كان من الطبيعي أن تكون المخرجة الألمانية المعروفة مارغريت فون تروتا هي من يتصدى لفيلم يروي سيرة الفيلسوفة حنة آرندت في فيلمها الأخير «Hannah Arend» فهي التي تصدت لرواية العديد من الشخصيات النسائية الملهمة كروزا لوكسيمبرج الفيلسوفة والمنظرة الماركسية في فيلم «Rose Luxemberg» 1986 والراهبة هيلدجارد فون بينجن في فيلم «Vision» 2009، ومع نفس الممثلة باربارا سوكوا والتي أدت الدورين السابقين ونالت عن دورها في روزا لوكسيمبرج جائزة أحسن ممثلة من مهرجان كان. يدور فيلم «حنة آرندت» حول حدث هام جداً في حياة آرندت ألا وهو تغطيتها لمجلة نيويوركر لمحاكمة النازي أدولف أيخمان عام 1961 في إسرائيل. فقد طلبت آرندت من المجلة أن تذهب لتغطي المحاكمة في القدس؛ حيث عرض الفيلم أرشيف المحاكمة التاريخية لأيخمان والذي كان مسؤولاً عن ترحيل مئات اليهود إلى معسكرات الاعتقال النازية. ما أدهش المنظرة السياسية والتي كتبت كثيراً عن الأنظمة الشمولية هو أن أيخمان بدا في المحاكمة شخصاً عادياً بذكاء متوسط ولم يكن يعاني من أي مشاكل نفسية وأنه كان يقول إنه لم يكن يشعر بأي عداء شخصي لليهود وإنما كان ينفذ الأوامر ويتبع التعليمات. لم تستطع الظروف التي مرت بها حنة آرندت اليهودية التي هربت من ألمانيا إلى فرنسا أثناء حكم هتلر ثم اعتقلت في فرنسا ووضعت في إحدى المعسكرات أثناء احتلال الألمان لفرنسا ثم هربت هي وزوجها إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية، وهذا الأمر مذكور في معرض حديث آرندت في إحدى محاضراتها، لم يمنع ذلك من أن ترى أنه لا تجب محاسبة هذا الشخص الذي ذكرت أنه لا يملك من الذكاء ما يجعله يميز بين الخير والشر، فهو مجرد موظف يتبع القانون وهو ما جعلها تخرج بمصطلح أصبح فيما بعد مصطلحاً شهيراً هو «عادية الشر». وقد ذكرت أيضاً في مقالاتها أن هناك من اليهود من تآمر على أبناء ملّتهم لصالح النازيين. بالطبع لم يكن من شأن هذه المقالات أن تمر مرور الكرام فقد أدت إلى أن تتهم آرندت بالعداء للسامية وأن يبتعد عنها كثير من أصدقائها اليهود بل وحتى أن تنبذ في مكان عملها وحياتها الشخصية. مارغريت فون تروتا وقد ركز الفيلم على شخصية آرندت واهتمامها بالبحث عن الحقيقة بغض النظر عمن تخسر ومن تكسب ويبدو هذا جلياً في سؤال زوجها هنريك بولتشر (قام بدوره أليكس ميلبيرغ) في آخر الفيلم: هل لو عاد بك الزمن ستقومين بتغطية المحاكمة؟ قالت: نعم. لكننا لم نعرف من ماضيها إلا ما ذكرته هي عن هروبها من ألمانيا وباسترجاع شيء بسيط من ذكرياتها مع الفيلسوف الشهير مارتين هايدغر كأستاذ لها أبهرها بمحاضراته وأطروحاته وارتبطت معه بعلاقة عاطفية. لقطة من الفيلم مخرجة الفيلم مارغريت فون تروتا هي من مجموعة المخرجين الألمان الذين أسسوا للسينما الألمانية الجديدة بين الستينات والثمانينات والتي أعادت للسينما الألمانية ألقها بعد الحرب العالمية الثانية، وقد استفادت من الموجة الفرنسية الجديدة لصناعة أفلام جيدة بميزانيات متواضعة. لكن فيلمها هذا ليس بالتأكيد أفضل أفلامها. فالكثير من النقاد أخذ على الفيلم اعتماده الكبير على الحوارات بأسلوب مسرحي وهو صحيح إلى حد كبير، إلا أن أداء سوكوا القوي وانفعالاتها بل حتى شرودها الدائم يعطي إحساساً بأن ذهن آرندت كان ذهناً متقداً بالأفكار والتساؤلات. والواقع أن الأداء والشخصية والأفكار التي طرحها فيلم «Hannah Arendt» هي كلها عناصر كافية لجعل الفيلم يستحق المشاهدة والتأمل.