بالأخ الأكبر مطعوناً بعشرات الأنصال. كأنما يحذّر الكاتب في القصة من لوثة الاختراعات أو الجهل بالآلة أو العداوة المجانية. في النهاية الموت لا مفر منه. في قصة «مطر ناعم سينهمر» يستعرض المؤلف يوماً من حياة مدينة آلية عام 2026 موحشة ويتابع حركات بشر يعانون الوحشة، وحيوانات كئيبة، على وقع دقات الساعة التي يبدأ بها مقاطع لوحات القصة التي تشبه لوحة طبيعية صامتة، تنتهي المدينة محترقة ثم تسطع الشمس على الأنقاض. وفي قصة «رجل الصاروخ» حكاية عائلة سعيدة في كوكب المريخ يسأل الابن فيها أباه عن طرق الموت فيعدّدها: الموت بالشهب، تسرب الهواء من الصاروخ، تصادم، اختناق، انفجار، قوة طاردة، سرعة فائقة، سرعة بطيئة، البرد، الشمس، القمر، النجوم، الإشعاع، الكويكبات...) ثم يموت الأب الملاح بسقوط مركبته في الشمس، لكن الحزن في كوكب المريخ معدوم. ولعل قصة (وعود، وعود) من أكثر قصص المجموعة درامية وفيها تنتهي علاقة عشيقين بسبب نذر الزوج لربه إن شفى ابنته من مرض ألمَّ بها إثر حادثة سقوط بأن يتخلى عن عشيقته. ويدور حوار ساخن بين العشيقين بسبب النذر. تحاول العشيقة أن تثنيه عن الوفاء بالنذر والمحافظة على حبهما الثمين، لكن الأب يأبى إلا أن يشكر الرب الذي أنقذ ابنته نتيجة لنذره كما يعتقد، فالتخلي عن حب «آثم» هو شكر واجب وعادل على حب فطري وشرعي. الكاتب لا تغيب عنه ضرورة الإيمان والغفران في مدنه وكواكبه ومدارات الفضاء الخارجي، ويحقن قصصه برسائل أخلاقية ومواعظ سافرة في متون قصصه. ففي قصة «باركني أبانا... إنني أخطأت» يقدم شخص إلى الكنسية في ليلة الميلاد مستعرضاً آثامه بقتل كلبه وأبيه وأمه، طالباً من الأب الغفران، فيومئ له علامة على الرضى بتوبته بعد الاعتراف بها والندم عليها، ويدعوه الأب في نهاية القصة إلى كأس في يوم بارد غفر فيه الثلج ببياضه خطايا الأرض. وفي قصة «المدن الصامتة» يفيق آدم أخيراً على مدينة مهجورة ليس فيها احد، ثم يعثر على حواء وحيدة في مدينة تبعد عشرات الأميال فيذهب إليها لكنه يجدها قبيحة، وسخة، غارقة في أكل الحلوى، فيهرب منها (فيما يرن الهاتف سنة إثر سنة من غير أن يجيب عليه). في قصة «الباب المسحور» المرعبة تستيقظ كلارا في البيت العتيق، على أصوات أقدام وخطوات تحسبها جرذاناً أو قططاً وأرانب وتطلب هيئة مكافحة الحشرات والقوارض، لكن الأمر لا يجدي، ثم لا تلبث هي أن تختفي (كأنها منديل ساحر). وفي قصة «مخابرة المكسيك» جنرال مقعد في المشفى بقلب اصطناعي يحاول استغفال طبيبه وسرقة الحديث في مخابرات هاتفية للاستئناس مع أصدقاء بعيدين وسط مراقبة الممرضة الحريصة على إبعاده من الانفعالات... الطبيب والممرضة يقتنعان بحاجته إلى زوار لكن الموت يكون أسرع الزائرين إليه. في قصص براد بري، نبوءات بالجريدة الالكترونية والانتقال إلى العيش في المريخ المتوهج بالحمرة في ليالي الأرض (له رواية بعنوان «الأحداث المريخية»)، كما تمور بمصطلحات الفضاء وأسماء الآلات والمواد الكيماوية والرحلات الفضائية والصواريخ والعربات الفضائية. المكان الأثير في قصصه هو المدينة الشاحبة. المترجم يشير إلى قلة قراء قصص الخيال العلمي بسبب التخلف العلمي، ولعل سيادة الحياة الريفية سبب آخر. وربما يفضل عليها القراء العرب قصص الماضي التليد.