لو طلبت من مصلحة الأرصاد الجوية أن توفر لي الطقس الذي أريد وأتمنى يوم الأحد الماضي لما استطاعت أن تزيد على طقس اسطنبول ذلك اليوم، وهو يوم إجازة في نهاية الأسبوع، زرت فيه مع أصدقاء بعض أشهر معالم المدينة بين متحف ايا صوفيا ومتحف توبكابي والمساجد والدور والقصور العثمانية المجاورة، ووجدنا فيه أنفسنا وسط بحر زاخر من السياح ذكرني بالمعاناة في «ديزني وورلد» في فلوريدا ونحن نقف في الطابور ساعات للاستمتاع بلعبة لا يزيد طولها على بضع دقائق. كنت وجماعة من الأصدقاء العرب في اسطنبول للمشاركة في افتتاح محطة التلفزيون «التركية»، وهي عربية اللغة وموجهة الى العالم العربي في الأساس والعرب في كل مكان، والمدير العام ابراهيم شاهين من أبرز شخصيات حزب العدالة والتنمية. ووقفنا في طوابير السياح خلال ذلك اليوم البديع الطقس، وحضرنا مساء حفلة افتتاح المحطة بمشاركة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان الذي لم يكن حضوره نصف ساعة ومن نوع «رفع العتب»، وإنما بقي معنا أربع ساعات وبدا سعيداً ببرامج يوم البدء، واشتركت مع الصديق فهمي هويدي في اجراء مقابلة صحافية تلفزيونية معه كان يفترض أن تستمر نصف ساعة فطالت الى نحو ساعة، وهو يرد على كل سؤال بتفصيل، وبثقة واضحة في النفس لم يحتج معها الى أي لف ودوران. المقابلة أذيعت والصحف نقلت عن التلفزيون، فلا أحتاج الى تكرار هنا وإنما أضيف بعض اللقطات، فقد قلت له في البداية إنني لا أعرف ماذا أسأله لأنني أجد نفسي، ربما للمرة الأولى في عملي صحافياً، أتفق مع كل ما ورد في الخطاب الذي ألقاه في افتتاح المحطة، كما اتفقت مع كلامه وهو ينسحب من جلسة في دافوس في كانون الثاني (يناير) السنة الماضية احتجاجاً على كلام الدجال شيمون بيريز، وانتصاراً لقطاع غزة وأهله ضد الهجمة البربرية الإسرائيلية، كنت قلت له إنني حضرت تلك الجلسة التاريخية، إلا أنني لم أقل له إن زوجة صديق هو رئيس وزراء عربي سابق ترفع علم تركيا مع علم بلدها في زاوية من صالون بيتها منذ ذلك اليوم المشهود. لعلي في عملي من نوع الكلام المعروف «لست بخبٍّ (مخادع) والخب لا يخدعني». فقد ولد الشك في الناس معي، وزاد على التليد الطارف بحكم العمل والاحتكاك بالسياسيين عرباً وأجانب، إلا أنني مع ذلك أجد رجب طيب أردوغان صادقاً في مواقفه من القدس والحرم الشريف وغزة وأهلها، فحزب العدالة والتنمية الذي يرأسه أردوغان له خلفية اسلامية ثابتة، وهو رجا أن تكون محطة «التركية» وسيلة خير بين الأتراك والعرب الذي قال إنهم مثل أصابع اليد، ومثل الظّفر ولحمه، وأكد «ماضينا واحد، ومستقبلنا واحد»، وزاد بالعربية «الجار قبل الدار»، كما تحدث عن وحدة المصير بين اسطنبول وأنقرة والقاهرة وبيروت وعماّن ومكة والمدينةوالقدس، وكل مدينة عربية وتركية، وسرني أن أجده يشير الى محمود درويش، وأن يوشِّي خطابه بعبارات عربية، وأن يؤكد «توجَّهنا الى الغرب من دون أن ندير ظهرنا الى الشرق». كنت في هذه الزاوية، وبعد مجيء حزب التنمية والعدالة الى الحكم سنة 2002، وقبل أي مواقف معلنة له في السلطة، كتبت أن حكومة أردوغان هي أفضل حكومة تركية للعلاقات العربية - التركية منذ نصف قرن أو نحوه، ولا أزال عند رأيي بل أقول إن كل ما فعلت الحكومة التركية في سبع سنوات يؤكد أنها حكومة صديقة حليفة لا تكتفي بالتعاطف مع القضايا العربية، بل تنتصر لها كأنها قضايا تركية، والموقف التركي من القدس والمسجد الأقصى والاستيطان هو مثل أفضل المواقف العربية المعلنة. تركيا، في ظل حكومة أردوغان، على علاقة طيبة مع إيران أيضاً، ولم يخرج رئيس الوزراء في المقابلة معنا عما أعرف من تصريحاته الرسمية عن الموضوع، فهو يفضل التعامل الديبلوماسي مع الملف النووي الإيراني، ويعتقد أن البديل من ذلك كارثة على الشرق الأوسط والعالم. قلت له إنني أتمنى لو أن إيران تكذب وأنها في سبيل انتاج قنبلة نووية، ولو أن تركيا تسعى الى امتلاك سلاح نووي، وأيضاً مصر والسعودية وكل بلد في المنطقة فسباق تسلح نووي عسكري هو السبيل الوحيد لتهبّ الدول الكبرى وتسعى جدياً لتجريد الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، فنتخلص من الترسانة النووية الإسرائيلية التي تهدد الجميع. أعرف أن كلامي هذا قد لا يرضي بعض الناس فأقول إنني أصر على صوابه، واللي بيعطيني معاش (من المعترضين عليه) يقطعه. [email protected]