كانت انتخابات مجلس الشورى (الغرفة الثانية في البرلمان) المصري التي فاز فيها الحزب الوطني الحاكم بغالبية كاسحة، اختباراً جدياً للتعديلات الدستورية التي أقرت قبل بضع سنوات، خصوصاً المادة 88 التي ألغي بموجبها الإشراف القضائي الكامل على الانتخابات، لكن هذا الاختبار كشف سلبيات عدة، إذ عُهد إلى نحو 175 ألف موظف عمومي الإشراف على سير العملية الانتخابية في أكثر من 28 ألف لجنة فرعية، بعد استثناء اللجان في 14 دائرة انتخابية فاز فيها نواب من «الوطني» بالتزكية، فيما عهد للقضاة بالإشراف على 55 لجنة عامة بواقع 9 قضاة في كل لجنة. وأجريت انتخابات مجلس الشعب (الغرفة الأولى في البرلمان) العام 2005 تحت إشراف قضائي كامل ووفقاً لمبدأ «قاض لكل صندوق»، وهي تجربة لاقت استحساناً كبيراً من مراقبين، بعد حكم للمحكمة الدستورية العليا العام 2000 بأن تجرى الانتخابات العامة تحت إشراف قضائي كامل استناداً إلى نص المادة 88 من الدستور على أن «يتم الاقتراع تحت إشراف أعضاء من هيئة قضائية». لكن التعديلات الدستورية التي أقرت لاحقاً عدلت هذه المادة لتتضمن إجراءات تنفيذية استغرب قانونيون أن يأتي ذكرها في الدستور كفترة إجراء الاقتراع التي حُددت بيوم واحد، كما شكلت المادة 88 «لجنة عليا تتمتع بالاستقلال والحياد للإشراف على الانتخابات» تتولى «تشكيل اللجان العامة التي تشرف على الانتخابات على مستوى الدوائر الانتخابية واللجان التي تباشر إجراءات الاقتراع ولجان الفرز علي أن تشكل اللجان العامة من أعضاء من هيئات قضائية، وأن يتم الفرز تحت إشراف اللجان العامة». وبهذا التعديل، اقتصر إشراف القضاة على اللجان العامة فقط من دون اللجان الفرعية التي تشهد أصلاً عمليات الاقتراع. وقال رئيس مؤسسة «ماعت» الحقوقية رئيس «تحالف دعم الرقابة الشعبية على الانتخابات» أيمن عقيل ل «الحياة» إن تجربة إلغاء الإشراف القضائي «أثبتت فشلها بعد نجاح تجربة قاض لكل صندوق». وأضاف أنه على رغم «الحياد النسبي» للأمن خلال العملية الانتخابية، فإن رؤساء اللجان الانتخابية وأعضاءها من الموظفين العموميين «ارتكبوا مخالفات جسيمة»، مشيراً في هذا الصدد إلى منع المواطنين من التصويت إلا ببطاقة الانتخابات على رغم أن القانون يجيز لمن ورد اسمه في الكشوف الانتخابية أن يدلي بصوته. ولفت عقيل إلى أن بعض رؤساء اللجان كانوا يمنعون مندوبي المرشحين والأحزاب من دخول اللجان من دون إبداء سبب، كما أغلق بعضهم اللجان لتناول الغداء وقبل آخرون توزيع المرشحين وجبات غذائية على الناخبين، «وفي بعض الأحيان على أعضاء اللجان، وهو أمر صعب جداً لم يكن ليقبله القضاة فضلاً عن استمرار عملية الدعاية الانتخابية داخل اللجان من مرشحي الحزب الوطني والمستقلين وجماعة الإخوان وأيضاً أحزاب المعارضة». وأوضح أن «القاضي المشرف على اللجنة العامة لا يمكنه بأي حال من الأحوال متابعة كل اللجان الفرعية التي تتبعه... القاضي له هيبة ومن ثم لا يجرؤ أي ناخب أو مرشح على التجاوز ضده، أما الموظف العمومي فقد يخضع للضغوط أو للحياء الأدبي مثلاً. في السابق كانت التجاوزات مصدرها الأمن، لكنه كان في هذه الانتخابات حيادياً إلى حد ما، والمشكلة تكمن في رؤساء وأعضاء اللجان الانتخابية الفرعية». وأكد أن «الأمن لم يمنع الناخبين من دخول اللجان هذه المرة، لكن رؤساء اللجان منعوهم من الإدلاء بأصواتهم، على عكس انتخابات مجلس الشعب السابقة حين كان الأمن يمنع الناخبين في ما يطلب القضاة من الجماهير الدخول إلى المقار الانتخابية، وهو الأمر الذي كان يسبب خلافات حادة بين القضاة والقيادات الأمنية». لكن نائب رئيس محكمة النقض المستشار أحمد مكي «لا يرى فائدة من الإشراف القضائي على الانتخابات في ظل إرادة التزوير». وقال مكي ل «الحياة» إن أي انتخابات لا تجري تحت إشراف قضائي كامل وحقيقي تمثل «مفسدة وعملاً خبيثاً، لكن لا يجوز أن يتحمل القضاة وزر تزوير يرتكب رغماً عنهم». وأضاف: «خضنا في تجربة الاشراف القضائي على انتخابات العام 2005 معارك ضارية في سبيل وقف التزوير، وأوقفنا بعضه، إذ كانت الحكومة تتورع عن الدخول في صدام مباشر مع القضاة، لذا اتسمت المرحلة الأولى من الانتخابات بقدر من النزاهة، غير أن الحكومة لم تحتمل نتيجة هذه المرحلة، فقررت العودة إلى التزوير رغماً عن إرادة القضاة في المرحلتين الثانية والثالثة». وشدد على أن «وجود القضاة يغير فقط في أسلوب التزوير، كما حصل في المرحلتين الثانية والثالثة من انتخابات مجلس الشعب في العام 2005، مثل حصار اللجان أو تضييع الكشوف». واعتبر أن «إشراف القضاة أربك الحكومة في التزوير، لأنها لم تكن تتخيل أن يأخذ القضاة هذا الموقف الحازم، لذا قررت إلغاء الإشراف القضائي حتى لا تحرج نفسها مرة أخرى»، مشيراً إلى أنه طالما بقت «إرادة التزوير فلن يوقفها أحد... سيحدث التزوير مع اختلاف الأساليب، لذا أرى أن تزوير الحكومة الانتخابات بعيداً من القضاة أفضل من تزويرها تحت سمعهم وبصرهم ورغماً عنهم، كي لا يفقد القضاء هيبته وثقة المواطنين». في غضون ذلك، اتهم الأمين العام للحزب الوطني الحاكم في مصر رئيس مجلس الشورى صفوت الشريف منافسي حزبه، من دون أن يسميهم، بتدبير أعمال عنف «وإشعال النار فى عدد من اللجان والاعتداء على المندوبين وأعضاء اللجان الانتخابية والقيام بأعمال ترويع والتراشق مع الأمن خارج اللجان، بهدف تشويه صورة الانتخابات وإشاعة الفوضى إلى جانب عدم الالتزام بالقانون». وقال الشريف في تصريحات نقلتها وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية إن فوز حزبه في انتخابات الشورى «كان متوقعاً ولم يمثل مفاجأة». وشدد على أن «كوادر الحزب الوطني التزمت القواعد المنظمة للعملية الانتخابية في كل مراحلها»، مضيفاً أن «حملة التشويه والاتهامات، مخططة ومتوقعة قبل أن تبدأ العملية الانتخابية».