يعيد الألمان اكتشاف شخصية المحقّق فريتز بوير الذي انخرط في ملاحقة النازيين ومحاكمتهم بعد عقود طويلة من النسيان، وذلك بفضل فيلمين أبصرا النور في أقل من عام. وفريتز بوير هو ابن عائلة يهودية عانت من اضطهاد النازيين، لكنه لم يكن مؤمناً بديانة والديه، بل كانت دوافعه السياسية والاجتماعية هي قناعاته الاشتراكية اليسارية. ولسنوات طويلة، جعل بوير الألمان يكرهون المحققين، اذ كان ينظر اليه على انه يزدري الأمة الألمانية الناهضة من ركام الحرب والنازية. ورأت صحيفة «سودويتشي تسايتونغ» ان تجسيد شخصية المحقق في هذين الفيلمين ونضاله الشرس بعدما تناولته افلام وثائقية عدة «تضعه أخيراً في الموقع الذي ينبغي ان يكون فيه: في الضمير الجمعي للأمة الألمانية». ويروي فيلم «متاهة الصمت» للمخرج جوليو ريكياريلي والمرشح لجوائز أوسكار للعام 2016 واحداً من انجازاته الكبرى، حين قدم للمحاكمة 22 نازياً عملوا في معسكر أوشفيتز، كاشفاً للرأي العام آلية عمل هذا المعسكر. وكان لهذه المحاكمة التي جرت بين عامي 1963 و1965 في فرانكفورت تأثير كبير في الرأي العام، فقبل ذلك كان الألمان يظنون ان الصور المنشورة عن معسكرات الاعتقال كانت جزءاً من دعاية الحلفاء، وفق ما يروي القاضي ايراردو كريستوفورو روتنبرغ لصحيفة «دي تسايت». وكانت جهود المحقق تواجه انتقادات شديدة، ففي احدى المرات قال له احد زملائه: «أتريد ان يتساءل كل شاب ألماني حول ما ان كان والده قاتلاً؟»، فأجابه «نعم، هذا ما اريده تماماً». اراد بوير «كسر الصمت حول جرائم النازية» في الوقت الذي كانت ألمانيا الغربية السائرة بعد الحرب الثانية على طريق ما يعرف بالمعجزة الاقتصادية، ترغب في طي صفحة الماضي، وفق رونين شتاينك الذي كتب سيرة للمحقق. وجعله ذلك هدفاً لمجموعات النازيين الجدد، وعرضة لمحاولات اغتيال. ويروي الفيلم الثاني «فريتز بوير بطل ألماني» للمخرج لارس كروم محاكمة المسؤول النازي أدولف ايخمان، والتي جعلته عرضة لمزيد من الضغوط والتهديدات والعداء. وكان يقول: «ما ان اخرج من مكتبي حتى اشعر انني في أرض معادية»، في وقت كانت دوائر القضاء تعج بالموالين للنظام النازي السابق، وفق المؤرخ فرنر ريتز صاحب كتاب «فريتز بوير وفشل العدالة». وقد سلّم المحقق وثائق الى السلطات الإسرائيلية أتاحت توقيف أيخمان ومحاكمته في الوقت الذي كان القضاء الألماني متردداً ولم يطالب بتسلم المسؤول النازي لجعله يمثل امام محاكمه. كان بوير منخرطاً في قضايا اصلاحية متعددة، من تأهيل المقاومة الألمانية ضد النازية الى اصلاح السجون، وقد كبر تأثيره بعد وفاته، سواء في المحاكم أم في خارجها. ومع انه لم ينجح في فرض وصفه لمعسكرات الاعتقال النازية بأنها «مؤسسات للموت الجماعي» اثناء محاكمات فرانكفورت، الا ان وجهة نظره اصبحت حقيقة سائدة بعد خمسين سنة، وحضر هذا الوصف في محاكمة جون ديميانيوك في العام 2011 ومن ثم في محاكمة اوسكار غرونينغ صيف العام 2015. في تموز (يوليو) 1968 وجد بوير ميتاً في حمام منزله في ظروف غامضة، لكن افكاره ما زالت مفيدة «لجيل شاب يطالب بديموقراطية المجتمع والقطع مع التراث الاستبدادي»، وفق روتنبرغ.