يعيش العالم الآن في فوضى عارمة أحدثها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عندما قرّر بشكل أحادي التخلّي عن السياسات التي كانت تقودها أمريكا لعقود طويلة وهي فلسفة العولمة والسوق الحرّة والشركات العابرة للقارات ومعها قوانين منظمة التجارة العالمية. الخطوة التي مازال العالم يحاول دراسة أبعادها الخطيرة وكيفية التعامل مع عواقبها الوخيمة هي التعرفة الجمركية التي فرضها ترامب على معظم المنتجات التي تستوردها الولاياتالمتحدة من العالم. لم يستغرق الوقت طويلا قبل أن تنعكس هذه القرارات على الأسواق العالمية فألحقت بها خسائر الله وحده أعلم بعواقبها الوخيمة. مع إغلاق سوق الأسهم الأمريكية الخميس الماضي كانت الخسارة قد وصلت إلى ثلاثة تريليون دولار وقد تستمر هذه الانعكاسات السلبية إلى أجل غير مسمّى. المفارقة الساخرة في هذا الأمر، بعيدا عن العواقب الاقتصادية الوخيمة المنتظرة، هو أن صاحب هذه القرارات الأحادية ينتمي إلى بلد يعتبر المصدر الرئيس للثقافة الليبرالية الرأسمالية التي تهتم بالتجارة الحرة والسوق العالمية في الوقت الذي تلعب فيه الصين، معقل الثقافة الشيوعية الاشتراكية، دوراً عولمياً تروّج فيه للتعاون العالمي والتجارة الحرة. هذه الفوضى العارمة من القرارات العاصفة والمتتابعة للرئيس الأمريكي الذي استلم السلطة قبل شهرين تقريبا فقط، تجعل المرء يتساءل عن الوضع الذي يكون عليه العالم بعد مضي أربع سنوات من الآن خاصة إذا استمر على نفس الفلسفة الداروينية التي يطبقها الآن، ولا يبدو أنه سيتخلى عن ذلك بسهولة. في الوقت نفسه، يقوم الدارويني الآخر، النتن ياهو، بارتكاب جرائم إبادة في حق الشعب الفلسطيني في غزة أمام أنظار العالم الذي انشغل في نفسه مع أزمة التعرفة الجمركية الجديدة التي أحدثها ترامب. الخسّة المعهودة للصهاينة توضّح أنهم سيستغلّون هذه الفوضى في ارتكاب المزيد من الانتهاكات في الأرض العربية لأنهم يهاجمون بقوة عندما تسنح لهم الفرصة، لكنهم يفرّون كالدجاج حينما يجدون أدنى مقاومة، كما هي المقولة الشائعة عنهم. لم يكن نتن ياهو سيرتكب هذه الجرائم دون مساعدة ترامب. كلاهما دارويني متطرف. ولتأكيد الفلسفة الداروينية التي جاء بها تشارلز داروين والتي تعني ببساطه شديدة البقاء للأقوى، يصرّح وزير الاقتصاد الألماني مهددا ترامب بلغة قوية قائلاً "سنرى من الأقوى يا ترامب." نحن، إذن، أمام صراع دارويني بين قوى العالم في الشرق والغرب. بل يمكن القول إن الغرب نفسه في صراع دارويني مع نفسه بين الاتحاد الأوروبي من جهة وأمريكا من جهة أخرى. الصراع مع الشرق، والمتمثلّ بالتنين الصيني والدب الروسي، يحتاج مقالا آخر. قاتل الله داروين فقد جاء بمذهب تنافسي شيطاني يرى الحياة على أنها صراع يفرض فيها القوي شروطه على الضعيف الذي لا حول له ولا قوة إلا بالله.