المكرمة اقدس بقاع الارض.. منها انطلقت الرسالة الخاتمة للبشرية جمعاء.. واليها تهفو قلوب الملايين.. فكيف ان كنت ابناً من ابنائها وكانت ذات المجد في الدين والدنيا بعيدة عنك. ها هو شاعرنا.. يسوقه الحنين اليها مسترجعاً ذكرياته وميلاده على ثراها الطاهر.. وايام شبابه في بطحائها.. وسليل الامجاد يردد.. ليتني ما ارتجلت.. عنها رحمة الله واسبغ عليه شآبيب رحمته. شَجانا مِنْكِ يا مَكَّةُ ما يُشْجى المُحِبِّينا! فقد كُنْتِ لنا الدُّنيا كما كنْتِ لنا الدِّينا! وكنْتِ المَرْبَعَ الشَّامخَ يُرْشِدُنَا ويَهْدِينا! وكنْتِ الدَّارةَ الشَّمَّاءَ تُكْرِمُنا وتُؤْوِينا! وكنْتِ الرَّوضَةَ الغَنَّاء تُلْهِمُنا وتُعْلِينَا! فما أَغْلاكِ يا مكَّةُ أَنْجَبْتِ المَيامِينا! وما أَحْلاكِ يا مكَّةُ ما أحلا القرابينا! نُقَدِّمُها لِمجْدِ الله يُسْعِدُنا ويُدْنينا! أيا مَوْطِنَ مِيلادي لقد شَرَّفْتِ مِيلادي! كأَنِّي وأنا النُّطْفَةُ كُوشِفْتُ بِأعْيادي! وكانَ صِبايَ تغريداً كأَنِّي البُلبُلُ الشَّادي! يَرى في الرَّوْضِ والغُدْرانِ ما يَنْشُدُه الصَّادي! وما كانت سوى الأَّقْداسِ أَوْدَعَها بِها الهادي! فَسُبْحانَ الذي كَرَّمَ منها الطَّوْدَ والوادِي! فكانا سادةَ الأَرْضِ بأغوارٍ وأَنْجادِ! فَهَلِّلْ يا صِبايَ الغَضَّ أَنْتَ سَلِيلَ أَمْجادِ! وكانَ شَبابيَ المَجْدُودُ بين ظِلالِها يًنْمُو! ويَمْرَحُ بَيْنَ أَتْرابٍ شمائِلُهم هي الغُنمُ! فَكلُّ سِماتِها شَمَمٌ وكُلُّ لِداتِها شُمُّ! هي الأُمُّ التي احْتَضَنَتْ فبُورِكتِ النَّدى الأُمُ! فَلَيْس لَنا بِها هَمٌّ سِواها فهي الهَمُّ! يُزيدُ لها حياةَ المَجْد وهي المَجْدُ والكَرَمُ! سَقَتْها السُّحْبُ ما يَخْضَرُّ منه القاعُ والأكَمُ! فما أَكْرَمَ ما أَشدَتْهُ ما يَسْمو به القلم! أَلا يا مَكَّةُ العَصْماءُ يا حب الملايين! وذات المَجْدِ في الدُّنيا وذات المجْدِ في الدِّينِ لقد أَنْجَبتِ من أَنْجَبْتِ من غُرِّ المَيامِين فَكانُوا النُّورَ لِلْعالَمِ في كُلِّ الميَادينِ! وكانوا الخُلُق السَّاِميَ يَعْلُوا بالمَساكينِ! فَيَرْفَعُهم إلى الذُّرْوَةِ تَصْبو لِلْمضَامِين..! فما يَعْنُونَ بالأَشْكالِ تَسْخَرُ بالمجانِين! كُفينا بِكِ يا مَكَّةُ مِن شَرِّ الشَّياطِينِ! يا حَنِيني لِمًكَّتي رَغْمَ بُعْدي عن ثراها الزَّكِيِّ عن أَبنائِهْ! أنا مِن ذلك الثَّرى قد تكَوَّنْتُ وفي ظِلّهِ وظِلِّ سَمائِهْ! كيف لا أَسْتَعِرُّ مِن حُبِّه الهادِي ولا أَسْتَطيلُ مِن إطْرائِهْ؟! هُولِي خَيْرُ ما أَسْتَحِلُّ من الحُبِّ وما أَسْتَطيبُ من آلائِهْ! ذِكْرياتي مُنْذْ الصِّبا عَنْه حَتَّى شِبْتُ كانَتُ لِلقلبِ خيْرَ غّذائِهْ! لًيْتَني ما ارْتَحَلْتُ ولا غَابَ عَنِ العَيْنِ سَرْمَدِيُّ سَنائِهْ! تِلْكَ كانَتْ مَرَابعُ العِزِّ والصَّبْوةِ في ناسه وفي أندائِهْ! أَتمَنَّى البَطْحاءَ تِلْكَ لِمَثْوَايَ ندِيّاً في صُبْحِه ومَسائِهْ! بّيْن أَهْلي وَبَيْن صَحْبي فما أَطْيَبَ هذا الرُّقادَ في بَطْحائِهْ! رَبِّ إنَّ اللِّقاءَ أَمْسى قَريباً فأَرِحْنِي بِمَنِّه وعطائِهْ! إنَّ رُوحي مِن الآثامِ تَلَظىَّ فهو يَخْشى مِن جُرْمِهِ واجْتِرائِهْ! فَعَساهُ يَلقى بِعَفوِكَ عَنْه ما يُرِيحُ الأَثيمَ مِن بُرَحائِهْ! كانَ إيمانُهُ قَوِيّاً نَقِيّاً.. لم يُعَكِّرْ جُنُوحُهُ مِن صَفائِهْ! أّنْتَ تَدْرِي به وتَعْرَفُ نَجْواهُ فَخَفِّفْ عنه شَدِيدَ بَلائِهْ! أَيُها الإيمانُ يا بَلْسَمِي الشَّافي شَفَيْتَ السَّقيمَ مِن أَدْوائِه!